حديث الجمعة

فجيعة الموت…

الموت يوجع الأحياء ويلامس مطارفهم والحشايا، ويمضي كما الأعوام، ويذوي كنجم هوى من عليائه ليرتقي أسباب السماء، تاركاً واحات أهله مستجيباً لنداء ربه، يذهب بعيداً وهو نقي الأثواب، متجاوزاً الضياع إلى الحضور في خليط من البؤس والشغف والأماني واللاجدوى، تماماً كما هو العالم من حولنا، فيعود ليستريح تحت شجرة الأرز حاملاً في يديه عشبة النقاء..

أمّا الأصوات المكلومة الصادحة بعده فهي ما زالت تنادي رويداً أيها الحادي فقد غدا من بعدكم الحزن صديقاً حميماً لا يجود الزمن بمثيله حتى صار صديقنا الكبير العارف باشتغالات اطمئناننا حدّ القلق.

فهل إلى مردّ من سبيل، وهل لشراع سفينتنا أن يقاوم الموج العتيد أم هل يكتسي الدهر الجديد ملامح انتظاراتنا المؤجلة من رحلوا هم الأنقى فقد كانوا يحاولون جاهدين أن يقيموا الوئام وسط خراب الأيام، وينأوا بأنفسهم خارج الصخب والتدافع والهلوسات، لقد أغلقوا الباب بصمت كي لا يستفيق بعدهم الأقربون ولم يثيروا الضجيج للوداع بل راحوا يغلقون الممرات ومضوا، واختاروا لأنفسهم فرصة الرحيل، وهكذا يفعل زائر الموت كل مرة يخبر الأحبة لا سبيل أمامكم سوى الوداع، وعليكم أن تتمسكوا بصناعة الحزن وأوجاع الكلمات ليكون للرحيل معنى آخر..

سلام على زمانكم الذي كرستموه للخير، وعلى مآقيكم حدّ التعب، سلام على الغياب الجلل بالحضور، فأنتم لن تتركوا هواجسكم القديمة لتغادروا أجمل الذكريات، ولن تفترشوا خمائل الوداع عند ضفافكم المعشبة، بل غادرتم مواعيدكم وطويتم أسراركم لتمضوا، لا لن تتوارى وجوهكم الزاهرة فقد رسمت أناملكم السخية ملامحكم في لوحات الأصدقاء والمقربين، كذلك لن تذوي أصواتكم الحميمة لتوقد حزناً غريباً على أرصفة الأحلام الكئيبة ليجعلهم يسيرون خلف سراب اللقاء المجهول، ولن تكون الذكريات بديلاً عنكم طالما أنتم حاضرون في سماء المحبين أبداً، لذا لن تشيخوا بوجوهكم وكل الجبهات تمنحكم محبتها.

لقد زرعتم حقولاً من الوجع بفقدكم فغادرت كل فراشات أحلامنا ويمامات فرحنا لقد كان سفركم المفاجئ إلى تخوم الآخرة قطع شوط الختام المخبوء ليأخذ معه أحاديثكم الندية وعبارات السلام التي لطالما سمعنا منكم. يبدو أنكم اخترتم الشواطئ البعيدة لتستريحوا على ضفافها، فتعود مرة أخرى لترسم على رمال الشاطئ أحلامكم العنيدة وتنتظر فلعلّ القادم يشي بالأمنيات ويزرع بذاره في أرض الطموحات لتبت اخضرارها فتمنو وتخصب..

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى