الوطن

عون: سأبقى سداً منيعاً في وجه كلّ من يحاول المسّ بالدستور

بعد اعتذار أديب دعوات للتفاهم مع الكتل لتشكيل الحكومة العتيدة

مضى يومان على اعتذار الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الدكتور مصطفى أديب عن المهمّة الموكلة إليه، والبلاد بانتظار تكليف شخصية جديدة بتأليف الحكومة من خلال ما ستسفر عنه الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لهذه الغاية.

وفي خضمّ الغموض الذي يكتنف هذه المرحلة، بدا أكيداً أن الحكومة المنتظرة ستكون أيضاً،  تحت مظلة المبادرة الفرنسية التي أجمعت كل الأطياف النيابية التمسك بها في موازاة دعوات إلى تفاهم من سيتم تكليفه مع الكتل النيابية أثناء تشكيل الحكومة

بيان الإعتذار

وكان أديب قدّم كتاب اعتذاره إلى عون خلال لقائهما الأخير في قصر بعبدا أول من أمس، بسبب ما اعتبره «عدم التزام الكتل النيابية بما تعهّدت به».

وقال أديب في بيان تلاه من بعبدا «عندما سمّتني غالبية كبيرة خلال الاستشارات النيابية الملزمة تشرفت بتشكيل حكومة إنقاذ استناداً إلى مطالب أكثرية اللبنانيين، وافق معظم النواب على مضمون المبادرة الفرنسية التي تقدم بها الرئيس إيمانويل ماكرون وكان واضحاً أن تشكيل حكومة بهذه المواصفات والتزامها الإصلاحات تُسهّل عمل ماكرون في جلب الدعم للبنان».

وأضاف «أعلنت بوضوح لجميع الكتل النيابية أن لا نية شخصية لديّ للولوج بأي وجهة سياسية. وفور شروعي بالاستشارات أعلن عدد من الكتل عدم تسمية أحد لتوزيره في الحكومة».

وقال «تبيّن أنّ الكتل لم تلتزم وحرصاً مني على الوحدة الوطنية، اعتذر عن عدم متابعة تشكيل الحكومة»، متوجّهاً بـ»الشكر لرئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات السابقين الذين واكبوني في هذه الفترة وأشكر الشعب اللبناني وهو يفهمني».

وختم بالقول «هذه المبادرة يجب ان تستمرّ، حمى الله لبنان».

وأوضحت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية أن «الرئيس عون استقبل أديب الذي عرض عليه الصعوبات والمعوقات التي واجهته في عملية تشكيل الحكومة، ثم قدّم له كتاب اعتذاره عن عدم تشكيلها».

وأشارت إلى أنّ عون شكر أديب على الجهود التي بذلها وأبلغه قبول الاعتذار، مضيفا أنه «سيتّخذ الإجراءات المناسبة وفقاً لمقتضيات الدستور».

وعقب ذلك، أكد عون أنّ المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي ماكرون «لا تزال مستمرة وتلقى مني كلّ الدعم وفق الأسس التي أعلنها ماكرون».

وأكد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، أن «الرئيس المكلّف في الزيارات المتتالية التي قام بهالى قصر بعبدا، بعد تكليفه وبلغ عددها 6 زيارات، لم يقدّم إلى رئيس الجمهورية أيّ صيغة حكومية، ولم يعرض عليه أسماء مقترحة للتوزير ولا تشكيلة حكومية جاهزة أو تصوراً عن توزيع للحقائب».

وفي تغريدة عبر «تويتر»، قال عون «إذا كان الوعد مقدساً فكم بالحري قسم اليمين! يمين احترام الدستور والقوانين، وصون استقلال الوطن ووحدة أراضيه».

وأعاد عون نشر فيديو قسمه الذي ألقاه عند انتخابه رئيساً، مضيفاً «أقسمت، وسألتزم قسمي حتى اليوم الأخير من عهدي، وسأبقى سداً منيعاً بوجه كل من يحاول المسّ بمضمونه».

تمسك بالمبادرة الفرنسية

وفي ردود الفعل على اعتذار أديب، أكد رئيس مجلس النواب نبيه برّي أن «لا أحد متمسك بالمبادرة الفرنسية بقدر تمسكنا بها ولكن هناك من أغرقها فيما يخالف كل الأصول المتبعة».

وأشار المكتب الإعلامي لبرّي «أن المبادرة الفرنسية روحها وجوهرها الإصلاحات، والحكومة هي الآلة التي عليها أن تنفّذ هذه الإصلاحات بعد إقرارها». وقال «أعتقد أن كل الكتل مع هذه الإصلاحات والمجلس النيابي أكثر المتحفزين لإقرار ما يجب، ونحن على موقفنا بالتمسك بالمبادرة الفرنسية وفقاً لمضمونها».

من جهته، أشار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إلى أننا «كنا قد توسّمنا خيراً من مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمساعدة لبنان في مواجهة التحديات التي  يعيشها على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية، وتمنينا أن ينجح الرئيس المكلّف مصطفى أديب بتشكيل حكومة سريعاً مستفيداً من قوة الدفع الفرنسية وزخم التوافق الداخلي في تسمية الرئيس المكلف. لكن، وللأسف جاء الاعتذار اليوم ليعيد الأمور إلى الوراء وليزيد الصعوبات على لبنان واللبنانيين».

وناشد دياب الرئيس الفرنسي الاستمرار بالوقوف إلى جانب لبنان في هذه المرحلة الصعبة، ومواصلة مساعيه ومبادرته لمساعدة لبنان.

وقال إن «الظروف التي يعيشها لبنان استثنائية، وهي تتطلب جهوداً استثنائية، وأن تتوقف القوى السياسية عن الممارسات والتجاذبات التي تهدّد ما بقي من مقومات صمود الوطن».

وفيما اعتبر رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، وتمام سلام، أن أديب «اصطدم بشتى أنواع العرقلة الداخلية والخارجية»، سارع الرئيس سعد الحريري إلى نعي المبادرة الفرنسية وأضاف في بيان «نقول إلى أولئك الذين يصفقون اليوم لسقوط مبادرة الرئيس ماكرون، أنكم ستعضون أصابعكم ندماً لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء ولهدر فرصة استثنائية سيكون من الصعب أن تتكرّر لوقف الانهيار الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب».

ولاحقاً، أكد المكتب الإعلامي للحريري، في موقف تراجعي، أنّ الأخير «غير مرشّح لتولي تشكيل الحكومة الجديدة، إلاّ أنه يبقى على موقفه الداعم لمبادرة الرئيس ماكرون والمسهّل لكلّ ما من شأنه إنجاحها بصفتها الفرصة الوحيدة والأخيرة لوقف انهيار لبنان».

بدورها، أكدت الهيئة السياسية في التيار الوطني الحرّ «التمسك بالمبادرة الفرنسية الإنقاذية»، طالبةً من ماكرون «مواصلتها على القواعد الأساسية التي تقوم على أولوية تشكيل حكومة مهمة، تنفّذ البرنامج الإصلاحي المتفق عليه، وتكون مؤلّفة من وزراء يتمتعون بالقدرة على تنفيذ البرنامج، من دون تقييد الحكومة بشروط مسبقة تعرقل التشكيل، أكان بصيغة الحكومة أو حجمها».

وشدّدت على أنّ «المهمّ قدرة الحكومة على الإنجاز وأن تحصل على ثقة المجلس النيابي، أي أن تتشكل بالتفاهم مع الكتل النيابية وأن يوحي وزراؤها بالثقة والقدرة على الإنتاجية والنجاح، وألاّ يكون هؤلاء الوزراء سياسيين ملتزمين بل اختصاصيين قادرين».

ورأت «ضرورة الإسراع بالاتفاق على شخصية تتولى تشكيل الحكومة، على أن يكون هناك اتفاق مع الرئيس الذي سيتمّ تكليفه عن الحكومة وصيغتها، ‏طالما أن برنامجها متفق عليه، لكي لا يتكرر معه ما جرى مع دولة الرئيس اديب».

وأسف رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائبطلال أرسلانلاعتذار أديبو»إجهاضه للمبادرة الفرنسية بسبب عدم إدارته الشخصية لملف الحكومة وتركها لمجموعة لا صفة دستورية وقانونية لها بتأليف الحكومات». وأضاف «هذا التصرف لا يمتّ إلى منطق المؤسسات ودورها في عملية التشكيل بصلة. كلّنا أيدنا مبادرة الرئيس ماكرون الذي وضع خطوطاً عريضة وأوّلها حكومة اختصاصيين، لكن لا يعني ذلك تجاوزالكتل النيابيةالتي التزمت بهذه المقاربة خصوصاً بأن أيّة حكومة تحتاج إلى ثقةالمجلس النيابيوليس الخضوع لرؤية ما يسمى برؤساء الحكومات السابقين على حساب دور المجلس النيابي».

واعتبر النائب طوني فرنجية عبر «تويتر»، أنه بعد اعتذار أديب «على الجميع التحرك بديناميكية، مرونة وواقعية لإحياء ما تبقى من المبادرة الفرنسية»، مؤكداً أن «اللبنانيين عازمون على البقاء في وطنهم فلا يراهننّ أحد على يأسهم».

بدوره قال النائب فريد البستاني عبر «تويتر»: «اليوم يتضح حجم المشكلة السياسية التي نعاني منها والتي قد تتحوّل مع اعتذار الرئيس المكلف إلى مشكلة نظام ينبغي تداركها سريعاً والذهاب إلى استشارات جديدة وتسمية رئيس مكلّف بتفاهم كل الكتل، لتشكيل حكومة بمعايير الكفاءة بعيداً عن الشروط من هنا وهناك. وتبقى الدولة المدنية هي الحلّ».

ورأى مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، أن اعتذار أديب «شكّل خسارة كبيرة وإضافية وتسبب بتداعيات جديدة على الساحة اللبنانية» وناشد القوى السياسية «التفاهم مع بعضهم بعضاً وفقاً لأحكام الدستور ومصلحة البلاد والعباد، وأن يكون هذا الأمر في أولويات اعتباراتهم قبل الضياع وقبل أن نصبح في وضع لا نُحسد عليه»، معتبراً أن «تقاذف التهم لا ينفع بل يؤجّج الأمور إلى الأسوأ».

وانتقد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، عبر «تويتر» «هذه الدرجة من قلة المسؤولية، حين يكون مصير لبنان وشعبه على المحك». وتوجّه إلى المسؤولين اللبنانيين، بالقول «هل فوّتم فعلاً الفرصة الأخيرة التي أوجدتها فرنسا؟ متى ستوقفون هذه اللعبة المعتادة؟ استمعوا إلى صرخات شعبكم وحاجاتهم، واجعلوا الأولوية لمستقبل لبنان».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى