أولى

في عامِ رَحِيلٍكَ اَلْخَمْسِينَ…!

 د. عدنان منصور _

فِي يَوْمِ رَحِيلِكَ،

مَاذَا عَسَانَا نَقُولْ

مُنْذُ خَمْسِينَ عَاماً،

كَانَ غِيَابُكَ عَنَّا،

وَكُنْتَ اَلنَّجْمَ اَلسَّاطِعْ

فِي عَتَمَةِ اَللَّيْلِ،

قَبْل اَلْأُفُولْ

تَرَجَّلَتَ عَنْ صَهْوَةِ حِصَانِكَ، بَعِيداً،

وَبَقِيَتْ تَبْحَثُ

عَنْ فَوَارِسهَا اَلْخُيُولْ

لمَ لَا!؟

وَبِكَ وَمَعَكَ، فِي مَيَادِينِ اَلسَّاحَاتِ،

كَانَتْ تَصُولُ وَتَجَوَّلْ

قُمْ عَبْدَ اَلنَّاصِرْ،

وَانْزِعْ عَنْكَ، لَوحَ ضَرِيحِكَ،

وَتحَرّرْ

قُمْ وَانْظُرْ إِلَى أُمَّتِكَ وَاحْكُمْ،

عَلَى مَشْهَدٍ مُؤْلِمٍ،

قَدِيم جَدِيدٍ،

يَتَكَرَّرْ

وَسَجّلْ سِيرَةَ حُثَالَةِ حُكَّامٍ،

تَتَغَلْغَلُ اَلْخِيَانَةُ وَالْعمَالَةُ فِي شَرَايِينِهِمْ،

وَتَتَفَجَّرْ

عُبُودِيَّةٌ بِمَلْءِ إِرَادَتِهِمْ تَعَايَشُوا مَعَهَا،

وَذُلٌ وَهَوَان، تَعْشَعَشَ فِي نُخَاعِهِمْ وَتجَذُّرْ

فَلَا الكَرَامَةُ تَعْنِيهِمْ،

وَلَا اَلْعُنْفُوَانُ، وَلَا اَلظَّفَرْ

أَشْبَاهُ اَلرِّجَالِ،

عِنْدَ سَبْرِ غَوْرِ عَارِهِمْ،

يَغُوصُ اَلْمُؤَرِّخُ فِي صِفَاتِهِمْ

وَيَتَبَحَّرْ

صَيْحَةُ إِبَاءٍ وَعِزَّةٍ،

أَطْلَقْتَهَا،

سَرَتْ كَالشُّهُبِ،

فِي رِحَابِ اَلْبِلَادْ

«اِرْفَعْ رَأْسَكَ يَا أَخِي،

فَقَدْ مَضَى عَهْدُ اَلِاسْتِعْبَادْ»…

فِي كُلِّ سَاحَةٍ وَمَوْقِعٍ

كَانَ لَكَ

مَوْقِفٌ وَصَيْحَةٌ وَقَرَارٌ

بِهِ، جَسَّدَتَ ضَمِيرَ أُمَّةٍ، وَلبَيّتَ نِدَاءَ اَلْأَحْرَارْ

يُهَلِّلُونَ، يَهْتِفُونَ،

يَكْبّرُونَ، يُغَنُّونَ،

لِكُلِّ إِنْجَازٍ

وَانْتِصَارْ

عَلَى مَدَارِ خَمْسِينَ عَاماً

لَمْ نعدُ نَشْهَدُ

إِلَّا اَلْقَلِيلَ اَلْقَلِيلَ

مِنْ اَلْفُرْسَانْ

فَالْآخرُونَ سَخّرُوا ظُهُورَهُمْ مَطِيَّةً،

عِوَضاً عَنْ اَلْجِيَادْ

تُرْكَب، تُسَاقُ، تُلْجَمُ،

يَمْتَطِيهَا اَلْجَلَّادْ

أَرَاكَ عَبْدَ اَلنَّاصِرْ،

تَمْقُتُ اَلْحَالَ اَلَّتِي وَصَلَتْ أُمَّتُكَ إَلِيهَا

تَثُورُ، تَغْضَبُ، تَنْتَفِضُ،

تَبْكِي مَأْسَاتَهَا،

وتَذرُفُ اَلدَّمْعَةَ عَلَيْهَا

فَقْدْ سَادَ فِيهَا سَفَلَةٌ، وَأَشْبَاهُ اَلرِّجَالْ

فِيهِم اَلْعَبْدُ، وَالْمَأْمُورُ، وَالْمُرْتَزِقُ،

وَالْمَأْجُورْ،

وَالْمُنَافِقُ اَلدَّجَّالْ

فِيهِمْ اَلْمُهَرِّجُ وَالتَّافِهُ،

وَالْجَاهِلُ، وَالْأَحْمَقُ،

وَعُقُولُ رَبَّاتٍ اَلْحِجالْ

 

عَبْدُ اَلنَّاصِرْ،

بَعْدَ رَحِيلِكَ،

غَازَلَ اَلْحَاكِمُ اَلْعَرَبِيُّ،

«إِسْرَائِيل» وَجَعْلهَا جَارَةً

فِي بَيْتِهِ اِخْتَلَى بِهَا، وَعَانقْهَا، وَاسْكُنْهَا

دَارَهْ

فَلَقَدْ أَبَاحَ لَهَا اَلزِّنَا،

وَمَارَسَ مَعَهَا اَلدَّعَارَةْ

وَبَعْدَ ذَلِكَ، شَرّعَهُ، وَرَفْعَ اَلتَّمْثِيلَ مَعَهَا،

إِلَى مُسْتَوَى سَفَارَةٍ

صَبْراً، عَبْدُ اَلنَّاصِرْ اَلْيَوْمَ تَرَى اَلْعُجَابْ!!

يَأْتِي أَزْهَرِيٌّ إِلَى سَاحَاتِ صَهْيُونْ،

يَضَعُ اَلْإِكْلِيلَ عَلَى نُصْبِ اَلْجُنْدِيِّ اَلْمَجْهُولْ

وَيَجِيءُ دَوْرُ اَلْحَاخَامِ،

فَيَجُوبُ أَرْضَ اَلْكِنَانَةِ بِأَقْدَامِهِ،

وَيَلُفُّ الْحَبْلَ

عَلَى عُنُقِ «أَبُو اَلْهَوْلِ»…

تَرَى اَلْيَوْمَ اَلْمَهَازِلَ، وَالْمَصَائِبً،

تَنْتَعِشُ فِيهِ الْخِيَانَاتُ

تَسُودُ فِيهِ الْمُحَرَّمَاتُ،

وَيُسْحَقُ اَلْحَقٌّ، بِالسَّيْفِ الْمَسْلُولْ….

لَا فَرْق بَعْدَ الآن،

بَيْنَ الْمُجْرِمِ الْقَاتِلِ،

والْبَرِيءِ الْمَسْحُولْ

بَيْنَ الْمُقَاوِمِ الْحُرِّ

لِلِاحْتِلَالْ

وَالْقُرْصَانِ الْقَادِمِ مَعَ الْأُسْطُولْ

حَمَلُوا دَيْرُ يَاسِينْ، وَبَيْرُوت، وَدِمَشْقَ، وَغَزَّةَ،

سجّْلَ الْإِجْرَامُ

وَنَصَّبُوا شَارُونْ وُبيْغِينْ وَرَابِينْ،

وَدَايَانْ،

لِلسَّلَامِ رَسُولْ

 

قُمْ عَبْدَ اَلنَّاصِرْ وَأَسْمَعْ!

فِي زَمَنِ اَلرِّدَّةِ وَالْمُرْتَدِّينَ،

دُبِّرَ اَلْأَمْرُ،

وَسُوِّيَ الشَّرُّ،

قَايَضُوا تِبْرَ الْأَرْضِ،

بِوَعْدِ شَاوُولْ

أَلْقوْا الْمُغَفَّلَ

فِي الشِّبَاكِ،

وَأَرْغَمُوهُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالتَّوْقِيعِ،

عَلَى صَكِّ الْقَبُولْ

أَلْبَسُوا عُرَابِي قَلَنْسُوَةً،

وَغَطَّوْا رَأْسَ صَهْيُونَ

بِطَرْبُوشِ زُغْلُولْ….

لَا تَعْجْبُ إنْ أَصَابَ

نَفْسَكَ قَرَفٌ، وَانْتَابَكَ الذُّهُولْ….

فَلَقَدْ أَصْبَحْنَا

فِي زَمَنٍ تَسَاوَى فِيهِ،

اَلْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولْ….

 

عُذْراً عَبْدَ اَلنَّاصِرْ!

أَرَاكُ بَعْدَ مَشْهَدِ اَلذُّلِّ، وَالْهَوَانْ

تَسْتَعْجِلُ اَلْعَوْدَةَ،

إِلَى مَثْوَاكَ،

قَبْلً فَوَاتِ اَلْأَوَانْ

تَتَغَطَّى بِلَوْحِ ضَرِيحِكَ،

لَا أَسَفاً عَلَى اَلْحَيَاةِ، أَوْ رَغْبَةً فِي رُؤْيَةِ

اَلْعُرْبَانْ

فَلَقَدْ رَأَيْتَ أُمَّتَكَ، بِأُمِّ عَيْنَيْكَ،

يَحْكُمُهَا قَتَلَةٌ أَوْطَانْ، وَعُمَلَاءٌ، وَفَجَرَةٌ،

وَأَسْرَابُ الغُرْبَانْ

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى