الوطن

لرفض الوصاية الاستعمارية الأميركية الفرنسية…
وضرورة الانتقال من الدفاع السلبي إلى الدفاع الإيجابي

 حسن حردان

شكل المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دليلاً واضحاً على العقلية الاستعمارية التي تتحكّم في تعامل ماكرون مع لبنان والتي تتماهى مع نظيرتها الأميركيةهذه العقلية الاستعمارية تجسّدت بوضوح من خلال الأمور التالية

الأمر الأول، التصرف من منطلق أنّ ماكرون وصيّ على لبنان، وكأنّ فرنسا لا تزال تعيش في العشرينات من القرن الماضي عندما كانت تحتلّ وتستعمر لبنان وتفرض عليه ما تشاء، وبنت له نظاماً طائفياً مفخخاً لتترك لبنان، بعد رحيل جيوشها عام ١٩٤٣، قابعاً فيه عرضة لعدم الاستقرار لإبقائه ساحة للتدخل الغربي في شؤونه الداخليةؤولقد كشف ماكرون أنّ جوهر مبادرته لم يكن لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته ولعب دور الوسيط والراعي، وإنما لأجل محاولة استغلال هذه الأزمات، وانفجار، أو تفجير مرفأ بيروت، لإنعاش نفوذ فرنسا الاستعماري في لبنان الذي انحسر وتراجع، وقطع الطريق على إمكانية تجاه لبنان لتنويع خياراته الاقتصادية مع دول الشرق.. وظهر ذلك بوضوح من خلال انتقال ماكرون من دور الوسيط المساعد، الذي قدّم نفسه فيه عندما زار بيروت مؤخراً، الى دور المتدخل في الشأن الداخلي يقف إلى جانب طرف ضدّ طرف أخر، محمّلاً المسؤولية الأساسية في عدم تشكيل حكومة الدكتور مصطفى أديب إلى تحالف أمل ـ حزب الله، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون.. وأرفق ذلك بتهديدهم بالأسوأ إذا لم يتراجعوا عن التمسك بتسمية وزرائهم في حكومة يسمّيها رباعي نادي رؤساء الحكومات السابقين

ثانياً، انتقال ماكرون من موقف التمايز عن الموقف الأميركي، بما خصّ الموقف من حزب الله، الى التراصف خلف السياسة الأميركية، بتوصيف حزب الله بأنه يرهِب اللبنانيين بسلاحه، وانه ميليشيا في سورية، وجيش ضدّ «إسرائيل» في لبنان، وأنّ عليه أن يتخلى عن ذلك اذا كان يريد أن يكون حزباً سياسياً في الداخل اللبناني، أيّ أن يقبل بعدم مشاركته وحلفائه في الحكومة.. وهو ما يشكل خروجاً على مضمون المبادرة الفرنسية، التي كما أكد سماحة السيد حسن نصرالله أمس بأنّ المبادرة لا يوجد فيها نصّ يحدّد من يسمّي الوزراء ولا المداورة في الحقائب ولا من يوزع الحقائب على الطوائف ولا ما إذا كانت الحكومة ستؤلف من 14 أو 18 وزيراًوهذا ما أقرّ به الفرنسي في اللقاءات معه

ثالثاً، التدخل السافر بشؤون لبنان الداخلية عبر ممارسة التحريض ضدّ الدور المشرّف للمقاومة التي حرّرت الأرض من الاحتلال ودرأت خطر الإرهابيين التكفيريين، الذين دعمتهم فرنسا وأميركا، من خلال مشاركة المقاومة في محاربتهم في سورية إلى جانب الجيش السوري، وفي الجرود اللبنانية إلى جانب الجيش اللبناني

ثالثاً، تخلي ماكرون عن الواقعية السياسية في الإقرار بموازين القوى في لبنان، وانتقاله إلى دعم الخطة الأميركية لتنفيذ انقلاب على المعادلة السياسية التي أنتجتها الانتخابات النيابية، عبر السعي علناً لفرض «حكومة مهمة من الاختصاصيين المستقلين» يسمّي وزراءها مصطفى أديب ومن ورائه نادي رؤساء الحكومات السابقين الأربعة، من دون أيّ مشاركة من كتل الأغلبية النيابية في هذه التسميةفي حين أنّ أيّ إنسان يعرف أنه ليس هناك مستقلون في لبنان، وأنّ أديب هو نفسه ينتمي إلى فريق سياسي يرأسه رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وأنّ أديب كان يقف على رأي رؤساء الحكومات السابقين في تشكيل الحكومة واختيار اسمائها بعيداً عن مشاركة قوى الأغلبية النيابيةوعندما سمّته الأخيرة إنما كانت تقدّم تنازلاً سياسياً عن حقها الديمقراطي التمثيلي في تسمية رئيس مكلف من المحسوبين على توجهاتها السياسية والاقتصاديةوهو ما لم يكن فريق 14 آذار ليقبل التخلي عنه لو كان هو من يملك الأغلبية في البرلمان

هذا المنطق الفرنسي الاستعماري واضح إذا في إعلان انحيازه ودعمه لخطة الإنقلاب الأميركية التي تستهدف

1 – إقصاء حزب الله وحلفائه عن السلطة..

2 – فرض تشكيل حكومة موالية للغرب لتمرير الموافقة على شروط صندوق النقد الدولي، والتنازل عن جزء من حقوق لبنان في مياهه الإقليمية لمصلحة كيان العدو الصهيوني من ضمن اتفاق لترسيم الحدود البحرية والبرية..

3- العمل على محاصرة المقاومة ونزع سلاحها الذي يرعب الاحتلال الإسرائيلي، وليس اللبنانيين، كما زعم ماكرون في سياق تحريضه وهجومه على المقاومة، تماماً على غرار ما تفعل واشنطن انسجاماً مع الهدف الصهيوني

أمام هذه الخطة الأميركية الفرنسية الهادفة إلى إعادة إخضاع لبنان للهيمنة الإستعمارية ونزع سلاح قوّته الذي يحمي اللبنانيين وثرواتهم من اعتداءات العدو الصهيوني وأطماعهليس هناك من خيارات وسطية، فإما الخضوع والاستسلام، أو الرفض والعمل على إحباط هذه الخطة الانقلابية

على أنّ الخيار الطبيعي لحزب الله المقاوم وحلفائه من القوى الوطنية إنما هو رفض الخضوع للهيمنة الاستعمارية وشروط واشنطن وباريس، والتمسك بحقوق لبنان وسلاح قوّته المتمثل بسلاح المقاومة، والمعادلة الردعية الذهبية «جيش وشعب ومقاومة»…

لكن هذا الخيار الطبيعي يتطلب أيضاً الانتقال في هذه المجابهة للخطة الانقلابية الأميركية الفرنسية إلى

{ أخذ زمام المبادرة بالردّ عليها عبر المسارعة إلى توحيد رؤى فريق الأغلبية، ووضع خطة مشتركة لإحباطها، تبدأ بتشكيل حكومة من الأغلبية تعمل على تنفيذها لإخراج لبنان من أزماته وعدم تركه في حالة من الضياع والتخبّط والتأزّم كما يسعى الفريق الأميركي وأدواته لأجل خلق المناخات التي تساعده على تحقيق انقلابه

{ الانتقال من الدفاع السلبي إلى الدفاع الايجابي يجب أن يشكل الأساس في مواجهة خطة الانقلاب، ومنعها من بلوغ أهدافها… فالأغلبية النيابية مطالبة شعبياً ووطنياً بالعمل على إيجاد الحلول والبدائل والخطوات العملية لإخراج لبنان من خضم الأزمات الغارق فيها، وعدم البقاء في حالة من السلبية في المواجهة… وهذه الحلول والبدائل متوافرة، ولا تحتاج سوى إلى إرادة وقرار جريء وشجاع يحرّر لبنان من التبعية الاقتصادية الأحادية للغرب ويضعه على سكة تنويع خياراته الاقتصادية مع كلّ الدول بعيداً عن هذه التبعية التي تجعل لبنان خاضعاً لابتزاز الغرب، الذي لا يهمّه مصالح اللبنانيين، وإنما ما يهمّه هو العمل على إغراقهم في الأزمات بهدف استغلالها لإعادة إخضاع لبنان للشروط الغربية والصهيونية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى