الوطن

«لا تقرعوا الأجراس رفيقي لم يمُت».. دماء شهدائنا الثلاثة فداء لكفتون والكورة ولبنان

} سماهر الخطيب

كفتون بالأمس ليست كما هي اليوم. فحرّاس ليلها قد ارتقوا من الأرض إلى السماء أبت نفوسهم إلا أن يبقوا حرّاساً يضيئون عتمات لياليها المظلمة.. كما هم أقمار ثلاثة بقوا في قلوبنا وبقيت أرواحهم تنبض داخلنا في أعماقنا وفي أزقتنا وفي قرانا.. وكما الزوبعة تخفق في قلوبنا خفقوا شهداء النظام وشهداء الواجب وشهداء القوة لنتنشق عبق الحرية من أجل شرف أرضنا وأمتنا من أجل كرامتها وعزتها ومجدها وخلودها، فكان خلودهم حينما ارتقوا فرضوا أنفسهم على الوجود فهم من هجم على الموت بصدور عارية وقلوب متجلّدة بالحق والخير والجمال.

بالأمس، لبست كفتون بل الكورة وكل لبنان، وشاحاً أسود ببياض قلوبهم رسم فيه دائرة البياض النقي وبدمائهم الذكية العطرة ترسّخت الزوبعة في منتصف البياض؛ فكان استشهادهم علماً يرفرف وأهزوجة تصدح وحشوداً تحتفي حزناً فما اعتدنا الحزن رغم طرقه بابنا منذ ولادة أمتنا، بل كان مع كل طرقة حزينة نبضة فرح تغمر قلوبنا فنحن أبناء الحياة والحياة لنا لا نستصعب دروبها ولا سراديبها المظلمة حتى وإن كان الموت فأهلاً به حين يكون دربنا للحياة.

تحية الوداع بزواياها القائمة لا زالت قائمة في صفوفنا منذ أن اغتيل زعيمُنا اعتدنا تحية الوداع فنحن ذوو عقيدة تؤرق الأذهان ويرتجف لسماعها السجان لا الشدائد تميتنا ولا الأهوال تخيفنا، بل نحن في عقلناشرعنا الأعلى عابرون للطوائف والأديان مؤمنون بنهضتنا وببقاء أمتنا.

هذا هو ثمن الانتماء إلى الوطن وإلى ذرات ترابه، ثمن تدفعه نفوس عظيمة أمثال فادي وجورج وعلاء، نفوس تبادر وتقتحم وتبذل كل ما لديها في سبيل خير الأمة وخير الناس، فمن يدفع الأثمان سوى النفوس العظيمة التي تدفع ما غلا وعزّ على غيرها تضحّي بذاتها وبنفسها لأنها في طليعة الحق والخير والجمال، فكانت الحياة عندها وقفة عز فقط وما أكثرها وقفات العز من أبناء كورة العز.. كورة الكرامة.. كورة الإباء..

وفي جوّ محزون أجرت «البناء» حوارات مع أبناء كفتون ورفقاء الشهداء الذين شهدوا على الجريمة المروّعة التي لا تزال الكورة بجميع أبنائها بل لبنان بجميع أطيافه مصدوماً من هولها وهول مصابها على نفوسنا جميعاً. فالكل لا يزال تحت وقع الصدمة مطالبين بالجناة وتحقيق العدالة ورافعين الصوت حتى تؤدي الدولة مهامها بإلقاء القبض على المجرمين والبحث في ملابسات الجريمة التي لا تزال غامضة الأهداف والنيات..

وفي هذا الشأن قال أحد أقرباء الشهيد فادي «البناء»: «كنت في عطلة في كفتون وكان الشهيد فادي يأخذ ابني معه إلى الصيد ووعده بأن يأخذه معه اليوم، وكان ابنه في منزلنا وفي العاشرة والنصف ليلاً سمعوا صوت إطلاق نار وظنّوا أن هذا صوت ألعاب نارية بعد نصف ساعة يأتي اتصال لم نفهم ما حدث واتصلوا بنا وأخبرونا.. أعرف شخصياً الشهيد فادي وأعرف علاء إذ لا يوجد أنقى من قلوبهم».

وتابع بالقول: «لا خيار لدينا إلا أن نثق بالدولة فالخيار الثاني ملغى لدينا بالعودة إلى الميليشيات ولا أريد لشباننا أن يلقوا القدر نفسه. ويمكن جورج وعلاء وفادي فدونا ربما كان هناك شيء قذر يتحضّر ضدنا وهم بدمائه فدوا كل لبنان حتى لا يمرّ أبنائي وأبناء الآخرين بما مرّوا به. فالدولة لا خيار أمامها سوى كشف مجريات الجريمة».

وتساءل مستغرباً «كيف وصلت هذه السيارة إلى هنا؟ ألم يرَها أحد! ألم يراقبها أحد! أين المخابرات والمعلومات؟.. هناك أسئلة كثيرة ومنها كيف هربوا مشياً على الأقدام؟ ونحن أبناء المنطقة ونعلم أنهم لا يستطيعون ذلك أي أن هناك تقصيراً في مكان ما والدولة برأيي تعلم منذ الساعة الأولى ما الذي حدث..».

أما طوني عساف فتحدّث عن ساعة وقوع الجريمة قائلاً: «كنا جالسين في المنزل بحدود الساعة العاشرة ليلاً سمعنا صوت إطلاق النار إنما لم نعطِ الموضوع أهمية، لأن منذ حوالي الأسبوعين تقريباً سمعنا صوتاً مشابه، وكان الجيش يتدرّب أثناءها في الوادي فلم نعط الموضوع اهتماماً. بعد قليل أخبرنا الجيران أن الرصاص في كفتون فوراً اتصلت بعلاء وفادي، لكنهما لم يردوا فاتصلنا بزوجة فادي، ولكنها لا تعلم ما الذي حدث. ونحن في طريقنا إليها أخبرونا أن هناك سيارة أطلق مَن فيها النار على فادي وعلاء وجورج وهم مضرّجون على الأرض». وأضاف: «كان خبراً صادماً جداً الشباب هم عيوننا الساهرة هم مَن يريحوننا ليس فقط نحن بل القرية والمنطقة كلها لأنهم يبقون لساعات متأخرة من الليل ساهرين، وهم يحرسون أمننا ولا يدعون أحداً يمر إلا ويسألونه. كانت السيارة من دون نمر فحاولوا إبعادها. اليوم هم كشرطة بلدية وهناك منع تجوّل أن يذهبوا من القرية لم يذهبوا بل عادوا مرة أخرى ولاقوهم الشباب من الجهتين إنما لم يعطوهم الفرصة، وهم عزّل».

وأوضح عساف قائلاً: «نحن لدينا سرقات كثيرة في القرية وهي أحد الدوافع التي جعلتنا نطلب من الشباب حراستنا قبل البلدية، إنما تبنت البلدية هذا الموضوع ولكن المشكلة أن في قانون دولتنا أن الشرطي البلدي لا يحق له حمل سلاح. شبابنا واجهوا بصدورهم العارية وحتى لو كان معهم فسلاح الجاني لم يعطهم فرصة، لأنه أطلق الرصاص عليهم قبل نزولهم من السيارة والجاني محترف فحتى يستطيع إطلاق النار برأسهم من طلقة واحدة فيبدو أنه قاتل محترف. وهذا قدرنا على كل حال».

وعن دور الدولة قال عساف: «بالنسبة لنا تأخرت الدولة، لأن الحادثة وقعت حوالي الساعة التاسعة وأربعين دقيقة تقريباً ولم يأتوا حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً فلو أراد الجناة الهروب سيستطيعون ذلك. وقد استطاعوا ونحن عزل لا سلاح لدينا ولا نستطيع أن نجري وراءهم في الأحراج. لهذا السبب تأخرت الدولة وهم يعلمون أكثر منّا فلديهم الأجهزة والمعدات».

وأضاف عساف بأنّ «نديم الجميل كان موجوداً، فمن الممكن أن يكون هؤلاء القتلة قادمين لاغتياله، ربما حتى يعملوا فتنة ففدوه شبابنا، لأن هذه المنطقة هي عرين الحزب السوري القومي الاجتماعي وبالنسبة لنا هذه منطقتنا وعند كعب كل زيتونة هناك قومي وتوجد فئات أخرى، إنما نحن نعتبر في هذه المنطقة ومسماة علينا، فربما أرادوا فعل ذلك وإلباس التهمة لنا يعني ربما هي جريمة من هذا النوع ليلبسونا إياها. وفي هذه الحالة شبابنا فدوه وهو يريد قتلنا مثل ما كان جدّه يريد يقتل زعيمنا وزعيمنا أراد أن يحافظ على رأسه، وكأن التاريخ يعيد نفسه».

وختم بالقول: «أبناؤنا ورفقاؤنا لن يعودوا إنما نتمنى معرفة القاتل المجرم ربما يروي ذلك غليلنا وإذا تم إلقاء القبض على الجاني ربما تبرد النار قليلاً، رغم أنه لن يعيدهم إلينا إنما نأخذ القصاص والله يصبر قلوب عائلاتهم».

في حين قال غسان عساف «لا شك في أنها فاجعة وكارثة بكل ما للكلمة من معنى وقع علينا. لا نزال تحت وقع الفاجعة، ولم نستوعب حتى اللحظة إنما بعد التحقيقات وتوضحت بعض الأمور، حيث كنا نعتقد أنها سرقة وكانت تحدث ونلاحقهم لذلك كان رفقاؤنا غير مستنفرين أو آخذين احتياطاتهم. وفي داخل القرية الأمور عادية تعتبر أموراً عادية، ومن وإلى أين أسئلة معتادة».

وتابع بالقول: «إنما كما تبين أنهم تفاجأوا بهم وإطلاق النار والإصابات المباشرة كلها تدل على أنها جريمة محترفة، خاصة أن الرصاص في الرأس والسارق لا يطلق الرصاص في الرأس، إنما طلقات طائشة حتى يخيفهم ويلوذ بالفرار. إنما هناك شيء كان مقصوداً به عمل فتنوي أو كارثي في المنطقة».

 وأضاف «نتأمّل من القوى الأمنية والسلطات والدولة والتي نحلم بأن تكون لدينا دولة أن تتبين شيئاً لأسباب عدة أولاً نرتاح نحن ونعرف ما المقصد من هذه الجريمة، وما الهدف وما الذي كانوا يريدون فعله، لأننا حتى الآن نحن في وضع الاستنفار في منازلنا وأحيائنا وقريتنا ككل، لأننا لا نعلم ما الذي سيحدث أنرجع إلى الأمن الذاتي ولا نريد ذلك، إنما إذا فرض علينا فإنني سأحمي بيتي كغيري عن ضيعتي وهذا من المفروض ألا نفكر به». وختم بالقول: «نأمل أن تصبح لدينا دولة تقوم بمهامها وتأمين الحماية لمواطنيها».

ثلاثة أقمار ارتقوا إلى السماء والسبب تفلّت أمني ومجتمعي وغياب واضح لهيبة الدولة على أرضها ولن تهدأ النفوس وتستكين حتى يعمّ السلام في كل لبنان وفي كشف ملابسات الحادثة المروّعة كشفٌ لسيناريو فتنوي كارثي كاد أن يؤدي إلى جو كارثي فتنوي إنما فداء لتراب الوطن زينت سماؤه بأقمار ثلاثة ولا يزال الصوت صادحاً لا تقرعوا الأجراس رفيقي لم يمت..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى