أولى

نحو توجيه بوصلة التحرير باستراتيجيّة تحصّن أمننا القوميّ

 د. لور أبي خليل*

 

إعلان القدس عاصمة لكيان الاغتصاب الصهيوني، ومخططات الضمّ التي تشمل غير منطقة فلسطينية، كلها لاقت رفضاً دولياً وإدانة، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية وعدد قليل من الدول التي تؤيد سياسات «إسرائيل» الاستيطانية والتهويدية.

«إسرائيل» لم توقف يوماً تنفيذ مخططها الاستيطاني، لأنها لم تشعر يوماً بجدية الرفض الدولي لسياسة الاستيطان، ولم تتعرّض لأيّ شكل من أشكال المحاسبة. ولذلك يواصل العدو الغاصب تنفيذ خطة استيطانية لتهويد فلسطين، ويضع هدفاً رئيساً لكي يكون جزءاً من تحالف واسع في المنطقة (العالم العربي) لمواجهة قوى المقاومة، لا سيما سورية وإيران. مع الإشارة إلى أنّ الخطة «الإسرائيلية» تقودها الحركة الصهيونيّة العالميّة وهي تستهدف تغيير التركيبة الجغرافية والسكانية والاجتماعية في المشرق العربي، تحت ما بات يُعرف بـ «صفقة القرن».

لذا، فإنّ التحدّيات التي تواجهها المسألة الفلسطينيّة تُقّسم الى ثلاثة اقسام:

أولاً: واقع الانقسام الفلسطيني الداخلي بين «فتح» و«حماس» وهو نتيجة تدخّلات خارجيّة تسعى الى زيادة الهوة بين الفصائل، وهذا ما يعمل عليه دائماً الكيان الصهيوني.

ثانياً: لعبة المصالح، وهذا ما يتجلى بسعي مصر الى استعادة دور إقليمي، واعتماد العديد من الدول العربية (مثل الإمارات) ما يسمّى «الاعتدال».

ثالثاً: التطبيع العربي مع «إسرائيل»، وقد نجح الإعلام «الإسرائيلي» في إظهار الكيان الصهيوني متماسكاً ومستقراً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً. واستغلّ العدو سياسة العدوان والردع النوويّ، ما ساعده على التواصل مع دول عربية عدة وإقامة اتفاقيات مشتركة في إطار عملية التطبيع.

واضح أنّ رئيس حكومة العدو بنيامين  نتنياهو قد بنى نظرية «السلام» على الردع، تماماً كما صاغها في كتابه «مكان تحت الشمس»، وهي تقوم على إضعاف الدول العربيّة، من خلال إضعاف تماسكها الداخلي والبيني، ولذلك رأينا الفوضى التي شهدها العالم العربي، وانتشار الإرهاب في عدد من دوله، بما يحقق مصلحة «إسرائيل». إضافة إلى أنّ الكيان الصهيونيّ ضرب بعرض الحائط القرارات الدوليّة، التي تؤكد رفض الاستيطان والضمّ، وتؤكد على حق عودة الفلسطينيين إلى ارضهم، علماً أنّ القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم تحقق شيئاً للفلسطينيين.

اللافت أنّ دولاً عربية كانت تعتبر في العلن أن قضية فلسطين هي قضية كلّ العرب، قد تراجعت وانخرطت في مسار ما يسمّى «السلام» مع العدو، بعضها في العلن وبعضها الآخر في السر.

هنا، نستطيع القول إنه في ظلّ الأزمات التي تمرّ بها المنطقة، سواء في سورية أو في العراق أو في اليمن أو في لبنان أو في فلسطين، تمكنت «إسرائيل» من تحقيق ما يتوافق مع أهدافها ومصالحها، وهذا ما يطرح السؤال: كيف نواجه هذه التحديات؟ وبأية استراتيجية؟

لا شك، أنّ هناك نقاط ضعف «إسرائيلية» كثيرة، ومنها:

ـ عدم قدرة العدو على استجلاب يهود من دول العالم، ورحيل الجيل المؤسس لكيان الاحتلال، مقابل زيادة الولادات في فلسطين وبروز القيادات الشابة التي تنخرط في معركة الدفاع عن فلسطين، وبالزخم ذاته الذي بدأ مع جيل المقاومة الأول.

ـ ثانياً تفشي الفساد في الكيان الصهيوني الغاصب، والذي يشكل نتنياهو أحد مظاهره.

ثالثاً: صعود اليمين المتطرف وهيمنته على القرار، يضاف إلى ذلك اعتراف رئيس الكنيست الصهيوني السابق ورئيس الوكالة اليهودية السابق ابراهام بورغ، الذي نعى «إسرائيل».

رابعاً: انتشار اللوبيات الفلسطينية على رأسها حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وهي حركة يقودها فلسطينيون وتشجع على المقاطعة وسحب الاستثمارات والمطالبة بفرض عقوبات على «إسرائيل».

العوامل الآنفة الذكر، يمكن الاستفادة منها لإعادة توجيه البوصلة نحو مسارها الحقيقي وفق استراتيجية دفاعية تحصّن أمننا القومي، والتركيز على نقاط الضعف «الإسرائيلية» بما يؤدي إلى زعزعة كيان الاغتصاب، وتعرية أكذوبة التماسك والاستقرار «الإسرائيليين».

إنّ استراتيجية المواجهة، تستوجب معالجة نقاط الخلل فلسطينياً وقومياً وعربياً، وتستوجب أيضاً استغلال نقاط ضعف العدو، وبالتالي لا بدّ من التشديد على خيار المقاومة، والتأكيد بأن القدس وكلّ فلسطين هي وجهة المقاومة، والقيام بكلّ ما هو مطلوب بمواجهة التطبيع ومنع العدو من تحقيق مصالحه وأطماعه التي يسعى إليها من وراء «صفقة القرن» التي تعني تصفية قضيتنا، وضرب مكان قوتنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذة محاضرة في كلية الحقوق والعلوم السياسية ومعهد العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية

باحثة وخبيرة في شؤون مكافحة الفساد ورسم السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى