مقالات وآراء

فاتن جمعه لـ «البناء»: المفتشيّة العامة التربوية قدّمت تدابير لوزارة التربية
لاستثمار الموارد البشرية وتحسين سير العمل… ولا بدّ من تعديلات تؤدي إلى تفعيل عمل الرقابة

التعليم اللبناني الرسمي على المحك في ظلّ الهدر والقرارات غير القانونية... وبؤرة الفساد بين الجشع السياسي والإهمال المتعمّد

} حاورتها: رامزا صادق

الفساد يسطو على ثلثَي المؤسسات الإنتاجية العامة التابعة للدولة، بحيث أن السكوت عن أي فساد أو هدر في المال العام أو مخالفات للعمل القانوني في أي وزارة أو هيئة تابعة للوزارة عليه أن يتم التحقيق فيها من خلال هيئات مختصة رقابية. ما سبق ينطبق على كافة المؤسسات والإدارات العامّة لكن هذا التقرير يتجّه نحو القطاع التربوي في لبنان. ولأننا اليوم أمام خيارات صعبة في التعليم في ظلّ الظروق الصعبة القائمة في البلاد لا بدّ أن يبدأ السعي الجدّي إلى تحسين الوضع العام التعليمي والتربوي عموماً والتعليم الرسمي خصوصاً.

المفتّش العام التربوي فاتن جمعه تطرح و»البناء» في هذا العدد إشكاليات العمل في الإدارات الرسمية العامة للتعليم، ومدى تطبيق القوانين النافذة، وأهمية العمل على وضع حدٍّ للهدرفي المال العام من خلال عمليات مناقلات أفراد الهيئة التعليمية، أو من خلال تعيين أساتذة مكلفين في الإرشاد والتوجيه.

هذا كلّه وغيره سيشتمل وفق عملية العمل على إصلاح التعليم والإدارة التربوية التي تسعى إليها المفتشية العامة التربوية من خلال سلسلة تدابير سبق أن وقدّمتها المفتشيّة لوزارة التربية والتعليم العالي تسعى لتحقيق مستوى تعليمي أفضل يعتمد على الكفاءة والموارد البشرية وآلية سير العمل بشكلٍ قانوني وصريح.

تدابير من رحم القوانين

قدّمت المفتشية العامة التربويةإلى وزارة التربية تدابير مستنبطة من القوانين والأنظمة النافذة ومن توصيات هيئة التفتيش المركزي. هذه التدابير تهدف إلى ترشيد الإنفاق والإستفادة القصوى من الموارد البشرية المتاحة، في ظلّ الإقبال المتوقع على المدارس الرسمية، وفي مرحلة إستثنائية في صعوبتها يمر بها الوطن يستدعي تجاوزها تظافر الجهود والإلتزام الدقيق بالقوانين والأنظمة. ترتكز هذه التدابير علىى توزيع فائض المعلمين في المدارس والثانويات ودور المعلمين على المدارس والثانويات المحتاجة لخدماتهم وإعادة فائض المنتدبين إلى الثانويات إلى مراكز عملهم الأساسية والإستفادة من أنصبتهم في أعمال التدريس. إضافة إلى معالجة الفائض في أعمال النظارة كما في كافة الأعمال غير التدريسية وتحويل هذا الفائض إلى التدريس، وإعادة الأساتذة والمدرسين المكلفين مهاما تربوية إلى مراكز عملهم لمخالفة أوضاعهم لأحكام القانون المنفذ بالمرسوم3252 /72. كما تضمنّت هذه التدابير التذكير بتوصية هيئة التفتيش المركزي رقم 21 /2018  التي تقضي «بعدم إعفاء اي من موظفي التعليم من التدريس لأسباب غير مبررة وعدم الموافقة على أي تعاقد إلّا بعد استكمال النصاب القانوني المحدّد في المرسوم رقم 2601 /2018، مع إعطاء الأولوية للمتعاقدين القدامى الذين اثبتوا جدارة وكفاءة في مهامهم التعليمية، وذلك تحت طائلة اعتبار مدير المدرسة أو مدير الثانوية والموظف المسؤول عن دراسة الحاجة إلى التعاقد ورئيس المنطقة التربوية ومديرية التعليم الثانوي مسؤولين في أموالهم الخاصة عن اي هدر في الأنصبة القانونية أو فائض في الأعمال الإدارية واللاصفية ينتج عنه تعاقدا» يمكن تأمينه من موظفي الملاك

المفتشيّة العامة التربويةبالمرصاد

تؤكد فاتن جمعه أن التدابير تهدف إلى تأمين سير العمل في المدارس والثانويات الرسمية ضمن أطر القوانين والأنظمة النافذة والتوصيات الصادرة عن التفتيش المركزي كما تتعلّق بشكل أساسي باستثمار وتوزيع الموارد البشرية بما يضمن القضاء على الهدر في المال العام خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد.

كما أشارت جمعه إلى أنه قد تبيّن للمفتشيّة العامة التربوية أثناء إجراء رقابتها على سير العمل في المدارس والثانويات الرسمية أنه بالرغم من أن المرسوم 4234 المتعلّق بأسس إلحاق ونقل أفراد الهيئة التعليمية قد فرضت صدور كافة مناقالات أفراد الهيئة قبل نهاية شهر حزيران من العام الدراسي ضمن قراراً واحداً شاملاً، إلا أن قرارات النقل تستمر في الصدور في أوقات مختلفة من العام الدراسي خارج إطار الاستثناءات المحددة في المرسوم وهذا ما يستتبع حالة من عدم الاستقرار في أوضاع المدارس وأفراد الهيئة التعليمية وإرباكاً للمسؤولين عنها، وذلك لاضطرارهم إلى تنظيم برنامج توزيع ساعات العمل على موظفي التعليم أكثر من مرة خلال العام الدراسي الواحد.

إرباكٌ في عمليات نقل الهيئة التعليمية

كما تبين، بحسب جمعه أن نقل العديد من أفراد الهيئة التعليمية كان يجري من مدارس وثانويات بحاجة لخدماتهم ليشكّلوا فائضاً في الأماكن التي نُقلوا إليها. ويتم إلحاق عدد من الأساتذة الثانويين بجهاز الإرشاد والتوجيه أو بدور المعلمين أو بالوزارة للقيام بأعمال إدارية أو يتم انتداب المدرسين من ملاك التعليم الابتدائي إلى ملاك التعليم الثانوي دون الحاجة إلى خدماتهم في الأماكن التي نُقلوا إليها أيضاً. بالتالي يؤدي تنفيذ هذه القرارات في أغلب الحالات إلى سدّ النقص عن طريق اللجوء إلى التعاقد، ويتضاعف الضرر الناتج عن حالات النقل بسبب التأخّر في تأمين البديل، أو تأمين البديل عددي لا يلبّي الحاجة النوعية الناتجة عن هذا النقل.

نعم للرقابة المسبقة للتفتيش التربوي

كلّ هذه المخالفات في القرارات ناتجة بشكل رئيسي إلى تغليب المصلحة للأستاذ المنقول على حساب المصلحة العامة، وعدم وجود رقابة فعّالة على هذه العمليات، ذلك أن نظام الموظفين قد أخضع كافة مناقالات الموظفين لرقابة مجلس الخدمة المدنيّة المسبقة إلى أنه استثنى من هذه الرقابة مناقلات  أفراد الهيئة التعليمية، وذلك يعود إلى أن مجلس الخدمة المدنيّة لا يتمكّن من إبداء الرأي في هذه القرارات لعدم توفّر المعلومات اللازمة لديه. بينما تتوفر هذه المعلومات لدى التفتيش التربوي نتيجة تنفيذ رقابته على سير العمل في المدارس والثانويات الرسمية، وهذا ما يستدعي ضرورة صدور نصّ قانوني يقضي بإعطاء التفتيش التربوي صلاحية الرقابة المسبقة على قرارات نقل أفراد الهيئة التعليمية، كما يقتضي إعادة صلاحية نقل المعلمين من الفئة الرابعة إلى المدير العام بعدما أصبحت هذه الصلاحية للوزير وذلك لكون المدير العام خاضعاً للمساءلة الإدارية من قبل التفتيش المركزي بعكس الوزير الذي يبقى خارج المساءلة، كما تشير جمعة لـ»البناء».

للإرشاد المنتج أم لأصحاب الحظوة؟!

أما حول عملية الإرشاد للتربويين فتعتبر جمعه أن العملية الإرشادية مكوّناً مهماً من مكوّنات التطوير التربوي، لذا فإن تعزيزها في المدارس الرسمية يجب أن يكون ضمن أطر وضوابط قانونية محدّدة كي تصل إلى الأهداف المرجوة منها. ونظراً لأهمية هذا الدور حدد القانون المنفّذ بالمرسوم 3252 لعام 1972 الشروط التي يجب أن تتوفّر في مدير الارشاد والتوجيه والمرشدين التربويين باعتبار أن المرشد التربوي يجب أن يمتلك إضافةً إلى خبرته العلمية قدرات ومهارات أساسية في العملية الإرشادية.

وتضيف جمعه: لكن واقع الإرشاد اليوم الذي يتجاوز عدد المرشدين فيه 800 مرشداً، يُظهر مخالفة هذا الجهاز للقانون إن كان من جهة آلية اختيار الأساتذة المكلّفين مهام تربوية، أو من جهة عددهم أو من جهة تنفيذهم مهامهم الإرشادية. فقد قضى القانون بأن يتم تعيين الأساتذة المكلّفين مهام تربوية بناءً على مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية على ان يخضعوا قبل مباشرتهم العمل لدورة إعدادية مدتها سنة على الأقل، تنتهي بامتحان يعود من رسب بنتيجته إلى مركز عمله الأساسي. لكن في الواقع، كان يتم الإعلان سنوياً عن فتح باب الترشيح لقبول أساتذة مرشدين تربويين  وفق شروط تُحدد في الإعلان مخالفة للشروط المحددة في المرسوم 3252/72 ويتم بناء عليه إجراء مقابلة من قبل لجنة مكلفة لهذه الغاية من موظفي وزارة التربية يتم بعدها إلحاق هؤلاء الأساتذة بصورة عشوائية ونتيجة تدخلات سياسية لصالح بعض أصحاب الحظوة دون وجود معيار يُحدد على أساسه العدد المطلوب من المكلّفين في كل مادة وفي كل مركز، هل  هو عدد التلاميذأم عدد المدارس أم عدد الأساتذة.؟ مع العلم أن القانون قد تضمن الحاق هؤلاء المرشدين التربويين برؤوساء المناطق التربوية مما يعني أن هؤلاء هم المعنيين بمراقبة دوامهم وأعمالهم ولم يتضمن أي ذكر لمدير الإرشاد والتوجيه وصلاحياته.

وتضيف جمعه في الصدد عينه: كما أن القانون نفسه يقضي بضرورة انقطاع المرشدين التربويين فور تعيينهم عن أي عمل مأجور أو مهمة أو وظيفة إن كان في الإدارات العامة أو في مصالح مستقلة أو المؤسسات العامة والبلديات، إلا أن الواقع يشير أن هؤلاء الأساتذة لا يتفرغون لمهامهم الإرشادية وفقاً لما ينص عليه القانون، فنرى أن بعض الأساتذة لا ينفذون أي زيارات إرشادية بل يكلّفوا في متابعة مشاريع في البنك الدولي أو يكلّفوا بتدقيق بيانات المدارس الخاصة المجانية أو يكلّفوا بتمثيل لبنان في اجتماعات شبه إقليمية لتطوير التعليم أو في متابعة مناقصات معينة وغيرها.. مما يعني أنهم يخالفون ما قضى به القانون بالتفرّغ لمهامهم الإرشادية. نرى هذا الجهاز الذي يخالف القانون من النواحي كافّة بل هو عديم الوجود قانوناً يتعدّى على صلاحيات مؤسسة عامة موجودة ومحددة الصلاحيات قانوناً هي المركز التربوي للبحوث والإنماء، سواء عند قيامه بتدريب الأساتذة أو تدخله في التحضير للتعلّم عن بعد، أو اختصار المناهج أو تدخله في توصيف المسابقات في الامتحانات الرسمية أو في بنك الأسئلة.كما يحلّ جهاز الإرشاد محل أجهزة رقابية هي مجلس الخدمة المدنية وأحياناً التفتيش التربوي، في الوقت الذي يفتقر فيه إلى الإطار القانوني الذي يحدد مهامه ومسؤولياته وينظّم علاقته بباقي الأطراف المعنية بالشأن التربوي. لذلك كلّه ولحاجة الثانويات الرسمية إلى خدمات الأساتذة والمدرسين المكلّفين بمهام تربوية يقتضي أن يتم تنفيذ التوصيات السابقة والمتكررة خلال عدة سنوات لهيئة التفتيش المركزي والتي تقتضي بإنهاء عمل المدرسين والأساتذة المكلّفين بمهام إرشادية وإعادتهم إلى مراكز عملهم الأصلية، كما يقتضي إلغاء هذا الجهاز لثبوت فشله بقيامه بالعملية الإرشادية وإعادة هذا الدور للتفتيش التربوي كونه الجهة الأساسية الذي يقوم بالتوجيه والإرشار والرقابة ما يخفّف في الهدر بالمال العام.

التعليم الرسميعلى المحك

تُرجع جمعه سبب تراجع مستوى التعليم الرسمي بشكل رئيسي إلى التدخل السياسي في القرارات المتعلقة به، وعدم وجود رقابة داخلية فعّالة ونقص في النصوص التي تفعّل رقابة التفتيش التربوي، وكما ذكرنا سابقاً إن مناقلات الهيئة التعليمية لا تخضع للرقابة المسبقة للتفتيش التربوي والتعاقد يتم دون إجراء تقييم جدي لهؤلاء الأساتذة بالإضافة إلى أن عملية تعيين المدراء تتم نتيجة مقابلات غير جديّة يطغى عليها التدخل السياسي، المناطقي والعائلي. وكل هذه القرارات تصدر عن الوزير وهي خاضعة لرقابة التفتيش المركزي. لذا نقترح إصدار نصّ يعطي صلاحية الطعن في القرارات الإدارية غير القانونية الصادرة عن الوزراء إلى رؤساء الهيئات الرقابية وأعضائها.

وفي نهاية اللقاء ركّزت جمعة على اقتراح بعض التعديلات الأساسية التي من شأنها أن وتفعّل دور الرقابة على المدارس والثانويات الرسمية ممّا يؤدي إلى النهوض بالتعليم الرسمي والحدّ من هدر في المال العام. وذكرت جمعه التعديلات على الشكل التالي:

إصدار تعديل تنظيم التفتيش المركزي، من خلال إنشاء هيئة مستقلة في كلّ مفتشيّة عامة، يترأسها المفتش العام المختص مع عضوين للبتّ في الملفات المتعلقة بها.

إصدار نص قانوني يعطي أعضاء الهيئات الرقابية حقّ الطعن لدى مجلس شورى الدولة في كلّ قرار إداري صادر عن وزير يخالف القوانين والأنظمة النافذة ويتسبب في هدر المال العام.    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى