أولى

فضيحة منظمات المجتمع المدنيّ

عندما تتخطى منظمات نخبويّة تهتم لشؤون بعينها وتتخصص بتقديم الخدمات ورفع الصوت بشأنها، حدود مهمتها واختصاصها وتتقدم لتصير مشروعاً سياسياً متكاملاً، يصير السؤال مشروعاً عن السبب، خصوصاً ان ذلك يحصل تحت شعار شيطنة السياسة وأهلها والتقدم كبديل مموّه عنها، ويصير الحاصل الأول لذلك هو تغييب القضايا المحورية في حياة الشعوب وصراعاتها عن الواجهة، وغالباً تحميل هذه القضايا واهلها مسؤولية الأزمات تحت شعار «تركونا نعيش»؛ فيصير الاحتلال والعدوان وانتهاك السيادة الوطنية أموراً ثانوية، وتصير المقاومة عبثاً يخرّب طريقة العيش.

نظرياً منظمات المجتمع المدني هي مؤسسات لا تبغي الربح يريد أصحابها بعيداً عن التورط في السياسة الاهتمام بقضايا مثل السجون والمخدرات والبيئة والفساد والحريات الإعلامية، تقف على مسافة واحدة من السياسيين بقياس القضية التي تشكل عنوان تحركها، ولكنها عملياً وفي زمن التحوّلات التي أصابت السياسات الغربية وتسببت بفشل مشاريعها صارت صيداً ثميناً وضالة منشودة لتحقيق هذه السياسات، فأغدقت عليها أموالاً غير خاضعة لرقابة الدول والمجتمعات، وأنيطت بها مهام تتخطى أحجامها وأدوارها، خصوصاً ان الغرب لا يمانع ان تتولى الإدارة السياسية في بلاد المستعمرات والمحميات نخب تقول إنها لا تتدخل في السياسة وتهتم لشؤون العيش، وترى في تدفق مساعدات الغرب سبباً للحياة ولو كان ذلك باسترهان البلد وثرواته.

خلال عقود مضت صعدت هذه المنظمات الى الواجهة في الكثير من بلدان العالم وليس الحال في البلاد العربية أولى التجارب. ولنتذكر ان ما سمي بالربيع العربي كان نتاج ادارة غربية بواسطة هذه المنظمات، التي قال الأميركيون إن تسميتها تغيرت وصارت تسمّى بالفاعلين غير الحكوميين، لكنهم قالوا في هذا السياق إن ثلاثة اطراف تتصدر قائمة هؤلاء الفاعلين غير الحكوميين، المقاومة وتنظيم القاعدة ومشتقاته، والفضائيات العربية الليبرالية وفي مقدمتها كانت قناة الجزيرة يومها، وإن المشروع الأميركي يستهدف تنشيط بعضها لإلغاء بعضها الآخر. والمطلوب إلغاؤه طبعاً هو المقاومة. أما المنظمات التي نعرفها فهي كومبارس الصف الخلفي في هذه العملية، لذلك في الربيع العربي ظهرت القاعدة وريثاً شرعياً لما بدأه ناشطو المنظمات المدنية، وواكبته قناة الجزيرة ومن بعدها قناة العربية، وليبيا وسورية مثال حيّ.

الفساد المالي مرادف دائم لحال هذه المنظمات التي جرّبها الغرب في مرحلة داخل كل من فلسطين والعراق لإفساد نخب الشعبين. فصارت ظاهرة ومصدر اتهام شعبي للمنضوين في صفوفها، ومن ثم تمّ اختبارها في تونس والجزائر والسودان واليمن، تحت شعارات سقوط القضايا الكبرى و«بدنا نعيش»، وفي لبنان لهذه المنظمات سيرة من السرقات والفساد وروائحه الكريهة مع المساعدات الخاصة بالنازحين السوريين، وفي سورية درّة تاج هذه المنظمات «الخوذ البيضاء» ذات التاريخ الملازم للتلاعب بقضية السلاح الكيميائي كما فضحتها التقارير الدبلوماسية والمخابراتية الروسية وبعض الصحف الغربية الوازنة. والمتتبع للجوائز العالمية في مجالات مختلفة سيكتشف «المعلم» الذي يصنع نجومية الرموز التي يعدها للأدوار المقبلة.

منظمات المجتمع المدني فضيحة متنقلة ما عدا قلة قليلة منها تواكب قضايا شعوبها بصدق، لكن صوتها في العالم لا يسمع كحال المنظمات الحقوقية في البحرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى