أولى

يسقط حكم الفاسد؟ تحيا الـ «أن جي أوز»؟

 د. موفق محادين*

 

بالإضافة إلى ما هو متداول عن جماعات التمويل الأجنبي، التي يجري تسويقها كمنظمات غير حكومية، فيما ترتبط غالبيتها الساحقة بجهات ودوائر حكومية في بلدان المنشأ والتصدير، الأميركي والأوروبي (احزاب تتداول السلطة) وصناديق ومؤسسات مرتبطة بها او بوزارات الخارجية ودوائر الاستخبارات او بعض المراكز الاكاديمية، بالاضافة الى ذلك لم تعد هذه الجماعات مجرد مجاميع ناشطة بديلة عن قوى المجتمع المدني الحقيقية (نقابات مهنية وعمالية ومنظمات شعبية وقوى سياسية) ولا مجرد تشبيكات لاستيعاب يساريين سابقين وبناء داتا وارشيف معلوماتي عن قوى المجتمع المدني الحقيقية، بل صارت ايضا مساحات للاشتباك مع هذه القوى وللاجندة السياسية الخارجية، سواء لجهة الضغط على بعض القوى والرموز والحكومات، او لتفكيك الدول باسم تغيير الانظمة.

فوظيفة القسم الاعظم من هذه الجماعات وبالتوازي مع نقيضها (الأصولي) هي إطلاق الفوضى وعش الدبابير، كما صندوق باندورا في الاسطورة الاغريقية ولكن دون اي امل في القاع، بحسب الاسطورة، ودون أيّ ورقة خضراء على شجرة الفقراء في مسرحية بيكيت، بانتظار غودو.

وتزداد خطورة هذه الوظيفة في المناطق المستهدفة بحدود الدم بحسب رالف بيترز مثل لبنان وسورية والعراق، والخرائط والهويات القاتلة الجديدة في حقبة التحول الكبير للسلطة (توفلر) والاجيال المتسارعة من ثورة المعلومات والمالثوسية الجديدة.

وليس بلا معنى تسويق شعارات (ثورة بلا قيادات) وبلا برامج وبلا احزاب وبلا سياسة لشرق بلا دول (كانتونات صهيونية وولايات عثمانية).

فالقيادة الخلفية مرسومة وموجودة في مراكز المتروبولات الاطلسية ولا داعي لاية مراكز سيادية جنوباً، حيث يجري تفكيك الدول الى مجاميع بلدية كبرى باسم المجتمع المدني.

هكذا، ورغم ان الكورونا قلصت حركتهم الخارجية (السياحة باسم الدفاع عن الحريات وتمكين النساء والشباب) الا ان هذه الجماعات وجدت في الفساد والجوع الذي ضرب لبنان فرصتها لتقديم نفسها كبديل مدني مزعوم لما يسمى بالطبقة السياسية (مفهوم غير علمي ولا معنى له) والادق الحديث عن تحالف طبقي بنكهة طائفية تفسّر افكار مهدي عامل حول جدل العلاقة بين الطائفية والكولونيالية كظاهرة تابعة للمتروبولات الرأسمالية.

ومن المناخات الأخرى التي تسعى لتوظيفها ايضا، الصدمة المروعة الناجمة عن جريمة العصر الموصوفة في مرفأ بيروت، والتي لا تقل عند اللبنانيين عن صدمة الصوملة التي وصلوا اليها بعد ان ظنوا انّ بلدهم مؤهّل لان يكون «سويسرا الشرق»، كما توهّم من قبل مفكرو الكيانية اللبنانية، ميشال شيحا وكمال يوسف الحاج وكذلك أستاذ الفلسفة الديبلوماسي شارل مالك.

في هذه المناخات وبالاتكاء على شيحا والحاج مفرغين من تحذيراتهما من الخطر الصهيوني، عاد نشطاء التمويل الأجنبي بطبعة جديدة من خطاب لا سياسة ولا احزاب والحياد الأخرس على مرمى امتار من عدو مفترس يسيطر على واحد من اكبر الأحواض المائية وهو حوض شبعا، ويعوم في حوض النفط والغاز ويستعدّ لابتلاعه ما ان يدخل لبنان دورة جديدة من فوضى الثورات الملونة.

ولم يكن بلا معنى إصرار هذه الثورات على تلويث قلب بيروت بقبضة الاتبور التي صمّمتها أقلام الاستخبارات الاطلسية، كما إذاعة أوروبا الحرة كرمز مضاد لرموز حقبة التحرر وعقودها المجيدة.

والأسوأ من كل ذلك، وضع اليد على موضوعات الثورة البرجوازية الديموقراطية التي عرفتها أوروبا منذ وستفاليا القرن السابع عشر (الحرية، المواطنة، المجتمع المدني، العقد الاجتماعي، المحاكمات العقلية) وتسويق هذه الموضوعات على ايقاع مركب يناسب تحولات المراكز الرأسمالية في ثوب عنصري جديد، هو ثوب ليو شتراوس (الديمقراطية كأداة وليس كمنظورات إنسانية من اجل ترويض المتوحشين ودمجهم من موقع التبعية).

وكل هذا الخطاب نسمعه ونراه على شاشات لا تخفي علاقاتها التمويلية والمرجعية السياسية مع رجعية لا تقيم وزناً لأية حريات ولم تسمع بعد لا بالأحزاب ولا بدساتير ولا بالمجتمع المدني والعقد الاجتماعي.

استدراكات اضافية:

المثلية، الإعلام الاستقصائي والنوافذ الثقافية لمتوسطية

المثلية: لم يعد البنك وصندوق النقد الدوليين وحدهما يشترطان على الدول اضافة المثليين على قائمة الحريات، بل انضمّت لهما العديد من جماعات التمويل الأجنبي التي احتفلت بعام المثليين ورفعت علم قوس قزح في بعض الساحات، الى جانب قبضة الاتبور، وراحت تتحدث عن المثلية كحرية شخصية فيما هي كما حملات التعقيم الجماعية وما ينتج عن بعض مختبرات الامصال والأدوية، جزء من رأسمالية الإبادة وحربها ضدّ النوع البشري وفق المالثوسية الجديدة.

النوافذ الثقافية المتوسطية: بمشاركة (اسرائيليين) وبذريعة الاطلالة على الآخر وثقافة المرايا والوجوه الغيرية التي تعود الى مفكر يهودي فرنسي هو ليفينياس ومن اشدّ انصاره، برنار ليفي، ثمة لون آخر من نشاطات الاوساط الثقافية في جماعات التمويل الأجنبي، يظهر في المهرجانات السنيمائية والمسرحية والأدبية، كما مشروع قصص قصيرة من مدن متوسطية، أشرف عليه القسم الثقافي في جريدة لبنانية، وجمعت فيه احدى الشاعرات كاتباً (اسرائيلياً) مع كتاب عرب من مصر ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والمعارضة السورية.

الاعلام الاستقصائي: عرف لبنان هذا النمط من العلام أول ما عرفه من خلال السبر الأولي الذي قدّمته شركة «ساتشي اند ساتشي» لنشطاء في ما عُرف بثورة الارز الملوّنة التي اعقبت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وشاركت في تلك الحملة الاعلامية.

وتعود هذه الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها الى مجموعة إعلامية عراقيةيهودية (ساعاتيساعاتي) حكم على بعض أفرادها بالإعدام في العراق بتهمة التجسّس.

بيد انّ تلك الحادثة لا تعني بالتأكيد إدانة كلّ شكل من أشكال الإعلام الاستقصائي، الذي قد يؤدّي الى خدمة كبيرة في ملاحقة الفساد والفاسدين، اذا ظلّ بعيداً عن اية إقحامات وتوظيفات سياسية من الجهات التي تشرف على تدريب وتمويل الهيئات المعنية.

الى ذلك، فالأردن واحد من البدان التي شهدت نشاطاً كبيراً لهذا الإعلام، وكانت مركزاً لاستقطاب مئات النشطاء العرب، مثل رياض قبيسي الذي شارك في أكثر من نشاط في عمّان، ونال جائزة أكبر مؤسسة إعلام استقصائية، وهي مؤسسة «أريج»، التي ذكرت على موقعها انها تحتفظ بأكثر من مركز، بما في ذلك (القدس المحتلة) وتتلقى تمويلها من المصادر التالية:

1- منظمة ناؤمان نسبة الى اليهودي الألماني الذي جرى تكريمه بإنشاء مؤسسة باسمه لها فروع في أكثر من بلد منها (إسرائيل).

2- منظمات اسكندنافية.

3- والأهمّ مؤسسة المجتمع المفتوح لصاحبها اليهودي، جورج سوروس مهندس الثورات الملونة.

حديث عن سوروس:

يوصف سوروس بالمهندس الأعظم للثورات الملونة في كلّ العالم، وهو ملياردير يهودي أميركي من اصل مجري، مقرّب من الحزب الديمقراطي والتيار المتأثر بأفكار الفيلسوفة اليهودية الألمانية، حنة ارندت، التي تخلط عمداً بين الاشتراكية والنازية والقومية تحت عنوان الشمولية، وكذلك من فلسفة بوبر (الوضعية الليبرالية التي تجد صدى عند سوروس وفلاسفة الإمبريالية كحائط صدّ للذين يرفضون نهاية التاريخ عند الحقبة الرأسمالية).

جمع سوروس ثروته الهائلة من المضاربات على العملة في الأسواق الدولية ومنها بورصة لندن حيث اتهم بالنصب والتحايل، كما من غسيل الأموال في جزر الانتيل وفق رواية مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، الذي تصدّى لسوروس خلال حربه على النمور الآسيوية، ويشير أخرون الى ورود اسم سوروس في عدد آخر من الملاذات الضريبية.

الى ذلك يعدّ سوروس من أكبر ممولي الثورات المضادة، الملونة، في أوكرانيا وجورجيا وروسيا البيضاء وفي الشرقين العربي والإسلامي، كما في تمويل هيئات ومجموعات أخرى، مثل صندوق نيد الذي تولاه روبرت ساتلوف، وهو يهودي أميركي أشرف على أكثر من حراك مدني في الشرق الأوسط.

كما يدعم سوروس مجموعة الأزمات الدولية التي ضمّت إعلاميين ومسؤولين وأكاديمين عرب و(اسرائيليين) مثل شمعون بيريز، ستانلي فيشر وشلومو بن عامي.

وقد أوردت أشهر مؤسسة للإعلام الاستقصائي في الأردن اسم سوروس كداعم أساسي لها، كما يعدّ سوروس من أكبر داعمي مشروع شمعون بيريز (الشرق الأوسط الجديد) الذي يقوم على تبليع التطبيع مجاناً ودون ايّ تنازلات عبر ما يُعرف بالسلام الاقتصادي (مركز إسرائيلي ومحيط عربي تابع) ايّ قبل السلام السياسي على غرار تجربة البنيلوكس الثلاثي (هولندا بلجيكا لوكسمبورغ).

بوسع المهتمّين أكثر بجماعات التمويل الأجنبي ومصادرها وعلاقاتها، ان يتعرّفوا على المرجعيات اليهودية لها ودورها في الثورات الملونة، التي تحاول مصادرة الثورات الحقيقية الضرورية التي ينطبق عليها قول الفيلسوف الإيطالي اليساري، غرامشي (القديم يحتضر، والجديد لم يولد بعد).

اولاً من هذه المرجعيات اليهودية في ما يخص المؤسسات:

راند (مؤسسة تتبنى الاسلام السياسي الأطلسي كبديل لما تسمّيه ديكتاتوريات الشرق الاوسط) ومؤسسات مثل: نيد، بيت الحرية، صابان، معهد واشنطن، المجتمع المفتوح، المؤسسات الالمانية (ايبرتوناؤمان) المكاتب المعروفة في الخارجية الفرنسية زائد المراكز ذات الصلة في جامعات ومؤسسات اكاديمية مثل: هارفارد، كارنغي، موناش الاسترالية، القديس اندروز في اسكتلندا، وجامعة ييل التي أنتجت ظواهر مثل (عصابة الجمجمة والعظام).

ثانياً: اما المرجعيات اليهودية الشخصية فأبرزها:

ـ جورج سوروس، جرى الحديث عنه،

ـ جين شارب، مؤسس معهد البرت اينشتاين وتلميذه بيتر اكرمان.

البرناران: برنار لويس الذي ركز على الإسلام السياسي في قلب الثورات الملونة الى جانب سيناريو تمزيق وتقسيم المنطقة الىكانتونات طائفية، وبرنار ليفي الذي يقدّمه البعض كتلميذ في مدرسة ليفينياس الفلسفية اليهودية بالإضافة لحضوره في كلّ ساحات الفوضى من مصراتة التي يسيطر عليها الاسلاميون والمخابرات التركية الى افغانستان والبوسنة والهرسك وشمال سورية، وقبل ذلك في جنوب السودان، ولا يخفي البرناران علاقتهما القوية مع تل أبيب.

شارنسكي، وهو وزير أسبق في حكومة العدو الصهيوني، وتعدّ كتاباته حول الديمقراطية المزعومة (الطريق الى الديمقراطية، قضية الديمقراطية) مراجع مكمّلة لكتابات جين شارب وبيتر اكرمان، وتنطلق من فكرة انّ البلدان العربية لا يمكن ان تعبر الى الديمقراطية الا بتفكيكها واعادة تركيبها.

ـ ويمكن ايضاً ادراج رجال التفكيك بالقوة من ضباط المخابرات الأميركية ضمن مهندسي الثورات المضادة والملونة، وخاصة رجال الخيار المعروف بـ خيار السلفادور او فرق الموت، وابرزهم: روبرت فورد، نيغروبونتي، وآن باترسون، الذين سبقوا داعش بقطع الرؤوس في أميركا اللاتينية.

للمهتمّين أكثر بهذه الموضوعات، يمكنهم العودة الى مصادر أجنبية وعربية لا علاقة لها بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله وزمن الوصاية السورية.

من هذه المصادر الكتب البريطانية التالية: ديفيد غريبر (مشروع الديمقراطية)، سوندرز (من يدفع للزمار)، كارمن روس (ثورة بلا قيادات)، ومن لبنان وزير المالية الأسبق الدكتور جورج قرم في كتابه عن «العالم الجديد»، وثمة مصادر أخرى لا يحبّها الملونون مثل كتاب عمرو عمار (الاحتلال المدني)، كتاب مجدي كامل «رؤوس الشر العشرة»، كتاب رمزي المنياوي (الفوضى الخلاقة)، والكتاب الذي صدر في عمّان عن رابطة الكتاب الاردنيين بعنوان (مخاطر التمويل الأجني) وضم عشرين مشاركة عربية على الأقلّ.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى