الوطن

التحقيق الجنائي بالجرائم المالية مطالبات كثيرة… مع وقف التنفيذ

} عمر عبد القادر غندور*

لا نعتقد انّ أحداً من المسؤولين معني بالانهيار الكبير الذي شهده ويشهده لبنان منذ ثلاثين عاماً، ولا يأبه بجوع اللبنانيين وفقدانهم لأبسط مقوّمات العيش الكريم في ضوء تعاظم التضخم وزيادة البطالة التي طالت 25% من حجم القوى العاملة، وبلغة الأرقام بلغ عدد العاطلين عن العمل 350 ألفاً، ويُتوقع ان يرتفع العدد الى المليون بنهاية السنة الحالية، فضلاً عن تسريح نحو 80 ألفاً بسبب جائحة كورونا!

ومع ذلك تسعى حكومتنا للحصول على دعم خارجي يبلغ 20 مليار دولار من «سيدر» أو صندوق النقد الدولي أو غيرهما من الدول المانحة! التي تشترط وتطالب الدولة اللبنانية بإصلاحات بنيوية وتقليص النفقات وإغلاق مزاريب الهدر!

في حين انّ دولتنا تهمل البحث عن عشرات مليارات الدولارات المهرّبة والمنهوبة من المال العام عبر المؤسسات والدوائر الرسمية والسمسرات والسرقات، وملاحقة الحرامية والفاسدين بقوة العدالة والقانون! لا سيما أنّ لبنان وقع في العام 2008 معاهدة ملاحقة الفساد الى جانب 136 دولة بينها 20 دولة عربية.

وفي خطوة تبدو جدية لكشف مصادر الهدر والسمسرات والنهب أطلق ما سُمّي التدقيق المالي الجنائي، بدءاً من المصرف المركزي ولاحقاً في كل الإدارات والوزارات والمؤسسات العامة، وكلفت الحكومة اللبنانية شركة «ألفاريز أند مارسال» للقيام بالمهمة.

وعندما باشرت الشركة مهامها، اصطدمت بعراقيل مرئية وغير مرئية وكلها عقبات تحول دون انطلاق أعمال التحقيق الجنائي. وتشكو الشركة من امتناع مصرف لبنان عن تسليم كلّ الوثائق التي طلبتها من المصرف، بينما يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنه سلّم الوثاق التي يمكنه تسليمها. أما تلك المتعلقة بمالية الدولة فلا يستطيع تسليمها لتعارضها مع السرية المصرفية!

مثل هذه السرية «المقدسة» المزعومة، هل تشكل إدانة لبعض الحسابات فيجري الاختباء وراءها؟

وزيرة العدل ماري كلود نجم رفضت هذا المنطق وهذه العرقلة لمسار التحقيق موضحة انّ التدقيق مع مصرف لبنان يؤدّي الى أماكن عدة ولا مانع لدينا من الذهاب الى ايّ إدارة او مؤسسة مسؤولة عن هدر المال العام.

اما «الأماكن العدة» فهي بيت القصيد ودونها التلطي بالسرية المصرفية ومحرمات وأسماء لا يجوز كشفها، وتحول دون التدقيق المالي التشريحي والاستقصائي الذي يتناول التجاوزات والخروقات للقوانين التي تنظم عمل المؤسسات ومخالفات الاستثمارات والمقاولات وتؤدّي الى كشف أفرقاء نهبوا المال العام ونقلوه الى خارج لبنان.

وربما أدركت الشركة التي تدقق، قوة حصانة المعنيين فقالت إنها ستعتذر عن متابعة مهمّتها إذا لم يسلّم الأفرقاء الوثائق التي بحوزتهم وانتهت بالأمس المهلة المعطاة لتلقي أجوبة المصرف المركزي عن أسئلة الشركة.

ويبدو انّ هذا التباين بدأ بشق طريقه الى الرأي العام وقال وزير العدل السابق ابراهيم نجار: الكلّ يريد معرفة مصير الأموال العامة التي هي ملك الشعب والتي لا يجوز إطلاقاً إخفاؤها والتستر عليها. قلنا ونقول انّ لبنان بحاجة الى دولة قانون ولا يجوز تغطية أحد من الفاسدين. وأصدر التحالف الوطني بيانا قال فيه انّ المصرف المركزي ملزم بتنفيذ قرار مجلس الوزراء في إجراء التدقيق المالي الجنائي ولا بدّ من كشف الفاسدين وسارقي الأموال ومهرّبيها الى الخارج.

ولأنّ عدم التوصل الى المهل التي حدّدتها الشركة المدققة من شأنه أن يعقد الأمور أكثر وأكثر، وإفساحاً للحكومة الموعودة لتولي الإصلاحات المنشودة ولإعادة التوازن بين الواردات والنفقات تقرّر تمديد مهلة تسليم الوثائق ثلاثة أشهر انتظاراً لإنجاز التعديلات المطلوبة التي تسبق التسليم.

ولا ندري لماذا ربط المهل مع تشكيل الحكومة الموعودة التي لا يعرف ميلادها إلا الله، وهل ذلك لزوم التمييع ليس إلّا!

في لبنان الجميع يحاضر في العفة والنزاهة والصدق والوطنيةولكن مع وقف التنفيذ.

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى