الوطن

لا تزال سورية في أولويّات تركيا وروسيا

} د. هدى رزق

لا تزال العلاقات الأميركية التركية متوترة في سورية بسبب تعاون الولايات المتحدة مع قوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية والتي ترى تركيا أنها غطاء لوحدات حماية الشعب وتعتبرها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني. لا يبدو انّ أردوغان قد أحسن تقدير الضوء الأخضر للغزو التركيّ لسورية الذي سمح له به الرئيس الأميركي ترامب، وهو لا يزال يعتبر انّ الأميركيين قد أخلوا بصداقتهم لتركيا التي تعارض وجود وفد من «قسد» او من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لتقرير مصير سورية في اللجنة الدستورية السورية التي تعقد في جنيف، وبالرغم من المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي الى سورية جميس جيفري مع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار بعد عودته من اجتماع جنيف حول سورية، حيث تطرق من بين مشكلات عدة الى مشكلة المياه التي تقطعها تركيا عن المنطقة وتقول إنه بسبب عبث «قسد» بالكهرباء وقطعها عن تل أبيض وعين العرب، حيث يوجد «الجيش الحر» بعد احتلالها لهذه المنطقة بضوء أخضر أميركي، يحكم التباعد العلاقة مع الولايات المتحدة، وحدها العلاقة الشخصية بين ترامب وأردوغان هي السائدة وهذا لا يبدو كافياً بين دولتين تدّعيان انّ العلاقة بينهما استراتيجية.

وعلى أثر النقد الذي وجّهه أردوغان الى الولايات المتحدة ونقده لتطبيع الإمارات العلاقة مع «إسرائيل» اعترضت وزارة الخارجية الأميركية بشدة في 25 آب/ أغسطس على لقاء أردوغان مع اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كان ردّ وزارة الخارجية التركية ضدّ البيان الأميركي عنيفاً، واعتبرته بأنه «وقح» من دولة تدعم حزب العمال الكردستاني بشكل علني، وتستضيف زعيم منظمة فتح الله غولن، المتهم من قبل أردوغان بمحاولة الانقلاب عام 2016. وكان ترامب قد حاول لعب دور الوساطة بين العراق وتركيا إبان زيارة رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي إلى واشطن في 20 آب الماضي وعرض مساعيه الحميدة للمساعدة في تهدئة التوترات العراقية التركية بشأن الهجمات التركية على حزب العمال الكردستاني في العراق، إلا انه وعلى رغم اتصال ترامب بأردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في 27 آب/ أغسطس لتهدئة التوترات في شرق البحر المتوسط ​​، قرّرت تركيا مع ذلك المضيّ في التدريبات البحرية بالذخيرة الحية.

يتحرك أردوغان في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ضدّ اليونان بهدف أخذ حصة من غاز المتوسط، وهو يعتبر انّ له الحق بذلك، أما في الداخل فهذا الموضوع يحمّس قاعدته القومية ويشعلها، وهي تعتبر أنّ تركيا ظلمت حتى في اتفاقية لوزان بسبب الجزر التي تحتفظ بها اليونان، يحدث هذا الطرح شرخاً داخل دول الناتو الذي بات يشكو من تصدّعات عدة.

في المقلب الآخر، تصرّ تركيا على التفاهمات حول إدلب وعلى المحافظة على اتفاق 5 آذار/ مارس الذي عقد بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لإنشاء ممرّ أمني حول الطريق السريع M4 الاستراتيجي الذي يربط بين محافظتي حلب واللاذقيةوعلى الرغم من تنفيذ ثلاث طائرات روسية 12 غارة جوية بصواريخ حرارية في 18 آب على أطراف قريتي حربنوش وكوكانيا غربي قريتي معرة السن والشيخ بحر ومعسكر السلامة غربي إدلب واصطدام القوات الإيرانية والسورية التي تديرها إيران وروسيا من حين إلى آخر مع الفصائل في إدلبK إلا انّ هذه الغارات لن تؤثر على العلاقة ويهدف القصف إلى إرسال تحذيرات وتهديدات لفصائل المعارضة، الا انّ عودة الدوريات المشتركة على الطريق السريع M4 هو مؤشر مهمّ على أنّ كلا الجانبين يريد الحفاظ على خريطة المنطقة ودعم وقف إطلاق النار.

تحاول روسيا ترسيخ موقعها في شمال شرق سورية وتنشئ تشكيلات موالية تحضيراً لمغادرة القوات الأميركيّة المنطقة، لكن يمكن أيضاً لأنقرة أن تفكر في تعزيز موقعها في شمال شرق سورية من خلال بعض التنازلات لروسيا في إدلب.

تكتظ المنطقة في شمال شرق سورية وأي حادثة تقع يمكن أن تصعّد الموقف بين الولايات المتحدة وروسيا. توجد في المنطقة قوى عسكرية وتشكيلات مسلحة لروسيا في جزء الشمال الشرق السوري والولايات المتحدة وتركيا وإيران والأسد والمعارضة السورية والأكراد والقبائل العربية وحزب العمال الكردستاني والدولة الإسلامية. تتعارض مصالح تركيا مع مصالح السعودية والإمارات المنتشرة في تلك المنطقة داعمة لبعض القبائل العربية… كلّ هذا يخلق مزيجاً شديد الانفجار يمكن أن تشعله شرارة صغيرة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى