مقالات وآراء

الكوت ديفوار ورهانات الانتخابات الرئاسية

} د. علي سيّد*

ساحل العاج هذا البلد الأفريقي سيشهد انتخابات رئاسية نهاية الشهر الحالي، ترشُح الرئيس الحالي الحسن واتارا لولاية رئاسية ثالثة يثير الكثير من الجدل والغضب من قِبل المعارضة والمجتمع المدني فهم يتهمونه بخيانة الدستور وهذا يذكرنا بما شهده هذا البلد في الماضي حيث كانت نتائج الانتخابات دائماً محلّ جدال وخلاف أدّت في الغالب إلى تحوّل البلد إلى مسرح لأعمال عنف مميتة.

فمع اقتراب موعد انتخابات 31 تشرين الأول 2020، في كوت ديفوار، أعربت البعثة المشتركة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة عن «قلقها الشديد»، لكن هل يُعتبر هذا إشارة لمؤيدي تأجيل الانتخابات؟

فقد شهدت العديد من أحياء العاصمة التجارية الإيفوراية أبيدجان الأسبوع الفائت مظاهرات لبّى المشاركون فيها دعوة إلى العصيان المدني أطلقتها المعارضة احتجاجاً على ترشح الرئيس الحالي الحسن واتارا لولاية جديدة، بينما يواصل الأخير حملته الدعائية للانتخابات الرئاسية.

على مدى عدة أسابيع ورئيس حزبPDCI ، هنري كونان بيدي، والعديد من أحزاب المعارضة الإيفوارية يدعون الشعب إلى العصيان المدني، للمطالبة بتأجيل الانتخابات الرئاسية في 31 تشرين الأول.

وبينما لا تزال المعارضة ترفض ترشيح الحسن واتارا لولاية ثالثة، وتدعو إلى تشكيل لجنة انتخابية جديدة ومجلس دستوري جديد، فإنّ البعثة الدولية «للدبلوماسية الوقائية» المُكوَّنة من ممثلي الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الايكواس) والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة أعربت عن «قلقها الشديد» حيال الانتخابات الرئاسية في 31 الشهر الجاري في كوت ديفوار.

وهذا الرأي سيظهر تأثيره بالتأكيد في الأيام المقبلة، حيث أطلق معارضو الرئيس المرشَّح، بدءاً من رئيس حزب PDCI ، هنري كونان بيديه دعوة إلى العصيان المدني الذي كان مقرَّراً له أن يبدأ يوم السبت 10 تشرين الأول الحالي.

توتُّر الأجواء منذ إعلان ترشيحرئيس الدولة المنتهية ولايته

شهد التوتر السياسي تأجيجاً في كوت ديفوار قبل شهر واحد من الانتخابات وبعد عشر سنوات من الأزمة التي أعقبت الانتخابات في 2010-2011، والتي اندلعت نتيجة رفض الرئيس لوران غباغبو الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية أمام الحسن واتارا، وأودت بحياة 3000 ضحية. وفي آب سقط حوالي 15 شخصاً في أعمال عنفٍ بعد إعلان ترشُّح الرئيس واتارا لولاية ثالثة مثيرة للجدل.

وتمّ انتخاب الحسن واتارا، البالغ من العمر 78 عاماً، في عام 2010، وأُعيد انتخابه في عام 2015، وأعلن في مارس أنه تخلَّى عن الترشح لولاية ثالثة قبل أن يُغيّر رأيه في آب الماضي بعد وفاة رئيس الوزراء أمادو غون كوليبالي الذي تمّ اختياره للترشُّح نيابةً عنه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ القانون الإيفواري ينصّ على فترتين كحدّ أقصى، لكنَّ المجلس الدستوري يرى أنه مع الدستور الجديد لعام 2016 تمَّت إعادة تعيين عداد فترات الرئيس واتارا إلى الصفر، الأمر الذي تطعن فيه المعارضة بشدة، وتطالب بحلّ اللجنة الانتخابية المستقلة والمجلس الدستوري، فضلاً على دعوتها إلى العصيان المدني.

تزايد الأصواتالمطالِبة بتأجيل الانتخابات

لم يَعُدْ السياسيون هم وحدهم الذين يطالبون بتأجيل الانتخابات، والتي بالطبع ستحصل في موعدها المحدّد، حيث طالبت الشبكة الوطنيةوهي عبارة عن اتحاد كبير من الفاعلين في القطاع الخاص في كوت ديفوارفي وقتٍ سابقٍ من الأسبوع المنصرم بتأجيل الانتخابات الرئاسية مدَّعِية امتلاك «موارد نقابية لتحريك الأمور».

كما أشاد وزير الخارجية الأسبق، مارسيل آمون تانوه، أحد المرشحين الـ40 الذين رفض المجلس الدستوري اعتماد ملفاتهم في ظلّ تنامي المخاوف أن تؤدّي الانتخابات الرئاسية في 31 تشرين الول إلى أزمة ما بعد الانتخابات كما حدث في 2010-2011. وقد صرّح لوكالة فرانس برس: «أخشى أن نتجه إلى صراع ما بعد الانتخابات مرة أخرى، إذا ما أُجرِيَت الانتخابات في ظلّ هذه الظروف».

مضيفاً بأنه «يجب فعل كلّ شيء لإجبار  واتارا للجلوس على طاولة الحوار للمناقشة والتفاوض، وهذا هو السبيل الوحيد لحلّ أزمة ما بعد الانتخابات التي تلوح في الأفق اليوم، نحن بالفعل في أزمة ما قبل الانتخابات، والتي تفاقمت أكثر بكثير من التوترات التي سبقت الانتخابات في عام 2010، ففي ذلك العام قبل الانتخابات، لم تكن هناك وفيات، في حين أنّ لدينا وفيات في الوقت الراهن، ومع التوترات الحالية يمكن توقُّع ما قد يحدث بعد تشرين الأول 2020»، على حدّ قول الرجل الذي كان لفترة طويلة مدير مكتب رئيس الدولة، ثم وزير الخارجية للرئيس الحسن واتارا المنتهية ولايته قبل مغادرة الحكومة في آذار.

وكبقية أطياف المعارضة، يدعو آمون تانوه بدوره إلى إصلاح اللجنة المستقلة للانتخابات (CEI)  والمجلس الدستوري، عطفاً على مراجعة القوائم الانتخابية، مشيراً إلى أنّ الانتخابات كما هو مخطَّط لها ليست «شفّافة»، وأنه «ما لم تُقدِّم اللجنة الانتخابية المستقلة والمجلس الدستوري التقارير عن صحة رعاية المرشحين وعن حقائق صناديق الاقتراع، فلن تكون هذه الانتخابات ذات مصداقية».

ومن جانبه، يزعم وزير الخارجية الأسبق، الذي رُفِضَ ترشيحه، بأنه تحرّك على المستوى الدبلوماسي مطالباً المجتمع الدولي بـ»ممارسة الضغط» على الرئيس واتارا.

خلاصة القول، هناك قلق وتخوّف من المواطنين بخصوص هذه الانتخابات، ليس بخصوص الإقتراع فساحل العاج بلد ديمقراطي منذ فترة طويلة والانتخابات تجري بشكل ديمقراطي، فمنذ الستينيات والانتخابات تجري بمشاركة أحزاب، ومنذ التسعينيات والشعب الأفوري معتاد على التصويت والتعددية ، إنما التخوّف هو بخصوص المرشحين للانتخابات الذين لم يتغيّروا منذ الحرب، إذ أنّ نفس الأسباب ستؤدّي إلى نفس النتائج مما سينتج من جديد صراع مصالح.

في غرب البلاد،  تعيد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 31 تشرين الأول إحياء ذكريات المذابح التي ارتكبت خلال أزمة 2011 والتي أعقبت الانتخابات حينها، فالقتال بين المتمرّدين الشماليين الذين دعموا الحسن واتارا والسكان المحليين المؤيدين لجيش الرئيس السابق غباغبو أدّى إلى مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص واليوم يرفض معظم سكان تلك المناطق الذهاب للتصويت.

مدينة بواكي التي انكوت من الأزمة غرب البلاد ومنها انطلقت جميع الأزمات ودفعت الثمن غالياً فقد قتل فيها أكثر من 1000 شخص، المشكلة هنا أنه لم يحدث تصالح فعلي لم تنظم أيّ مراسم دفن كما لم يتمّ التعرّف على الجثامين، وبناءً عليه لم تأخذ العدالة مجراها ولم يتمّ تقديم أيّ تعويض لأسر الضحايا، لذلك هناك شعور عميق بالمرارة، في بواكي بالنسبة لما مضى يشعر السكان هنا بأنهم منسيون من قبل الدولة، ولكنهم لا يشعرون بضرورة العودة إلى الصراع.

يقول زعماء تلك المناطق بأنّ الصفحة لم يتمّ طيّها بعد، وأنهم مستعدون للدخول في صراع من نوع آخر، لأنهم فقدوا الكثير من الآباء ولا يريدون العودة مجدّداً للقتال فلا يمكنهم تحمّل ذلك على حدّ تعبيرهم، فهم لا يملكون السلاح وسيكون مصيرهم الموت في حال لجأوا للتمرّد والقتال.

أخيراً، التسامح يتطلب الإعتراف وطي الصفحات يحتاج إلى نوع من التفهّم والإدراك، هذا مبدأ لجان التصالح التي نُظمت في بلدان أخرى لا سيما جنوب أفريقيا، المشكلة في ساحل العاج أنه بعد 10 سنوات من الأزمات والحرب الأهلية لم تُخلق أيّ مبادرة للمصالحة أو الحديث عن حقائق الماضي وطالما انعدمت الجهود لتحقيق العدالة وأقلها تعويض الضحايا، لن يكون هناك تسامح حقيقي وستظلّ حقيقة ساحل العاج ناقصة قبل الوصول إلى مرحلة طيّ صفحة الماضي.

*باحث في الشؤون الأفريقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى