الوطن

الإسراع بتشكيل حكومة المعايير الوطنية هو الردّ على قرار العقوبات الأميركي

 

} علي بدر الدين

كان متوقعاً إصدار وزارة الخزانة الأميركية لقرار يتضمّن عقوبات على شخصيات لبنانية سياسية ومسؤولة من الصف الثاني، في تصنيف غير موفق وبعيد عن الواقع السياسي، خاصة أنّ قرار العقوبات طال وزير المالية السابق النائب علي حسن خليل، المعاون السياسي الأول لرئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه بري، وأقرب المقرّبين إليه. ووزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس، القريب جداً من النائب السابق ورئيس المردة المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية. هذا يعني بكلّ بساطة، أنّ قرار العقوبات الأميركي مخطط له، ورسالة شديدة، إلى كلّ من يعنيهم الأمر وتحديداً من يخالف منهم السياسة الأميركية ومحور شرّها في لبنان والمنطقة.

انّ اختيار خليل وفنيانوس بقرار العقوبات، وما يمثله الرجلان من رمزية سياسية، تعتقد واشنطن أنّ تأثيره سيكون سريعاً في تليين وتطويع الموقف اللبناني حول الكثير من الملفات الخلافية الساخنة. لا سيما ما يتعلق منها بترسيم الحدود البحرية الذي تصرّ عليه أميركا ليكون في صالح الكيان الصهيوني، ولسلب حق لبنان في نفطه وغازه وسيادته.

المفاجئ في قرار العقوبات الأميركي ليس بالإسمين اللذين استهدفهما فقط، إنما في التوقيت المقصود، بهدف عرقلة تشكيل الحكومة التي يسعى الرئيس المكلف مصطفى أديب للإعلان ولادتها في المهلة المحدّدة بأسبوعين وفق الاتفاق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو لإعادة خربطة توزيع الحقائب، خاصة ما تسمّى بالسيادية والتي يبدو أنها ستبقى في حال مدّ وجزر وأخذ وردّ  بين القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة في عملية التشكيل، إما لإبقاء القديم على قِدمه، أو التفاهم على المداورة في  توزيع الحقائب، وإصرار كلّ فريق على التمسك بموقفه هو من العقبات التي قد تعرقل عملية التشكيل بالوقت المتفق عليه.

في حين أنّ الإدارة الاميركية تواصل تهديدها بالعقوبات الجائرة وتدّعي بأنها لن تتوقف عند الإسمين اللذين طالتهما هذه العقوبات، بل ستشمل أسماء أخرى من كلّ الطوائف والمذاهب، بهدف الضغط  حتى الإذعان لما يسمّى بالقرارات الدولية المشبوهة، وأخذ لبنان إلى الأسوأ والأخطر، تارة بالعقوبات وطوراً بالحصار السياسي والاقتصادي والمالي، لإفقار اللبنانيين أكثر مما هم فقراء، وتجويعهم حتى الموت.

أميركا تفعل ذلك وأكثر، لأنّ تاريخها الأسود حافل بهكذا سلوك وأفعال ضدّ الإنسانية، وهي على استعداد لتدمير العالم من أجل مصلحة الكيان الصهيوني، وبالطبع مصالحها. غير أنّ ردود الفعل السياسية الداخلية على القرار الأميركي بالعقوبات وملحقاته تؤشر بشكل واضح وصريح على المواجهة والتمسك بالثوابت الوطنية والقومية وبالمقاومة، وعدم الإستسلام للترهيب والتهديد الأميركيين مهما بلغت حدودهما، خاصة أنّ التجارب أثبتت أنّ الهجوم أنجع من البقاء بانتظار الآتي وما هو متوقع، وقد لا يقع.

المواجهة الأولى التي يعوّل عليها، وتشكل تحدياً للقرار الأميركي بالعقوبات تكمن في تسهيل تشكيل الحكومة الجديدة ضمن المهلة المحدّدة لها، وخروج الطبقة السياسية من مصالحها وشروطها وحصصها وكيديتها وفسادها، مع أنّ الشعب يريدها أن تخرج من حياته ومن السلطة اليوم قبل الغد، لأنها السبب المباشر عن انهيار لبنان وإفلاسه وإفقار شعبه وتجويعه وعن انهيار الدولة ومؤسّساتها، وعن تراكم الديون الداخلية والخارجية، وتحويل لبنان إلى متسوّل ينتظر المساعدات ويشحذ القروض ويستعطف المجتمع الدولي ومن دون طائل.

آن الأوان للطبقة السياسية التي أدخلت لبنان وشعبه في وكر الدبابير القاتلة، أن تعي أنّ زمانها انتهى وانتفى دورها، «وزمن أوّل تحوّل». ويكفيها ما اقترفته بحق الوطن والشعب، وما راكمته من أموال وثروات وعقارات و»أمجاد». قد يسامحها اللبنانيون عليها. من دون أن ينسوا ما فعلته بهم على مدى سنوات الحرب والسلم.

وقد حان الوقت للتكفير عن كلّ ما فعلته، والإعتذار أولا  من الشعب، ووضع حدّ لفسادها، لأنه كفى، وعليها ان تشرع الأبواب أمام إقرار قوانين إصلاحية حقيقية لولوج الحلول ولو بالحدّ الأدنى، والتخفيف من أعباء هذا الشعب المبتلي والمقهور والفقير، الذي يعيش قلق رفع الدعم عن السلع الضرورية، وهو الغارق بالفقر والجوع والبطالة والمرض، ولا من أحد يسمع استغاثته ويشعر بوجعه وجوعه.

البداية الجدية لهذه الطبقة إذا قرّرت التوبة وعاد لها وعيها ووطنيتها ومسؤولياتها، أن تفتح الطريق، وتزيل العراقيل من أمام تشكيل الحكومة وفق المعايير الوطنية المطلوبة، وليس وفق المصالح والتحاصص والنفوذ، ربما تحدث الصدمة الإيجاببة المطلوبة سياسياً وشعبياً، وتشكل تحدياً فعلياً لقرار العقوبات الأميركي، وصفعة لما يسمّى بصفقة القرن وقانون قيصر.

هل تملك الطبقة السياسية أقداماً صلبة ورؤوساً حامية وقرارات جريئة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى