أولى

لماذا أنفق الأميركيون
10 مليار دولار في لبنان؟

 ناصر قنديل

الكلام الذي قاله نائب وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس هو كلام رسميّ موثّق يُقال في مناسبة مدوّنة ضمن علاقة دستورية بين الإدارة والكونغرس، فلا يحتمل الارتجال، ولذلك فإن كلام هيل لجهة الكشف عن إنفاق مبلغ عشرة مليارات دولار خلال السنوات الماضيّة لدعم القوى المسلحة، ومنظمات المجتمع المدني، يستحقّ وحده التساؤل عن وجهة إنفاق هذا المبلغ الضخم، والأهداف من إنفاقه.

تقدّم واشنطن مساعدات للجيش اللبناني، وغالب هذه المساعدات مسقوف بما لا يتيحُ للجيش امتلاك ما يتيح مواجهة الاعتداءاتالإسرائيلية، يُقدّر سنوياً وفقاً لما يُنشَر على ألسنة المسؤولين الأميركيين، وما تتضمّنه تقارير المساعدات العسكرية الأميركيّة لبلدان العالم على مواقع عسكرية أميركيّة، بمئة مليون دولار، منذ العام 2005، وأقلّ من ذلك بكثير قبلها، ما يعني أن سقف هذه المساعدات لا يصلُ الى ثلاثة مليارات دولار خلال ثلاثين عاماً، فأين ذهبت السبعة مليارات دولار الأخرى؟

أن تكون الإدارة الأميركيّة قد أنفقت سبعة مليارات دولار خلال أربعة عشر عاماً، يعني نصف مليار دولار سنوياً، على ما أسماه هيل بمنظمات المجتمع المدني، وهي وفقاً لما يمكن للمتابع أن يعرفه، موزعة بين ثلاثة مستويات، مساهمات ومشاريع لمنظمات تتعاقد بتمويل أميركي مع الوزارات والمؤسسات الحكومية، وقد بات معلوماً أنها أكبر مصادر الفساد في الدولة، حيث يتقاضى مستشارون مبالغ طائلة خارج أي إطار رسمي وأية رقابة رسمية، وأغلبهم لا يقدم شيئاً يذكر، والأهم أنهم بلا استثناء محسوبيات لزعامات، ينطبق على توظيفهم مفهوم المشاركة الأميركيّة بتوفير الاحتياط المالي لإعادة إنتاج نظام الفساد السياسي والمالي من خارج الموازنات الرسميّة.

المستوى الثاني هو مساهمات تقدّمها المؤسسات الأميركيّة الماليّة لمؤسسات لبنانيّة خاصة يسمّيها هيل بمنظمات المجتمع المدني، وهي جمعيات سياسية تابعة لزعامات مناطقية وطائفية تساعد هذه الزعامات بإعادة إنتاج زعامتها بصورة منافية لأبسط شروط التكافؤ والمنافسة الديمقراطية، عبر تقديم خدمات مموّلة من الخارج لمواطنين حرمتهم الدولة من حقوقهم، ووفّرها لهم الزعيم المدعوم من التمويل الأميركي.

المستوى الثالث هو مساهمات تستفيد منها مؤسسات ناشطة سياسياً وإعلامياً، عبّر عنها التحالف الذي تصدّى لقيادة انتفاضة تشرين، والذي لم يعُد خافياً انضباط أغلبه الإعلاميّ والسياسي، بما في ذلك أحزاب ناشئة، ومنظمات بعناوين إنسانية وسياسية ولدت تحت عنوان تعزيز الديمقراطية أو حماية حقوق الإنسان أو الاهتمام بالنازحين السوريين، وبمثل ما ينضح سجل أغلب هذه المؤسسات بالفساد، فإن دورها السياسي كأدة للسياسة الأميركيّة ليس خافياً ولا مخفياً.

بعض وسائل الإعلام المستفيدة من برامج عنوانها التشجيع على الديمقراطيّة، لم يتأخر عن إعداد تقارير ترويجيّة للتطبيع الذي قامت واشنطن برعايته بين كيان الاحتلال والإمارات والبحرين، والتزم بقرارات أميركيّة لمنع بث خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تحت حجج واهية، بمثل ما التزم بلا مبرّر بنقل خطابات شخصيات منضوية تحت العباءة الأميركيّة وتخدم المشروع الأميركي.

الأميركيون الذين يحجبون الأموال عن الشعب اللبناني وينفذون سياسة خنق وحصار وتجويع، يجدون المال بوفرة عندما يكون المطلوب تجنيد عملاء خمس نجوم، وهم يفرضون العقوبات تحت عناوين ملاحقة الفساد يقيمون ويشجعون قيام إمبراطوريات الفساد المنتشرة في كل المناطق وكل القطاعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى