الوطن

ليس صحيحاً أن فرنسا كانت حاضرة دائماً.. لماذا الآن؟

} روزانا رمّال

 

السؤال عن سبب الاهتمام الفرنسي بالملف اللبناني يبدو بالنسبة لأي مواطن في لبنان سؤالاً غريباً لأن الجواب عليه بديهياً يتعلق بعلاقة تاريخية عاشها اللبنانيون والفرنسيون عندما اجتمعوا سوياً على طبقاحتلال ووصاية، ما لبثت وتحولت إلى رعاية وعناية بكل ما يخص هذا البلد الصغير بالمنطقة حتى تغيّر كل شيء..

يرى اللبنانيون بما اختزنته ذاكرتهم اليوم الحضور الفرنسيطبيعياًالا انه بواقع الحالغريبفقد تربى جيل جديد بأكمله من الشابات والشبان وهم لا يعرفون طبيعة العلاقة المميزة بين البلدين، خصوصاً أولئك الذين عايشوا مرحلة ما بعد 2005 واغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري وهذا بحد ذاته جيل لا يعرف عن هذه العلاقة المميزة الا القليل بفضل كتب التاريخ لا أكثر.

نعم فرنسا لم تكن حاضرة في الساحة اللبنانية في أغلب استحقاقاتها الكبرى منذ العام 2005 ولم تكن السفارة الفرنسية تعيش الحركة المكوكيّة ولا نقطة ارتكاز عند أهل الحل والربط في السياسة لأن الهالة الأميركية سيطرت على المشهد بدخول واشنطن مباشرة على خط الأزمة منذ ذلك الوقت حتى هذا التاريخ فتم تفعيل الدبلوماسية الأميركية التي لم تشهد حتى الساعة سفيراً بنشاط وحضور الدبلوماسي الأميركي المتقاعدجيفري فيلتمانولم يتعرف جيل كامل من الشباب اللبناني على هذا الحضور سوى من خلال دور فيلتمان ودور سفارته التي أنيط بها العمل على تنفيذ أجندة كاملة متكاملة من تأسيس مشهديّة سياسية جديدة وحلف معارضة وتعزيز لحالة وجدانيّة عرفت حينها بثورة الأرز يُضاف إلى كل هذا الصراع الاستراتيجيّ مع مفهوم وجود حزب الله في لبنان فبدأت الحرب عليه وبدأ الأخير بالمواجهة.

واشنطن الحاضرة منذ تلك اللحظة كلفت حلفاءها العرب في لبنان تنفيذ الأدوار الثانويّة بعد رسم سياسة عامة التزموا فيها حيال المشهد اللبناني، فكان للرياض التي تربطها علاقة تاريخيّة بلبنان وتحديداً بعد اتفاق الطائف دور كبير وفاعل وكانت السباقة لعقد مؤتمرات تختص بمساعدة لبنان مالياً وتفعيل دور السفارة السعودية لجهة التماسك السياسي لحلفائها في لبنان ودعمهم وتزخيم حضورهم حتى تفوق الدور السعودي على ما عداه منذ خروج الجيش السوري من لبنان على الرغم من تطيير معادلة سينسين.

بالعودة إلى فرنسا التي لم تتحرّك بمبادرات حيال لبنان إلا من خلال طلب لبناني مباشر لاستخدام الموقع الفرنسيّ كنقطة ربط وجذب واستضافة للمؤتمرات المعنيّة بلبنان فكان مؤتمر سيدر الاول الذي يعود الفضل الأول فيه للرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي طلب بنفسه من الرئيس جاك شيراك ان يساعد في انعقاد هذا المؤتمر عام 2000 ومنذ ذلك الوقت استكملت الطلبات اللبنانية والآمال من انعقاد مؤتمرات سيدر 2 او 3 بناء على اعتبار فرنسا قاعدة احتضان مقبولة وقادرة على المساعدة في هذا الدور أو تبنّيه من دون أن يحدث هذا خرقاً كبيراً لجهة مساعدة الاقتصاد اللبناني بالنهوض بل بالمزيد من التعثر لأسباب بنيوية محلية دون شك وهذا حديث آخر.

اين فرنسا من لبنان ما بعد حرب تموز؟ واين فرنسا منه ما بعد 7 ايار 2008؟ واين فرنسا من سلسلة اغتيالات وتفجيرات ضربت لبنان بناء على الارتباط الوثيق بين الملف السوري واللبناني بما يتعلق بالتنظيمات الإرهابية، حيث لفرنسا موقف اساسي في كل ما يجري في ذلك الوقت كحليف اوروبي اساسي لواشنطن في الملف السوري والليبي وغيرهما ما بعد الربيع العربي؟ اين فرنسا من لبنان في سنوات أدت الى الانهيار الكارثي؟

بكل تأكيد التقارب الفرنسي اللبناني بقي معنوياً من دون أن يتعدى ذلك رسمياً لا سياسياً ولا تنفيذياً لسنوات وذلك بناء على طلب أميركي صريح باعتبار الملف اللبناني واقع ضمن اهتمامات الادارة الأميركية المباشرة منذ ما بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000 الذي تبعه اجتياح العراق 2003 بحيث لم تعش المنطقة أضخم من هاتين المحطتين حتى اللحظة واللتين رسمتا شكل الشرق الاوسط الجديد بالعيون الأميركية، وبالتالي تصدَر الاهتمام الأميركي كمظلة تحتضن حلفاء عرباً يحفظون لمصالحهم في لبنان وجوداً حتى إشعار آخر.

اليوم وبعد انفجار بيروت.. تغيّر كل شيء.. فجأة ظهرت فرنسا بمشهد المنقذ لاالحاضنمعنوياً بل ان المشهد الكبير في قصر الصنوبر الذي استضاف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على ارض سفارة بلاده ذكر الشعب اللبناني بالجنرال غورو عشية إعلان ولادة لبنان الكبير..

فجأة عادت فرنسا الأمل والحضن والوصاية بمعناهاالملطفوفجأة انقسم اللبنانيون بين مؤيدين ومعارضين لدور صار أمراً واقعاً وجدياً:

لماذا فرنسا الآن؟

فرنسا الآنلأن الأميركي الذي لا يرغب بانفلات المشهد في لبنان لصالح حزب الله وحلفائه في لحظة انهيار كتلك التي فرضتها الكارثة في انفجار المرفأ لا يرغب أن يتوجه لبنان الى الشرق وروسيا الحاضرة على بعد ساعتين في سورية والصين الجاهزة للمساعدة والعراق وإيران ورمزية كل منهما جعلت الهرولة الفرنسية نحو لبنان أولوية كبرى، وما وراءها كشف اعادة ترتيب لشكل المصالح الأميركية في لبنان أولها وعلى رأسهامراعاةواشنطن للرياض بعدم إعطاءقطردوراً بطليعة المبادرين حيال دور في لبنان على غرار ذلك الذي أعطي لقطر في الدوحة عام 2008. وهو الأمر الذي لم يجر حتى الساعة لا سياسياً ولا مالياً. فالعقد الجديد او التعديل او المخرج السياسي ليسدوحةاوطائفهذه المرة إنماعقد سياسيجديد برعاية فرنسية كما أن المؤتمر الدولي المالي الذي سيتشكل لإنقاذ لبنان بعد زيارة ماكرون الثالثة في كانون الأول فرنسي الهوية كمبادرة واحتضان، هذا إذ يدل على شيء فهو قطع الطريق امام اي حضور تركي يفتحه الحضور القطري في لبنان. وبالحالتين بتغطية أميركية من شأنها التأكيد على وضع لبنان حتى هذه اللحظة ضمن المصالح السعودية عربياً، ولو كانت غير مباشرة وضعيفة مع عدم اعتبار قطر بديلاً عربياً للمملكة في لبنان المغيبة حالياً بظل الوجود الأميركي المباشر الذي يرفع الورقة اللبنانية بوجه إيران والذي يبني أكبر منشأة دبلوماسية في المنطقة وهي السفارة الأميركية قيد الإنشاء في لبنان.

 فرنسا اليوم في لبنان والعراق وإيران.. لملء الفراغ ما قبل الانتخابات الأميركية وما قبل التسويات بالموقف المناسب…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى