الوطن

لماذا يهرب ترامب من انتخاباته الرئاسية نحو بحر الخليج؟

 د.وفيق إبراهيم

يبدو هذا الاحتمال قليل المنطقية، لأن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية يبعد أكثر من خمسة اسابيع فقط.

وسرعان ما تتصاعد مصداقيته عند مشهد دخول حاملة الطائرات الأميركية «نيميتز» الى بحر الخليج لتطبيق الحظر الأميركي على دخول وخروج بضائع معينة وأسلحة الى إيران، وهذا موقف معادٍ لروسيا والصين متضارباً بشكل إضافي مع مصالح دول اوروبية صديقة له تطمح لبناء علاقات اقتصادية مع إيران لا يمنعها مجلس الأمن الدولي.

هنا تظهر حاجة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى اختراع اسباب داخلية أميركية وخارجية دولية تؤدي الى واحد من أمرين:

أما إسهامها في تفوقه الانتخابي في تشرين الثاني المقبل او الى الغاء هذه الانتخابات إذا ظلت اسهمه الانتخابية متراجعة، وهذا الاحتمال يتطلب توتيراً أمنياً مرعباً، يحاول ترامب التأسيس له في بحر الخليج.

بما يدل ان ترامب يعتبر مصالحه السياسية والاقتصادية اكثر أهمية من مصالح بلاد وشعبها والدليل أنه يمارس سياسات عنصرية لكسب الانجيليين والاغنياء والبيض، مُبالغاً في تأييد «اسرائيل» لكسب أصوات اليهود الأميركيين.. مستعدياً كل الطبقات البيضاء البشرة والغربية واوروبا الشرقية وباقي العالم.

هذه السياسات الداخلية مع محاولاته ترويض العالم لمصلحة الاقتصاد الأميركي رهين الطبقة الرأسمالية الأميركية.

ماذا كانت النتيجة؟

نجت إيران من سياسة الخنق الأميركية التي لا مثيل بشراستها في التاريخ، ونجحت في بناء تحالفات عميقة جداً ومناهضة للنفوذ الأميركي في افغانستان واليمن والعراق وسورية ولبنان وفنزويلا مع تقارب عميق مع باكستان.

اما روسيا، فلم تأبه لمحاولات تطويقها، وبنت تحالفاتها في سورية واوكرانيا وبيلاروسيا وفنزويلا ايضاً، كما رسمت صداقات اقتصادية الأبعاد مع بلدان الخليج واوروبا وتركيا على حساب تراجع المصالح الأميركية.

كذلك الصين، التي تتسبب برعب حقيقي للهيمنة الاقتصادية الأميركية، لا تزال تمارس صعوداً اقتصادياً يرشحها لتقلد زعامة العالم القطبي بعد اقل من عقد وبدأت بالانخراط في صراعات سياسية متنوعة في بحر الصين وفنزويلا وإيران.

لجهة اوروبا، فإن مستوى التناقض بين مصالحها وبين السياسات الأميركية مرشح لأن يصبح عداء فعلياً، بعد تيقنها من التراجع الأميركي ذي الوتيرة الوازنة، المترافق مع انهيار وزن اوروبا في السياسات الدولية والاقتصاد.

ضمن هذا الاطار، يجد ترامب فرصة خارجية جديدة ليستثمر بها في الداخل الأميركي، وتتعلق بانتهاء مفعول القرار الاممي بحظر الاسلحة على إيران في آب الماضي، لكن الأميركيين طالبوا بتجديده، الامر الذي رفضته فرنسا والمانيا وبريطانيا والصين واعتبرت ان لا حق للأميركيين بالمطالبة بتجديده لأنهم انسحبوا في 2018 من الاتفاق النووي الموقع مع إيران منذ 2016.

هذا الرفض أصاب واشنطن بخيبة امل عبَّر عنه وزير خارجيتها بومبيو بقوله إن الدول الاوروبية الثلاث اختارت الانحياز الى آيات الله الإيرانيين معلناً اعادة فرض أميركية لهذه العقوبات، ومتوعداً الدول التي تخرق هذا الحظر بمعاقبتها.

لكنه لم يكتفِ بهذه التهديدات، بل ارسل حاملة الطائرات الأميركية «نيميتز» الى بحر الخليج لمنع عسكري مباشر لأي اختراق للحظر الأميركي.

الامر الذي يضع بحر الخليج امام احتمالات عدة تبدأ بصراع إيراني ـ أميركي مباشر في مياهه وقد تصل الى حدود اعتداءات أميركية على ناقلات صينية وروسية، ومصادرة سفن أوروبية.

فهل يذهب ترامب الى هذا المستوى من التدهور الذي يهدد بتفجير حروب مستويات مخيفة؟

هناك اعتقاد أن استمرار تراجع شعبية ترامب الانتخابية، قد تردعه عن دفع العلاقات الدولية الى مستوى من التأزم يؤدي الى ازدياد في عيارات التضامن الوطني الأميركي حول ترامب.

فاما ان يربح الانتخابات او يدفع الى تأجيلها، وكلا الاحتمالين مفيدان لرئيس يعتبر ان الله اختاره لإنقاذ التفوق الاقتصادي الأميركي العالمي، كما يقول في العلن، أما في الحقيقة فإن ترامب رئيس نرجسي، مصاب بجنون كبير في الثقافة السياسة لمصلحة تفوق امكاناته الاقتصادية التي تتمحور حول افضل الطرق لسرقة الآخرين، فأن يوجد رئيس في العالم وعلى مدى التاريخ يفتخر بأنه كان بصدد اغتيال رئيس سورية بشار الأسد بقصف جويّ، لكن وزير دفاعه بنس نصحه بإلغاء المشروع.

لذلك يذهب ترامب دوماً نحو غريب المواقف والأفعال لكسب الناخب الأميركي الابيض وتصوير نفسه «كسوبرمان» ناصع البياض بوسعه فعل كل شيء.

الصراع اذاً هو بين رئيس أميركي متفلت وبين العالم بأسره على الاستقرار بتطبيق رغبات أميركا على حساب القانون الدولي العام، يعني سقوطاً دراماتيكياً مريعاً لمنظمة الأمم المتحدة والتوازنات بين الدول يكفي أن ترامب يهدد حالياً بإصدار عقوبات ضد مجلس الامن الدولي والامم المتحدة لأنهما لم ترضخا للقوانين الأميركية بالاستمرار بحصار إيران، وقد لا ينجو عمران خان الباكستاني الذي تجرأ واعترض على التطبيع مع «اسرائيل»..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى