الوطن

مبادرة الحريري «المشروطة» هل تثمر تشكيل الحكومة…

} علي بدر الدين

يبدو أنّ مبادرة الرئيس سعد الحريري المشروطة، لم تنجح في خرق الساتر الذي يعتقد البعض أنه يعيق تشكيل الحكومة، ولم تحدث الصدمة الإيجابية المطلوبة التي كانت متوقعة منها، أقله مساهمتها في تحقيق مطلب الثنائي الشيعي في تولي حقيبة وزارة المال والتوقيع الثالث والتوازن الميثاقي، وهذا ما بات معلوماً.

هذا لا يعني أنّ المبادرة لم تنجح في تحريك مياه الحكومة الراكدة، وإعادة الروح ولو مؤقتاً إلى المبادرة الفرنسية، لاستكمال الاتصالات والمشاورات، بزخم إضافي، تلقفته قوى وشخصيات سياسية وازنة ومؤثرة ورأيها مسموع، قد عوّلت على المبادرة بتوقيتها وقدرتها على فتح كوّة أمل وتفاؤل يمكن التأسيس عليها للخروج من مأزق تشكيل الحكومة، وتحدّ من تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، ومن سرعة تدحرج كرة النار التي ستحرق اليابس والأخضر، وكلّ ما تبقى في هذا البلد المنكوب، بعد أن أفرغته الطبقة السياسية الحاكمة من كلّ شيء، ورمته على قارعة الطريق يتوسّل شعبه الفقير والجائع والعاطل عن العمل ما يسدّ به رمقه ويستر عائلته ويوفر له الأمان الاجتماعي، ويحميه من غدرات الزمان بعد أن غدر به حكامه.

إنّ الخروج من المأزق الحكومي الراهن، ليس في متناول اليد، كما يعتقد البعض، ويُراهن عليه البعض الآخر، واعتباره مبادرة الحريري، بمثابة القوة السحرية الضاربة التي ستهدم الجدار العازل الصلب الذي تصطدم به كل المبادرات والاقتراحات والحلول الممكنة لتشكيل الحكومة العصية حتماً على الطبقة السياسية التي فقدت قرارها واحترامها وثقة الرأي العام اللبناني والإقليمي والدولي لأنها بسلوكها وأدائها السياسي، وفسادها المزمن، وارتهانها لهذه الدولة أو تلك، من أجل حماية مصالحها ومكتسباتها، ومواقعها السلطوية، دفعها إلى التخلي عن واجباتها ومسؤولياتها، والارتماء في أحضان الخارج. وللأسف فإنها حمت ظهرها بالبعض من بيئاتها الحاضنة التي برّأتها من ارتكاباتها وجرائمها الموصوفة والموسومة بالفساد والتحاصص والنهب ومصادرة الحقوق والسطو على أموال الخزينة والمودعين.

إنّ مبادرة الحريري وإنْ سلّمنا أنّ أحد أهدافها هو إنقاذ المبادرة الفرنسية، أو تعويمها، حرصاً ربما على هيبة فرنسا، التي ستغرق في رمال الطبقة السياسية المتحركة في لبنان، وألاعيبها ومناوراتها التي خبرتها خلال إمساكها للسلطة والمال والنفوذ، والحمايات الطائفية والمذهبية كسلاح فعّال في استحواذها على القرار الشعبي وتطويعه لما يخدم مصالحها.

أو ربما إحداث هزة خفيفة، تكون بمثابة إنذار وتحذير للآتي الأخطر إذا لم يتجاوب الأفرقاء مع المبادرتين الفرنسية والحريرية المستجدة. أو لأنه أراد إثبات حسن النية، وتمايزه عن بدعة نادي رؤساء الحكومات السابقين، الذين لا يمونون حتى على أنفسهم، وهم جزء أساسي من المنظومة السياسية التي أوصلت البلد الى الانهيار والإفلاس والإفقار والتجويع والانفجارات والقتل وتشريد المواطنين. وها هم اليوم يتنصّلون من مبادرة حليفهم الرئيس الحريري، وقد يكونون على علم ومعرفة بخلفياتها والظروف التي أملتها، وقد تكون مناورة أو فبركة أدوار بهدف الإحراج، وقد لا تسلك طريق التشكيل أو الوصول إلى الخاتمة السعيدة، انطلاقاً، أو اعتقاداً بأنّ الثنائي الشيعي لن يقتنع بها ولن يتلقفها بغبطة وانشراح، وسوف يتعاطى معها بحذر وبإخضاعها للدرس والتمحيص، قبل أن يعطي رأيه النهائي رفضاً أو قبولاً أو التمهّل في إعلان قراره الأخير، لأنها تحتاج إلى مزيد من الدرس.

السؤال الذي يطرح نفسه، هل مبادرة الحريري هي من عندياته أو اتفق في إعلانها مع قوى أو شخصيات سياسية موالية ومعارضة أو هي في الوسط؟ هل تمّ التفاهم مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حولها علها توفر مخرجاً آمناً، على قاعدة المثلين القائلين «لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم»، و «نريد أكل العنب لا قتل الناطور».

ومن الواضح أنها غير مغطاة أو مدعومة من السعودية بدليل الخطاب التصعيدي لملكها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي استهدف حزب الله وسلاحه، وحمّله مسؤولية انفجار مرفأ بيروت، من على أعلى منبر دولي بهدف التشويه والتحريض.

ويعني انّ الهجوم السعودي في مكانه وزمانه، هدفه أيضاً، إسقاط المبادرة الفرنسية، وتوجيه ضربة قاضية لمبادرة الحريري قبل أن تؤتي ثمارها ويسوّق لها، وتشكل مدخلاً لبحث جدي ومأمول لولادة الحكومة التي لا تزال متعثرة ودونها عقبات ومخاضات.

هذه المواقف المحلية والإقليمية من المبادرة الفرنسية وملحقاتها الحريرية، لا تؤشر إلى التفاؤل الذي يروّج له البعض من انّ تشكيل الحكومة سلك الطريق الصحيح، وأنّ الولادة حاصلة في خلال ساعات أو أيام.

هذا ما يأمله اللبنانيون، الذين لا يبكون على تعثر ولادة الحكومة، بل على ما حلّ بهم من فقر وجوع وبطالة وأمراض وبؤس، في ظلّ حكم الطبقة السياسية وحكوماتها المتعاقبة.

علّ وعسى أن يكون تشكيل الحكومة هذه المرة فأل خير وأمل جديدين، وإنْ كان حالها كما تشكيل الحكومات في لبنان تحاصصياً وبقرار خارجي، وتوافق إقليمي ودولي، علهما يكونان قريبين٠ والسائد أن لا حكومة قبل ما تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية الشهر المقبل. إلا إذا كان هناك فعل آخر للرئيس ماكرون، وقرار حاسم وضاغط لتشكيل الحكومة، من دون انتظار أيّ موقف إقليمي أو استحقاق انتخابي أميركي.

بئس طبقة سياسية وضعت القرار اللبناني خارج الحدود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى