الوطن

حكومة اختصاصيين من أهل البيت الواحد فأين الخلاف إذاً؟

} د.وفيق إبراهيم

اكتشفت القوى السياسية اللبنانية أن بإمكانها تلبية شروط سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة، وأولها تعيين وزراء مستقلين من الاختصاصيين.

فهؤلاء موجودون بالطبع في البيئات الاجتماعية والسياسية لقوى المعادلة السياسية الداخلية وميزتهم أنهم لا يمتلكون شهرة إعلامية سياسية ولا ينتمون الى الأحزاب بالمباشر بل بالانقسامات التقليديّة المعروفة، التي تؤدي غالباً الى ولاءات.

بذلك يجد الرئيس المكلف سعد الحريري حلاً للشروط الأميركية بإبعاد حزب الله عن الحكومة، كما يقدم لحزب الله حلاً بتوزير اسماء مستقلة يقتنع بها.

ضمن هذه المواربة التي لا يجهلها الأميركيون والفرنسيون والسعوديون يمكن تمرير الشروط الاميركية.

لماذا اذاً، لا يعلن الحريري عن حكومته المنتظرة؟ لا سيما أن الانهيار الاقتصادي الداخلي يدفع باتجاه انفجار اجتماعي سريع قد يطيح بالدولة وصولاً الى الكيان.

يبدو ان الصراع التقليدي على توزيع الحقائب وحصص القوى السياسية يستحوذ حالياً على كل المشاورات غير العلنية.

فإذا كان الحريري وافق على إسناد وزارة المال للشيعة، لهذه الحكومة فقط، كما تقول اوساطه فإن هذا الحل لم يوافق نيافة الكاردينال الراعي، الذي شدّد على المداورة في الحقائب ابتداء من هذه الحكومة، وكأنه يريد إبعاد وزارة الطاقة عن التيار الوطني الحر المعروف بتمسكه بها وإقصاء حركة أمل عن وزارة المال.

هذا بالإضافة الى تمسك الوزير وليد جنبلاط بحقيبتين درزيتين كاملتين وسط مناشدات تصله من سعد بالاتفاق مع النائب طلال أرسلان على اسم وزير في واحدة من الحقيبتين.

هذه التفاصيل لا تشكل معوقات قوية أمام إعلان الحكومة المرتقبة، لكنها قد تستهلك وقتاً، فلماذا لا يغتنم سعد الحريري الفرصة لإعلان حكومة يتردد أن صندوق النقد الدولي هو شريكها المقبل في إدارة لبنان؟ خصوصاً أن كامل القوى السياسية اللبنانية مؤيدة لها بالمشاركة والبرنامج باستثناء حزب القوات اللبنانية وبعض القوى التي لم تعد تمتلك وزناً نيابياً.

هذه اسئلة شديدة الشرعية وقابلة للتحول الى علامات استفهام مشككة إذا لم يعلن الحريري حكومته هذا الأسبوع.

إلا ان التحليل الواقعي يطرح سؤالاً كبيراً عن مدى الموافقة الأميركية الفعلية على حكومة جديدة في لبنان.

أما الدليل، فموجود في تلك الضغوط التي تمارسها ادارة ترامب على دول في أقصى الارض ومغربها للإعلان عن ارهابية حزب الله ووضعه على اللائحة السوداء من غواتيمالا الى السودان فأوروبا وافريقيا وآسيا.

حتى اصبح حزب الله الفريق الأول والأساسي للنفوذ الاميركي في العالم.

فهل يتخلى الاميركيون عن خطتهم بنشر الفوضى في لبنان ويوافقون على حكومة اختصاصيين يعرفون انها غير قابلة للتشكيل من دون موافقة حزب الله وحلفائه؟

يتردد هنا عن براغماتية أميركية تذهب حالياً نحو الدفع باتجاه ترسيم حدود لبنان البحرية لجهة فلسطين، لتأمين تسوية على آبار الغاز في تلك المنطقة، تتولى بموجبها شركات اميركية شؤون التنقيب والتسويق.

لذلك لم يعد من مصلحتهم تعميق الفوضى، بقدر ما اصبحوا بحاجة لحكومة اختصاصيين توافق على التسهيلات التي ينشدونها في بحر الجنوب الحدودي.

الظريف هنا أن هذه المطالب نفسها اشترط الاميركيون على السودان مصرين عليها تولية شركات اميركية لإدارة كل انواع الانتاج الزراعي والتجاري وعلاقاته الاقتصادية بـ«إسرائيل» والخارج.

فإذا كان السودان استسلم نهائياً للضغط الأميركي، فإن لبنان لم يصل الى هذه الدرجة.

والأميركيون يعرفون ذلك لكنهم يحاولون وضع لبنان بين ثلاثة خيارات الفوضى العميقة التي تؤدي الى انهيار مريع، او حكومة على شاكلة ما يعمل عليه الحريري، او التوجه نحو حرب واسعة مع «اسرائيل» بانت ملامحها في المناورات التي أجراها الكيان المحتل على كامل فلسطين المحتلة مطلقاً عليها لقب مناورات الحرب على حزب الله، وشملت أسلحة الجو والارض والبحر في إطار تكاملي تهديدي الطابع ترافقت مع اختراقات كبيرة لأجواء لبنان من اسراب من طائرات حربية اسرائيلية تعمّدت التحليق السريع على علو منخفض.

المطلوب اذاً على المستوى الأميركي حكومة للتوقيع على ترسيم الحدود وربط «لبنان الغاز» المتشكل من مصر و»إسرائيل» وقبرص واليونان وفلسطين، وفرنسا برعاية اميركية كاملة، تجعل هذا النادي آلية من أطر الاستخدام الجيوبوليتيكي الاميركي في وجه البلدان القوية بإنتاج الغاز وهي روسيا وإيران.

فهل تتمكن حكومة الحريري المرتقبة التعامل مع هذه المستويات من الصراعات الإقليمية والدولية؟

فإذا كانت تريد الإدارة الداخلية للبلاد فقط، فهذا غير ممكن وسط استهداف أميركي واضح للغاز اللبناني ويريد ايضاً عرقلة ادوار حزب الله في لبنان والإقليم وتجريده من سلاحه.

وهذه ضغوط يستفيد منها الكيان الإسرائيلي المحتل وليس حكومة الحريري! فهل تتشكل حكومة الحريري؟

الواضح أن لديها دعماً فرنسياً اميركياً ارغم السعودي على الصمت، وتمتلك تأييداً من فريق رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله، إنما على الإدارة الداخلية فقط وليس على موضوع الغاز.

بما يعني أنها قابلة للانفجار السريع اذا نجح الحريري في تشكيلها وذلك في مرحلة التعمق في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، عندما يتبين للأميركيين والحريري مدى تمسك لبنان بحدوده وإصراره على الحفاظ على ثرواته من الغاز لوضعها في خدمة إعادة بناء لبنان وإنقاذه من الانهيار الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى