حديث الجمعة

عندما يتمرد النص على الكاتب

 

لماذا يهجرني النص، يخاصمني يغيب عني، وأبرد لغيابه ولا أهتمّ، وكأنه لم يترك في رأسي أجراساً للرياح تلوك حبالها الحيرة، بماذا كان يفكر وهو يلم أمتعته من سكوني، ليترك الخزائن فارغة تصفق أبوابها عبثاً، كيف تهون عليه الأدراج اللاهثة نحو السماء، والأحلام الميتة فوق الوسادة، لم أكن أعرف عنه انّ العناد كان يوماً من سماته رفيق أيامي يغيب، ودفء كفه عالق فوق يدي، لمن أسلم روحي بعده، لمن أترك حزني وغضبي وهذياني، ثرثرتي وسخطي وغثياني، لمن هذه الغرف الفارغة؟ من بعده يتذوّقني بلا ملل أو تذمّر، من يحمل قامتي كي تأخذ قياس الأحداث الجائرة؟ من يحمل عن أظافري القلق، من يعطي السحر للأرق، من يعطي اللون للأيام الرمادية الرتيبة، ومن يبتلع السكين عني ويصرخ بصمت؟ أين أكدس هذه الحكايا الدائرة في عقلي؟.. كنت أجول به الشوارع وأدس في صوره سم النقمة، نقمتي على الحرب، على الأماكن المملوءة بجنس واحد، نقمتي على الازدحام على الحافلة، نقمتي على الاصفار المتكاثرة في الأسعار، على تجار الموقف والعيون الفارغة، كنت به أدجن الشتائم مهما كبرت، وأقيم ضد الظلم مظاهرات لا صوت لها، لكنها تخرق جدار الصوت لزمان قادم، والآن بعد غيابه، تتكدس الشتائم فوق لساني كلما رأيت الجموع تركض خلف الحافلة، ورأيت مغازل الالتفاف على القانون تصنع البذلات الرسمية والكعوب العالية، ولقمة العباد تقاس بالهتاف، ثم كيف أصير فراشة إن لم أصعد على جنان حروفه، وكيف أصارع الوجد، وقد كنت أكنزه الصور، وأمد الف دالية على عروقه دون سكر، كيف يهجرني وفي جوفه كلي، وكيف يتركني وحالي لم يبق معي؟

مها هسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى