الوطن

الأميركيون يحصّنون أحاديتهم القطبية.. لكن للصين آراء أخرى!

} د.وفيق إبراهيم

الصراع على النظام العالمي الجديد متواصل بعنف إنما من دون نزاعات مباشرة.

ما هو واضح أن الأميركيين يبذلون جهوداً لإعادة ضبط اوروبا ضمن خطوط تصعيدهم ضد الفريقين الروسي والصيني، محاولين استعمالها في كل ما يقررونه من عقوبات وسياسات.

على المستوى الروسي، يضغط البيت الابيض على الألمان للاستثمار في قضية المعارض الروسي اليكسي نافالين الذي سمحت له السلطات الروسية منذ شهر تقريباً بالمعالجة في المانيا.

وفجأة بدأ الاعلام الالماني اولاً والاوروبي لاحقاً والاميركيالخليجي في ما بعد بترداد مقولة واحدة تزعم ان نافالين مصاب بتسمم بغاز الاعصاب من عقار سام هو «نوفيتشوك» لا تنتجه إلا المصانع الحربية الروسية.

ولولا بقية حياء، لاعلن الاتهام الالماني اسماء العاملين الروس في هذه المصانع المنتجة للسموم واماكن اقامتهم وعديد ابنائهم.

لا بد هنا من الإشارة الى ان الإعلام الغربي وتحالفاته نجحوا في إثارة موضوع نافالني عالمياً، على الرغم من ان الاعلام الروسي تمكن من اثارة شكوك قوية في مدى صدقية الاتهامات.

فهل يمكن لروسيا ان تسمح بنقل معارض روسي الى اوروبا قامت أجهزة مخابراتها بتسميمه؟

ألا يمكن للمخابرات الاوروبية والاميركية ضخ كميات معتدلة من هذا النوع من السموم في جسد المعارض نافالني وهو راقد في مستشفيات المانيا؟

هناك مؤشرات على هذه اللعبة في الحرص الاميركيالالماني على الإصرار على ان غاز فيتشوك هو روسي الإنتاج بشكل حصري.

فيتبين ان الاميركيين وهم يذهبون الى انتخاباتهم الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، يريدون إعادة تأجيج العلاقات الروسية الألمانية لعلها تنسف خط الغاز المشترك بين البلديننورد ستريم، وتدفع العلاقات الفرنسيةالروسية المتحسنة منذ 2019 الى مرحلة الانهيار، كما تسهم بازدياد سوء علاقاتها مع بريطانيا المتدهورة منذ حادثة اتهام الإنجليز للروس بتسميم المعارض الروسي سيرغي سكريبال في 2018.

هذا من دون نسيان الدور الاميركي الاوروبي في ضرب النفوذ الروسي في بيلاروسيا وفنزويلا وسورية والمطالبة بفرض عقوبات اوروبية على موسكو.

بذلك يأمن النظام الأحادي الأميركي خطورة الصعود الروسي ويجمّدونه في ثلاجة الصراعات حتى وقت آخر مصرين أيضاً على مصالحة منظمة القاعدة الارهابية وإيلائها السلطة في افغانستان لاستعمالها لاحقاً في وجه روسيا وربما الصين والهند، ماذا عن الصين؟

الصين هي المركز المؤهل للاستقرار في قلب النظام العالمي المرتقب وربما في موقعه الاول، او الوحيد وذلك لأنها لا تنفق كثيراً على النفوذ السياسي وتراكم رؤوس أموال ضخمة من نجاحاتها الاقتصادية وهي تستثمرها في افريقيا والاسواق الاوروبية والاميركية.

للدلالة، فإن التنين الأصفر هو أكبر مستثمر في إثيوبيا الخاضعة للنفوذ الاميركي.

بذلك تعرف الصين أن دون ارتقائها الموقع الاساسي في النظام العالمي الجديد هو اقل من عقد، اي لمحة بصر في لغة الصراعات الدولية، لكنها تدرك ايضاً أن ما ينقصها هو النفوذ السياسي الدولي وتحسين ترسانتها النووية لتحميها في إطار نظرية الردع النووي المتقابل.

لجهة النفوذ السياسي، فإن التنين الأصفر يفضل مراكمته باختراق الاسواق الاقتصادية من دون التورط في إسنادات عسكرية لحروب تسيء لدورها اكثر مما تفيد وقد تؤذي اجتياحها الاقتصادي للعالم.

لذلك اختارت الصين طريق تحسين أسلحتها التقليدية لتصبح أكثر فعالية، ووضعت خطة لتطوير ترسانتها النووية بشكل تصبح قوة ردع تمنع أي مغامرة اميركية من استهدافها نووياً، كما فعل الرئيس الاميركي السابق ترومان الذي قصف اليابان في الحرب العالمية الثانية بقنبلتين نوويتين، وتبين في ما بعد أن هذا القصف لم يكن لأهداف عسكرية لان اليابان كانت على وشك الاستسلام بل لتجربة السلاح النووي بالبشر.

هناك ما يزيد من قلق الصينيين، ويتعلق بتصريح للرئيس الأميركي ترامب اعلن فيه ان بلاده صنعت اسلحة نووية جديدة شديدة التطور ولا يمتلك احد مثيلاتها، خصوصاً لناحية قدرتها على الفتك.هذا ما استعجل خطة صينية لتطوير ترسانة نووية هامة تحتاج الى عنصرين موجودين بغزارة لدى التنين الأصفر وهما العقل العلمي، والامكانات المادية.

لكن لدى الصين الحرص على عدم الدخول في سباق تسلح او الذهاب نحو الانخراط في نزاعات عسكرية في القارات والدول.

وهذا يؤدي الى اكتمال حلقات انخراط الصين في نظام عالمي لتمكنها من جمع شرطين مطلوبين وهما النووي والاقتصاد، الذي يحل مكان القواعد العسكرية الأميركية الشديدة الكلفة والمنتشرة في ارباع اصقاع الارض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى