الوطن

العرب كالعادة 
وقودٌ للعبة الأمم

} د. وفيق إبراهيم

المنطقة العربية تحت ضغط صراعات دولية باتت على مشارف تشكيل أحلاف محلية نهائية تؤسس لتحاصصات دقيقة تشبه ما جرى في مؤتمر يالطا في 1945.

قوى هذا الصراع متعددة، لكن اللاعبين فيها هم الأميركيون وإيران وروسيا وتركيا الى جانب محاولات أوروبية بدفع فرنسي وإطلالات صينية تكتفي بلغة الاسواق الاقتصادية وتنظيم علاقات لاستيراد الطاقة وفقط.

ضمن هذا الإطار تبدو ايران وتركيا فريقين اقليميين بمواصفات طموحة للاستحواذ على نفوذ كبير.

كيف تنقسم التحالفات؟ الحلف الاميركي يستفيد تاريخياً من حلف الناتو والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية والمنظمات الافريقية ورابطة دول اميركا الجنوبية.

لذلك يصوّب الأميركيون على الإمساك بالمناطق المحتوية على الغاز والنفط ومجمل أنواع المعادن ولديها قدرة على استيراد السلع الأميركية خصوصاً والغربية عموماً، وهذا يضع المنطقة العربية على رأس لائحة اهتماماتها الى جانب فنزويلا ذات الاحتياطات الضخمة من الطاقة.

فتبدو المعركة صراعاً على الغاز والنفط بين الاميركيين والروس تتجسد في إصرار اميركا على إلغاء خطوط نقل الغاز الروسي الى المانيا وتركيا واوروبا واوكرانيا.

هذا القتال ينسحب على سورية بما هي قلب الشرق العربي فيتوسع الصراع ليصبح اميركياً تركياً وروسياً وايرانياً مع حضور اوروبي خجول على قدر الإمكانات.

ومع احتدام الصراع وتجذر القوى المتجابهة في ليبيا وسورية والبحر المتوسط أسرع الاميركيون لبناء حلف خليجياسرائيلي قابل للتمدّد مصرياً وأردنياً لوقف اتساع رقعة النفوذ الإيراني المنتصب في اليمن والعراق وعلى طول سواحل بلاده من شط العرب الحدودي مع العراق وحتى نقاط الالتقاء البحرية مع باكستان، ومن هرمز الى باب المندب بعلاقته مع أنصار الله اليمنيين.

بدورهم، يمسك الروس بالاضافة الى موقع حصين في سورية بميادين ليبيا ذات الثروات الهائلة من النفط والغاز براً وبحراً، ما يجعلهم فريقاً كبيراً في الصراع على مياه البحر الابيض المتوسط وآباره المائية العميقة.

هناك اذاً حلف اميركي في الخليج والمنطقة العربية وآخر ايراني سوري، مع القوى الوازنة في العراق وحزب الله في لبنان واليمن الشمالي، فيما لا تجد تركيا إلا قواتها العسكرية وجوارها الحدود مع سورية والعراق، والبحر المتوسط، وانتساب الحزب الحاكم فيها الى فدرالية الاخوان المسلمين، بالاضافة الى عضويتها في حلف الناتو التي تتيح لها اللعب بين روسيا واميركا واوروبا وتهديد قبرص واليونان، من دون توقع ردود فعل خطيرة من أحد بمن فيهم الروس.

يكفي هنا إبراز الاهتمام الأميركي بتوحيد دول الخليج المتصارعة فيما بينها منذ اكثر من نصف عقد للكشف عن مدى تدهور النفوذ الاميركي.

للإشارة فإن واشنطن تركت الخلافات القطريةالتركية مع السعودية والإمارات ومصر على غاربها وتجاهلتها الى درجة الاقتناع عن فرض مصالحة بين هذه الأطراف هي بالتأكيد قادرة عليها.

حالياً، ابتدأ الاميركيون بمصالحة هذه الاطراف الخليجية حصراً أي من دون مصر، ما استدعى صدور تصريح من سفير قطر في واشنطن مشعل بن حمد آل ثاني وهو ابن عم الأمير الحالي يقول فيه ان قطر مستعدة لتطبيع العلاقات مع «إسرائيل» بما يؤكد ان المصالحة الخليجية مبرمة حتماً في اطار انضمام الدوحة الى الحلف الخليجيالاسرائيلي واعترافها بـ»اسرائيل»، لذلك فإن هذه الامور تجري في اطار تشديد نفوذ الدول الكبرى على المنطقة العربية، وهذا يتم عبر تقدم النفوذ الاميركي على حساب تراجع التركي وبشكل لا يعود لإيران او غيرها من الروس والصينيين اي موطأ قدم خليجي.

هذا ما دفع بالروس والايرانيين الى توطيد علاقاتهم مع الدولة السورية بمعاهدات طويلة الأمد ومتنوعة وحض ايضاً طهران وموسكو على عقد اتفاقات عميقة، كذلك فإن الصين اللاهثة وراء مشروع الحزام والطريق البديل الاقتصادي للنفوذ العسكري ترتبط بإيران باتفاقات متنوعة بدورها.

إلا أن الصين لا تجد مساحات فارغة في المنطقة العربية التي يمسك الأميركيون بمعظمها، وتليهم ايران مباشرة مقابل توطيد نفوذ روسي يحتل المرتبة الثالثة، وقبل تركيا التي تواصل محاولاتها للعودة الى النفوذ العثماني في بلاد العرب.

اما الاوروبيون فيترقبون اي إخفاق لواحدة من قوى الصراع الاساسية للعودة الى منطقة الغاز والنفط والاستيراد.

هناك سؤال يفرض نفسه وهو اين دول المنطقة العربية في هذه الصراعات؟

انها الوقود اللازم لهذا التقاتل الدولي – الاقليمي على أراضيها وثرواتها ويبحث قادتها بشكل دائم على دول جديدة لحماية عروشهم من غضب شعوب لا بد في خاتمة الامر ان تنتفض على خنق إرادتها بشكل مستمر منذ انهيار الدولة العباسية قبل اكثر من الف عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى