أخيرة

وأد الفتنة 
على حدود المتحف

  حنان سلامة

نشهد اليوم حقبة من أصعب المراحل التي يمرّ بها العالم بشكل عام ولبنان بشكل خاص، لكن لا شكّ في أنّ الشعب الذي استطاع سابقاً بإرادته وصموده أن يتغلّب على كلّ ما مررنا به من ويلات وحروب، لا بدّ أن يخرج من أزمته منتصراً، شرط التحلي بالوعي وعدم الانجرار خلف الأبواق التي تسعى إلى الفتنة.

قد يكون هناك مخطط لعودة الصراع الداخلي الذي يخدم العدو، حيث يعود الانقسام الطائفي وتسود الفوضى والاقتتال بين أبناء البلد الواحد، فهذا التوتر اذا لم نعرف كيف نستوعبه سيؤدي إلى انفجارٍ لا تُحمد عقباه، وسيكون أثره مدوياً.

نحن لا نحتاج إلى التذكير بالعقود الماضية والآثار التي خلفها التعصّب، والتي لا تزال حتى اليوم كالنار تحت الرّماد، تنتظر حركة غير واعية لتعود إلى الاشتعال.

مهمّ جداً أن نعي قيمة أنفسنا، ونترجم هذا الوعي بتصرفاتنا. فقيمة المرء لا تكمن بالاهتمام بالمظهر الخارجي فقط، رغم أنّ ذلك يعكس أحياناً صورة إيجابية، ويعطي دفعاً قوياً في أثناء التعاطي مع الآخرين. لكن الغلو في التباهي يجرّنا إلى الاهتمام بالمظهر الخارجي أكثر من المضمون، لذا، علينا ألا نكون ضيّقي الأفق كي نحيا أحراراً، فمن يعِش على هامش الأمور غالباً ما يصيبه التوتر وينتابه الشعور بالضعف. فعندما نثق بقدراتنا سنتمكّن من تحقيق الإنجازات من دون أن نهاب الصعاب، وسنُقبل على العمل بعزمٍ وإرادة، لكن ذلك لا يعني ألا ندرس خطواتنا ونختبرها قبل الإقدام عليها، فالإفراط في الثقة بالنفس غالباً ما يكون مجلبة للمخاطر ويؤدّي إلى الفشل في العمل.

عندما نكون قنوعين بما نملكه سنرى الحياة بشكلٍ مختلف، فنترفّع عن المقارنة بالآخرين، وننصرف إلى العمل والواجب من دون الاكتراث إلى قدرات الغير لأننا سنكون مؤمنين بأنّ لكلّ فردٍ منا قدرة خاصة، وحينها لن نيأس إذا فشلنا في عملٍ معيّن، بل سنعاود المحاولة بعد أن نكون قد تعلّمنا من الخطأ، أو استفدنا من خبرات الآخرين، فسرّ النجاح هو في مواجهة الصعاب بثباتٍ وتحدّ.

من هنا، نؤكد على وجوب الابتعاد عن الغرق بالمثالية لأننا حينها لن نقبل إلا بأفضل النتائج، وإذا لم نحقق المستوى الذي نطمح اليه سنشعر بالإحباط الذي يثنينا عن متابعة التقدّم نحو القمة، وسنقف فاقدي الثقة بأنفسنا.

في كلّ منا قوّة تقلب أسطورة الزمن حيث تتجلى مسؤولية كلّ فردٍ منا في التعبير عن آرائه، أو في سلوكه وتفاعله مع الآخرين بوعي. والأهمية تكمن في عدم الانجراف والتعمّق في الخطأ بل امتلاك القدرة على السيطرة على النفس من خلال التصويب على المسار الصحيح، وتحمّل تبعات الأفعال أو عواقب الأمور، الأمر الذي يمكن المرء من التحلي بالشجاعة الكافية، وحينها ينجح في كسب ثقة الآخر لكونه شخصاً واعياً يمكنه إدارة بعض المهام.

إذاً، هبّوا واخلعوا ثوب الهوان، وسيروا متكاتفين لتسحقوا جبابرة الجهل. فالطريق الذي تخطه العزيمة المصحوبة بالفكر والوعي يوصل إلى برج النصر والنجاح؛ فكم من شعوب أهلكها التخاذل والهوان بعد عزّ مجيد! وكم من أمةٍ تفرّقت إلى مجموعة دول بسبب الانفعال او التعصّب والتطرف.

كلّ مواطن ما زال ضميره حياً هو خفير. واليوم واجبنا الوطني ينادينا كي نخمد فتيل الفتنة، ونظهر وعينا، كي لا نعطي فرصة إشعال الفتنة لمن له مصلحة في خراب البلد.

قرأنا الحربَ على أفواه الجملِ

وعادت الأفكارُ إلى عهدها الأولِ

يا ابن موطني هذا كفي

صافح يديولنوئدِ الفتنةَ

فالفتنةُ أشدّ من القتلِ…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى