الوطن

مبادرة الحريري «دعسة ناقصة»

 حسن الدّر

من دون الغوص في النوايا، ومن دون تحليل حيثيات مبادرة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فإنّ مبادرته، بغضّ النّظر عن صياغتها، فتحت كوّة في جدار الأزمة المستعصية لتمرير المبادرة الفرنسيّة.

صاغ الحريري مبادرته بطريقة واضحة، عنوانها: أنا صاحب القرار الحكومي، والرّئيس المكلّف يسير حسب توجيهاتي، الرّدّ الأوّلي من الثّنائي كان اعتراضاً على الشّكل، حسب مصادر قناة «المنار»، فلا يحقّ للحريري وغيره بأن يمنح ويمنع على طريقة «الأمر لي»، أمّا في المضمون فقد نقلت قناة «الجديد» انطباعاً إيجابياً عن الثّنائي، وأنّ مبادرته تصبّ في إطار تسهيل ولادة الحكومة.

لم يمرّ وقت طويل على مبادرة الحريري قبل أن يطلق الملك السّعودي سلمان بن عبد العزيز موقفاً سلبياً من حزب الله ودوره في لبنان، تبعه موقف آخر مماثل لمساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة ديفيد هيل.

التقى الخليلان بالرّئيس المكلّف بعد المبادرة، وتفاجآ بموقفه الرّافض لاختيار وزير الماليّة من ضمن لائحة مقدّمة من الثّنائي، واعتباره التّسمية حقّاً له، على عكس ما فهمه الثّنائي من مبادرة الحريري، والمنطق يقول بأنّ أساس المشكلة هو في محاولة الحؤول دون تمكّن الثّنائي من اختيار وزرائه، أو المشاركة في التّسمية كحدّ أدنى، وموضوع الماليّة محسوم بالنّسبة إليهما ولا مكان للتّفاوض عليه، وهذا ما أكَده المفتي الجعفري الممتاز الشّيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة أول أمس، فما قيمة المبادرة إذن، إذا كانت ستمنع الثّنائي من المشاركة في التّسمية؟!

أسئلة كثيرة تطرح نفسها: هل فرملت تصريحات سلمان وهيل مبادرة الحريري؟ وهل تسرّع الحريري بإعلان مبادرته من دون التّنسيق مع المملكة العربيّة السّعوديّة والولايات المتّحدة؟ أم أن فخًّا نُصب له ليتجرّع سمّ إبعاده أكثر عن دائرة المقرّبين من المملكة؟!

تبدو مبادرة الحريري «دعسة ناقصة» زادت في تعقيد المشكلة بدل المساهمة في حلّها، في ظلّ رؤيتين متباينتين لفرنسا وأميركا حول الأزمة اللّبنانيّة، وعلى فرض تشكّلت الحكومة، وجاءت التّشكيلة حلاً وسطاً بين رؤيتين مختلفتين، فكيف سيُصاغ البيان الوزاريّ؟ وماذا عن عبارة «جيش شعب مقاومة» الّتي كانت محور تجاذب القوى الدّاخليّة في الحكومات السّابقة؟ وإذا أعطيت فرنسا فرصة تمرير مرحلة ما قبل الانتخابات الأميركيّة، فهل لها حرّيّة التّحرّك ضمن هامش متعلّقات المقاومة؟

سياقات الأحداث لا تبشّر بالخير، والأزمات العاصفة بلبنان تزداد تعقيداً، فالأزمة السّياسيّة انتقلت إلى أزمة نظام، لم تعد تنفع معها اللّفلفة على الطّريقة اللّبنانيّة، وأزمة كورونا تزداد تفاقماً مع أعداد تفوق الألف يومياً، هذا عدا عن أزمة العام الدّراسيّ، المتزامنة مع الأزمة الاقتصاديّة وما يرافقها من أحداث أمنيّة واجتماعيّة متزايدة، فأيّ مستقبل ينتظرنا؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى