أخيرة

“أجراس العودة فلتُقرَعْ”

} سايد النكت

مرة جديدة، يحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، بعد أن حضر في وقت سابق إلى شوارع المدينة المحروقة وأزقتها المدمّرة، يبحث في قلوب الناس المفجوعة بالضحايا والدمار الهائل، عن «عاطفة» مرّ عليها الزمن تجاه «الأمّ الحنون».

أطلّ ماكرون بحلة مندوب إنساني بمركب إنقاذي تتبعه بوارج «الإنسانية» المتعدّدة الجنسيات، مسنونة الحراب، محمّلة بالمعونات والعتاد وفرق «الإنقاذ» والتدخل السريع وخبراء التفجير والمتفجّرات.

سيطلّ الرئيس الفرنسي اليوم مجدّداً، وعلى أجندته لقاءات تشمل من يروّج لـ «الحياد»، ويجمع العارفون بأنّ «الحياد» المطروح قد يكون جزءاً من حياكة ثوب مئوية لبنان الكبير الثانية!

بالتأكيد، لن يأخذ الرئيس الفرنسي، بركة الوجدان من الرابية الفيروزية، ففيروز هي أسمعت العالم «بحبك يا لبنان يا وطنيٍ بحبك»، وهي غير معنية بغير حب الوطن.

ولكن، مع نزول ماكرون من القمة حيث فيروز، الى قصر الصنوبر، وإجراء بعض الخلوات والتشريفات، قد نكتشف «وثيقة ملكية» كتلك التي مُهرت في إعلان المئوية الأولى بتواقيع «الأمّ الحنون» وأنسبائها في فرساي، وقد يتماهى ماكرون مع الجنرال غورو بوقفته مع الأعيان ليقرأ عليهم ومن جديد شروط وموجبات الولادة الثانية بعد أن خال نفسه، وقبل أن يصعد طائرته قادماً الينا، ومن مرآة فرساي، بانه يرتدي حلة كليمنصو.

وثمّة من يمهّد لماكرون بمسمدة أرضية المئوية الثانية بصبّة الحياد، مستعيراً مكوناتها من أرضية الميثاقية الأولى، من دون أن يأخذ واقع ذاك الزمن ومفارقاته. فالحيادية كانت يومها (لا فرنسا ولا الغرب ولا سورية ولا العرب) وتركيا العثمانية كانت بمثابة «الرجل المريض» المتقهقر الى مثواه الأخير، والتي تحاول اليوم أن تعبّ البحر المتوسط بموانئه ونفطه إضافة لتمدّدها في الشمال اللبناني، كما بقضم مساحة لا يُستهان بها من الشمال السوري، وتزحف نحو جنوب شرق العراق، ورايات العثمنة وإمبراطوريتها لا تخفق فقط فوق رأس السلطان الجديد، بل ترفعها أيادي مجموعة من اللبنانيين، الذين شدّوا «الأحزمة»، فوق رؤوسها ويهللون للسلطنة العثمانية الجديدة. هذا يأتي متوازياً مع استفحال غطرسة العدو الصهيوني وتهديداته المتكرّرة للبنان وأطماعه فيه مما يضع لبنان بين فكي تنين طامع واحد سيحاول الإطباق عليه شمالاً وآخر جنوباً، ويمسي الحياد في ظلّ النياب البارزة ضرباً من الخيال. فكيان العدو الصهيوني، يضع لبنان في مرمى أهدافه التوسّعية، وسبق له أن اجتاح لبنان وصولاً الى العاصمة بيروت، وهو الآن يقضم من أرضه وأحواض نفطه ويتطلع إلى قضم كلّ مدى انطاكية وسائر المشرق أرضاً وشعباً وثروات ومواقع. وله في لبنان عملاء، مثلما أصبح لبعض الدول الراعية للإرهاب أدوات وإرهابيون.

في ما مضى كان الواقع مختلفاً. لم يكن في لبنان معادلة ردع، وعناصر قوة، ولم تكن أميركا وجيوشها وقواعدها المتعدّدة، لا سيما في عوكر، على الأرض وكما هي اليوم في تنازع مع روسيا مدعومة من الصين و»براكس» يتنازعان على حلبة تضارب المصالح الكبرى على الأرض السورية عامة بما فيها لبنان

على أرضية ما يسمّى الحياد انطلقت المئوية الأولى للبنان الكبير، وقد دفع اللبنانيون أثماناً باهظة نتيجة النظام الطائفي الذي فرض عليهم، والذي تآمر على منقذ لبنان والأمة أنطون سعاده واغتاله.

أمّا اليوم فإنّ «جبلة» الحياد لأرضية المئوية الثانية، ستكون لها تداعيات كارثية، خصوصاً أنّ كلّ المنطقة والعالم يتوزع على محاور، وفي ظلّ كيان صهيوني يشكل تهديداً وجودياً للبنان.

إنّ ربط لبنان بمئوية ثانية تستنسخ الأولى، لن يكون بإرادة السواد الأعظم من اللبنانيين التوّاقين إلى أن لا يجترّوا مهالكهم في المئوية الأولى. فمصلحة لبنان وبنيه، هي بالإخاء القومي، وبفصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التدخّل بشؤون السياسة والقضاء القوميين، وإلغاء الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب وبناء الدولة المدنيّة والمواطنة الحقة على قاعدة الكفاءة، ولبنان دائرة انتخابيّة واحدة خارج القيد الطائفي، منفتح على محيطه الطبيعي. وهذه هي مبادئ الحزب القومي التي وضعها أنطون سعاده وهي الكفيلة بأن تضع لبنان على سكة ألفية أولى حافلة بالنهوض والتقدّم والازدهار.

إننا نذكّر الرئيس ماكرون بأنّ «أجراس العودة» التي غنّتها السيدة فيروز دعت لقرعها، ليست للعملاء ولا لأيّ شكل من أشكال الاستعمار، بل لشوارع القدس العتيقة ولمزارع شبعا السليبة وللقرى السبع.

«أجراس العودة فلتقرع» من أجل بناء لبنان جديد، محصّن بعناصر وحدته وقوته، لبنان الذي لا يعرف حياداً في الدفاع عن حقه، ويقف دائماً مع الحق ضدّ الباطل.

..وللحديث تتمة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى