الوطن

قراءة أخيرة في استحقاق الانتخابات الأميركية وترامب يستثمر في القضايا العربية السائبة

} عمر عبد القادر غندور*

من غير المستبعد أن يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطوات مفاجئة من خارج كلّ ما هو متوقع في الأيام القليلة المقبلة، وربما الساعات الآتية على بُعد أيام من الاستحقاق الانتخابي الأميركي في الثالث من الشهر المقبل، وهو شنّ بالأمس هجوماً على اثيوبيا هو أشبه بإعلان حرب عندما قال انّ مصر ستدمّر سدّ النهضة، لأنّ هذا السدّ سيجعل الحياة لا تطاق في مصر!

لا أحد كان يتوقع من ترامب ان يفتح هذا الملف، وما جدوى طرحه وتداعياته على مستوى الناخب الأميركي؟

مثل هذه المفاجآت التي تعبّر عن شخصية ترامب، قد تتوالى في الساعات المقبلة مع اقتراب الموعد الانتخابي، كتسيير زوارق مراقبة في بحر الصين، وما يمثله ذلك من رفع منسوب التوتر في أقصى القارة الآسيوية!

والواضح من خلال التصريحات المسعورة للرئيس ترامب انّ المعركة الانتخابية ستكون لها تداعيات خطيرة في ضوء ما يروّجه من رفضه للتصويت عبر البريد وما يتبعه من تزوير وأنه سيطعن في النتائج سلفاً، ولن يُسلّم بنتيجتها إذا جاءت لغير مصلحته. والمفارقة انّ ترامب أدلى بصوته يوم الجمعة الماضي في فلوريدا عبر البريد!

والرئيس في الولايات المتحدة لا يُنتخب من الناخبين مباشرة بل عبر مندوبي المجمع الانتخابي الذي يضمّ 538 صوتاً ويحتاج الفائز الى 270 صوتاً من أصل 538، ورغم انّ المرشحة هيلاري كلينتون تفوّقت على ترامب في عدد الناخبين عام 2016 ولكن ترامب فاز عليها بأكثرية أصوات المجمع الانتخابي فنال 304 أصوات مقابل 227 صوتا لهيلاري كلينتون.

ويقول الباحث الفلسطيني طلال ابو غزالة رئيس مجموعة طلال ابو غزالة الدولية لتقديم الخدمات المهنية والاستشارية: انّ الولايات المتحدة امام خيارين لا ثالث لهما:

الخيار الاول ان تنتخب أميركا دونالد ترامب!!

والخيار الثاني ان تنتخب أميركا دونالد ترامب!!

ويقطع أبو غزالة بأنّ الاميركان ينتخبون ترامب لأنه رجل أعمال ناجح وهو من يستطيع إنقاذ اميركا من ضائقتها الاقتصادية بعد وباء كورونا، وعدم انتخابه سيؤدي الى اندلاع أعمال عنف ذخيرتها 660 مليون قطعة سلاح في أيدي الأميركيين بمعدل قطعتي سلاح في يد كل مواطن في بلد يبلغ عدد سكانه 330 مليون مواطن!

وختم أبو غزالة بالقول: أنا لا أتنبّأ بل أحلل المعطيات فتوصلت الى ما قلته رغم أنني أخالف ترامب في سياساته الخارجية وموقفه من القضية الفلسطينية.

وبالتزامن مع هذه المعطيات يخشى مسؤولون أميركيون من تحركات في ضوء نتيجة الانتخابات في كاليفورنيا ونيويورك ومينا بوليس ولوس انجلس ومناطق الساحل في تكساس وفي أكثر من 75 مدينة، وثمة من يتحدث عن ترابط بين الانقسام والعنصرية والتفاوت الاجتماعي العميق وخاصة بعد مقتل جورج فلويد وهو من ذوي البشرة السمراء، وما تلا ذلك من صدامات عنصرية، ما يرجح انّ اليوم الانتخابي لن يبقى في داخل صناديق الاقتراع بل سينتقل الى الشوارع والمدن وتحديداً إلى نيويورك التي تحتضن مليوني من الاميركيين السود يشكلون 28% من عدد السكان وكذلك هيوستن وغيرها، وربما يراهن ترامب على «لغم» التفاوت الاجتماعي والعنصرية المتأجّجة، ولم تبق له مساحة لأي مغامرة خارج الولايات المتحدة وعلى بعد أقلّ من عشرة أيام على إقفال صناديق الاقتراع.

مثل هذا الغموض فيما ستؤول إليه الانتخابات الأميركية طالعنا مقال في الغارديان البريطانية: هل نجرؤ على الحلم بفوز بايدن؟ وبالنظر الى كلّ ما هو على المحك لم يحصل بعد، وتقول إحدى الدراسات التي أجرتها الجمعية الأميركية لعلم النفس وجدت أنّ أكثر من ثلثي البالغين الأميركيين يصفون الانتخابات الحالية بأنها مصدر للتوتر في حياتهم.

وبالعودة الى مطلع مقالنا عن غموض نية الرئيس الأميركي من فتح ملف سدّ النهضة والمبرّرات لهذا الموقف، يرى الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان انّ الرئيس الأميركي لا ينطق عن هوى بل يُحرّض الجيش المصري على تفجير السدّ وتوريط مصر في حرب مع اثيوبيا، ما يؤدّي الى تدمير جيشها الوحيد الباقي عربياً بعد الجيشين العراقي والليبي واستنزاف الجيش السوري منذ عشر سنوات، وانّ بناء السدّ كان فكرة «إسرائيلية»، ولذلك لم تكن القاهرة مرتاحة لخطوة التطبيع السودانية، وانٍ أظهرت غير ذلك.

انها الساعات الأخيرة من ولاية الرئيس ترامب الذي ما زال يتلاعب بالقضايا العربية وفي مقدّمها قضية فلسطين التي أبلى فيها البلاء السيّئ من نقل سفارة بلاده إلى القدس الشريف إلى ضمّ الجولان السوري إلى التطبيع المذلّ بين «إسرائيل» وكلّ من الإمارات والبحرين، والتبشير بانضمام السعودية إلى طوابير المطبّعين ظناً منه باصطياد نقاط ثمينة في معركته الانتخابية ولا ندري الجدوى في حسابات الناخب الأميركي، ولكنه أيّ ترامب لا يجد ضرراً في اللعب بقضايا وأوراق العرب السائبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى