الوطن

التطبيع الإماراتي لن يكون آخر الطعنات…

} جمال محسن العفلق

لو أردنا سرد التاريخ العربي الحديث والخاص بالتعاون مع قطعان الصهيونية التي أتت الينا من شتات الأرض فلا مقال يحملها ولا كتاب يستطيع احتواءها، وهذا ليس جلداً للذات إنما مجرد اعتراف بواقع مرير له أسبابه وعوامله الطبيعية التي أوصلتنا الى هذه النتيجة. فبعد اربعماية عام من الاحتلال العثماني ودخول الاستعمار الغربي وتشكيل حكومات ما بعد الاستقلال منها من كان وطنياً ومنها من كان نتاج استعمار استطاع خرق النسيج الوطني للشعوب بإنتاج قاده مكبّلين لا حول لهم ولا قوة، مكبّلين بالفكر الاستعماري وشعور الهزيمة قبل تقع، ورغم ذلك كان هناك الأحرار العرب الذين فهموا الدور الإنكليزي والخطر المقبل من زرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين.

اليوم انتقل التعاون من السر الى العلن في مرحلة تعدّ من أخطر المراحل على هذه الأمة، فالإعلام الصهيوعربي زرع الفتنة الدينية وبث سموم الطائفية وجعل المقاوم إرهابياً وحوّل القاتل المعتدي الى مجاهد، وخرق هذا الإعلام وجدان بعض البسطاء واستطاع المال العربي المنذور لخدمة الصهيونية شراء ذمم بعض علماء الدين والمثقفين لجعل التطبيع «ضرورة حتمية» كما وصفها أكاديمي إماراتي وكأنّ التطبيع مع الكيان سيغيّر من حقيقة قطعان الصهيونية ويغيّر من طبيعتها الإجرامية.

فما هي مصلحة الإمارات من هذا التطبيع؟

تدّعي الإمارات أنها بحاجة لمثل هذا التحالف مع الكيان الصهيوني لوقف المدّ الإيراني في المنطقة، وانّ هناك خطراً على وجودها تمثله طهران. ولو عدنا بالتاريخ قليلاً إلى ما قبل الثورة الإسلامية في ايران لوجدنا انّ دولة الإمارات ودول الخليج عموماً كانت على علاقات تراوحت بين الجيدة والجيدة جداً مع إيران في زمن الشاه، وما الانقلاب على إيران وبحجة وقف ما يسمّى «المدّ الشيعي» إلا كذبة خلقتها القوة المعادية للثورة وخصوصاً بعد طرد السفارة الصهيونية من طهران واستبدالها بسفارة فلسطين، ولهذا كان لا بدّ للكيان الصهيوني من تعزيز فكرة التمدّد الإيراني وجعل دول الخليج تنشغل بالخلاف المذهبي ولا تبحث عن قنوات اتصال مع الجارة القريبة والتي كان يمكن التعاون معها على مبدأ السيادة والاحترام المتبادل، ولكن هذا التعاون لن يمرّ بوجود القرار الأميركي الذي يسيطر على قادة دول الخليج.

وقبل إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني والذي كان منتظراً خصوصاً أنّ الامارات والسعودية شكلتا مع الكيان الصهيوني ثلاثي محاربة إيران، وهناك تنسيق مخابراتي وعسكري من نوع ما تحدثت عنه وسائل إعلام سابقاً انه موجود، وعزز هذا التعاون تشكيل ما يسمّى تحالف العدوان على اليمن وإطلاق عملية «عاصفة الحزم» ومركز القيادة والتحكم بيد ضباط أميركيين وصهاينة، والهدف هو محاربة إيران في اليمن، كما انّ غرفة موك في الأردن كانت تضمّ مجموعة دول من ضمنها الكيان الصهيوني لإدارة الحرب على سورية والهدف هو إسقاط الدولة في سورية ومحاربة إيران في القت نفسه، إضافة إلى غرفة أخرى في تركيا

كلّ هذا تحت راية محاربة «المدّ الشيعي» ومحاصرة المقاومة ونزع سلاح حزب الله في لبنان، ليس لأنه شيعيّ كما يدّعي الإعلام الصهيوعربي إنما لأنّ المقاومة هي الخطر الحقيقي على وجود الكيان الصهيوني.

واليوم تريد الإمارات الدخول الى النادي الدولي واللعب مع الكبار، وهذا طموح يُحترم ولكن الإمارات اختارت بوابة التطبيع مع الكيان الصهيوني لدخول هذا النادي الكبير، فما تريده الإمارات ومن خلفها أميركا هو السيطرة على موانئ التجارة العالمية من خلال شركة موانئ دبي وبعد تفجير مرفأ بيروت الذي لم يكن مصادفة أصبح الحديث اليوم عن مرفأ حيفا واتصاله مع ميناء دبي، كما ترغب أميركا من خلال الإمارات الإمساك بمدخل البحر الأحمر من خلال القوة الناعمة وجعل الإمارات في الواجهة، فمن جهة تريد أميركا إطباق الحصار على إيران ومن جهة أخرى يريد الكيان التوسع والسيطرة على ثروات دول الخليج بالكامل، فتدمير اليمن يخدم مصالح الكيان الصهيوني وانتقال العلاقات الصهيونية الخليجية من السرّ الى العلن يعطي ترامب فرصة الفوز بالانتخابات المقبلة ويجعل من مشروع «صفقة القرن» أمراً قابلاً للتنفيذ في ظلّ الواقع الجديد.

فالتطبيع الاماراتي مع الكيان الغاصب جاء بأمر أميركي وسوف تكون هناك إعلانات مماثلة ولكلّ دولة خليجية أسباب خاصة بها، ففي السعودية العين على عرش الملك ومن يريده يجب عليه ان يتبع أبو ظبي في إعلان التطبيع، أما البحرين وهي مقرّ مؤتمر مشروع «صفقة القرن» فحمايتها من الثورة لن تكون إلا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، فالولايات المتحدة تمسك بزمام الأمور الاقتصادية والسياسية في دول الخليج ولن نتوقع ان يكون هناك قرار مستقلّ في الوقت القريب من تلك العواصم.

اليوم أصبحت جميع الأوراق مكشوفة وانقسم العرب بين صامت ومؤيد ومعارض لهذا التطبيع، والمعارضون للتطبيع ما زالوا أكثرية وأنّ البوصلة عند أحرار العرب هي فلسطين والكيان الصهيوني الى الزوال رغم انتشار الذباب الإلكتروني على كلّ مواقع التواصل المرحب بخطوة ابو ظبي، هذا الترحيب الوهمي والذي عبّر عنه أفراد لا يعرفون التمييز بين اليهودية والصهيونية.

اليوم أعيد إعلان احتلال دول الخليج من جديد، وهذا يؤلمنا كعرب ولكننا نعلم أنّ لتحرير الأرض العربية لا بدّ من تحرير فلسطين واستئصال هذا السرطان الصهيوني والتمسك بعروبة أرضنا مهما طال الزمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى