الوطن

نحو مواجهات
أميركيّة روسيّة مفتوحة؟

} د. وفيق إبراهيم

سورية هي قلب التمدّد الروسي العالمي الذي يريد استعادة البريق السوفياتيّ من دون أية أبعاد أيديولوجية.

لكنها ليست الوحيدة، لأنها أثارت ذعراً أميركياً من التسلل التدريجي للروس الى نظام قطبيّ جديد.

هذا ما استدعى نشراً لآليات أميركيّة جديدة للتضييق على السياسة الروسيّة في أوروبا الشرقيّة وأميركا الجنوبيّة والشرق الأوسط.

سورية اذاً هي واحدة من ميادين الصراع بين هذين القطبين مع رجحان للجانب الروسي الذي أدى دعمه للدولة السورية بالتحالف مع إيران وحزب الله والجيش السوري النظامي الى ضرب أكبر مشروع إرهابي تاريخي كان الأميركيون والأوروبيون والخليجيّون والأتراك يعوّلون عليه لتفتيت سورية الى كانتونات والعراق الى دول ثلاث وذلك لتطبيق صفقة القرن.

إلا أن الدعم الروسي أدّى إلى ترسيخ دولة سورية وبالتالي تدعيم الخط العراقي المتحالف مع إيران.

هذا التراجع الأميركي عاود مجدداً الحركة بواسطة تطبيع خليجيإسرائيلي في الشرق الأوسط موسّعاً حركته نحو بيلاروسيا حليفة روسيا، حيث يحرّض معارضات داخليّة فيها على تنظيم اضطرابات تؤدي إلى فوضى وانهيار، ويغطيها إعلامياً واستخبارياً وتمويلياً، فبيلاروسيا جزءُ خير مع قسم من أوكرانيا من تحالفات أخيرة ورثتها روسيا عن السوفيات ويحاول الرئيس الروسي بوتين حمايتها لمعاودة التقدّم نحو أوروبا الشرقيّة.

إلا أن الأميركيين يعملون بسرعة على توسيع الحصار على روسيا بالحدّ من نفوذها من خلال أوكرانيا ورومانيا وبولونيا، وذلك بتنظيم مناورات عسكرية مشتركة مع جيوشها على مقربة من الحدود الروسية التي تتمتع باحترام منذ 1945، تاريخ انتصار السوفيات على القوات الألمانيّة.

كما يضغط الأميركيّون على المانيا لإلغاء خط توريد الغاز الروسي إليها عبر بحر البلطيق مستغلين مزاعم عن تسميم موسكو للمعارض الروسي الكسي نافالني الذي أرسلته روسيا الى المانيا للمعالجة، فلو كان الروس هم الذين سمّموه فكيف يقبلون بإرساله الى المانيا للعلاج؟ لكن الضغط الاميركي والاعلام الغربي بوسعهما جعل الأكاذيب حقائق أمام جماهير تلفزيونية لم تعد تستعمل إلا لغة العين وإلغاء دور التمييز العقلي. هذا الضغط تمارسه واشنطن أيضاً على خطَّي الغاز الروسيين الى تركيا العضو في حلف الناتو، وتصرّ على إلغائهما عبر تهديد الأتراك بالعقوبات ووقف التعاون المشترك.

استتباعاً تلوح في الافق معركة نفوذ قوية بين القطبين الروسي والأميركي للاستحواذ على مياه البحر الأبيض المتوسط وسواحل بلدانه، لعلها هي معارك الفصل في القرن الحادي والعشرين التي تدفع نحو تحديد قوى النظام الدولي الجديد.

لا بد هنا من الإشارة إلى أن أوروبا بالتعاون مع الأميركيين هم الذين أسقطوا دولة معمر القذافي، لكنهم فشلوا في إعادة دولة ليبية بديلة موالية لهم ما أدّى الى وضع ليبيا في أتون صراعات داخلية وأهلية ومناطقية مفتوحة من دون أن تتمكن أي قوة من الحسم.

هذا الى جانب الأدوار الخارجية فيها وهي أوروبية، أميركية، مصرية وخليجية. وها هي الجزائر تتحضر للدخول مع احتمال قويّ لأدوار من المغرب فيها.

لذلك استوعب الروس ان الصراع على ليبيا هو صراع على الغاز والنفط في أراضيها وداخل مياه البحر الأبيض المتوسط، فأرسلوا قوات من شركة فاغنز الروسية المتخصصة بالمقاولات العسكرية ومعها تعزيزات تقنية محترفة من الجيش السوري تعمل من خلال دعم دولة حفتر الليبية في وجه دولة السراج المدعومة من تركيا.

واللافت أن حفتر مدعوم من معظم الأوروبيين في حين أن الأميركيين موجودون مع الفريقين الليبيين المتنازعين بالتساوي وليس لديها إلا دافع طرد الروس من ليبيا من خلال تحريض الأطراف الليبية والخليج ومصر وأوروبا.

بذلك يمكن الاستنتاج أن أساس الصراع الأميركي الروسي المنتشر في معظم القارات وحتى أميركا الجنوبية، إنما يتحدّد في معركة البحر المتوسط من خلال سورية وليبيا. لأن البلدين يمتلكان كميّات ضخمة من الغاز، لكن معظمها ليس مكتشفاً وتؤكده صور الأقمار الاصطناعيّة السريّة.

لعل هذه المعلومات من أهم الأسباب التي تدفع الروس لدعم الدولة السورية، خصوصاً في اختراق الحصار الاقتصادي الأميركي المفروض عليها تحت مسمّى قيصر.

لقد أدى قيصر الى ضغوط اقتصادية كبيرة على المواطن السوري، كما لعب دور مصادرة النفط السوري دوراً في تراجع الاقتصاد وضربت الحرائق المفتعلة مساحات كبيرة من الحبوب والثمار الفائض الزراعي الذي ظلت سورية تتمتع به حتى العام 2019.

لذلك اعتبر الروس أن قيصر هو بديل للتراجع الأميركي في الشرق الاوسط، باعتبار انه يشكل اسلوباً اقتصادياً لتفتيت الدولة السورية وبديلاً من حروب الإرهاب. إنه إرهاب بلغة الاقتصاد المدمر.

لذلك وصل الروس الى سورية ومعهم عشرات الاتفاقات الاقتصادية والتجارية التي تلعب دورين في آن معاً الأول حماية الدولة السورية وشعبها من قانون قيصر، مع رفع الاستعداد الروسي لمعركة الصراع على البحر المتوسط. يمكن هنا الاستنتاج أن شكل النظام العالميّ الجديد أصبح رهن الصراع على ليبيا وسورية ومياه المتوسط بشكل محوريّ.

أما الرابحون فهم الذين يحدّدون مدى قابلية صفقة القرن للفشل والتطوير، وهم الذين يشكلون النظام العالمي لجهة ثلاثيته باعتبار أن الصين فرضت نفسها مسبقاً قطباً عالمياً وازناً من خلال قوتها الاقتصادية المتصاعدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى