نقاط على الحروف

كلام الأسد عن الودائع جدّيّ… والردود تغميس خارج الصحن!

 ناصر قنديل

لم ينجح الذين شعروا بوخز الإبرة تحت إباطهم، من كلام الرئيس السوري بشار الأسد عن تفسير العامل المستجدّ للتأزم المالي في سورية وربطه بضياع ودائع السوريين في المصارف المالية، وهي ودائع تقدر بما بين عشرين وأربعين مليار دولار، بتقديم إجابة مقنعة وتحمل الحدّ الأدنى من المسؤولية الوطنية في تعاملهم مع أمرين أثارهما كلام الرئيس الأسد، الأول صحة أو عدم صحة ما قاله الرئيس الأسد، وهم يعلمون أن هذا هو جوهر الموضوع وليست مواقفهم العدائيّة من سورية والرئيس الأسد، والثاني هو حق الدولة السورية بالتحرّك لحماية حقوق السوريين أصحاب الودائع الضائعة، وكيفية تعامل السياسيين اللبنانيين الذين يشكلون عناوين صناعة مناخ موقف لبناني حكوميّ لا يجيب عليه التهرّب ولا التنمّر ولا الإنكار، ولا تفيد فيه حالة القطيعة الحكوميّة مع سورية، لأن ذلك له نتيجة واحدة وهي فتح نزاع سيجد طرقاً غير ودّية للحل، يعرف القاصي والداني أن لبنان بغنى عنها، وهو الرازح تحت أعباء أزمته ومشاكله المالية مع أصحاب سندات لدائنين دوليين، الذين يلوّح بعضهم بالتقاضي طلباً للحجز على أموال لبنانيّة وربما الذهب اللبناني كضمان لسداد ديون.

في دول تحترم نفسها، وبمعزل عن تفاهات الساسة اللبنانيين وسخافة تفكيرهم بالقضايا الوطنية الكبرى، يشكل حديث رئيس دولة، أي دولة، عن شأن إشكالي بحجم ضياع ودائع لمواطنيه في النظام المصرفي لبلد آخر، سبباً كافياً لاستنفار وطني تقني وسياسي وقانوني، بهدف الوصول لبلورة موقف جامع مصرفيّ وحكوميّ يجيب على السؤال الأصلي، حول صحة ودقة الأرقام موضوع القضية ونفي أو إثبات وجودها، ويضع الأسس لتعامل سياسي ودّي لفتح باب البحث بالمعالجة بما يفتح الطريق لتفادي الخيارات السلبية، لما لها من تأثيرات سلبية على أي نظام مصرفي وأي وضع مالي لبلد مأزوم كما هو حال لبنان، لكن في بلد كلبنان لا يهمّ السياسيين الذين هرّبوا أموالهم إلى الخارج ويعتمدون في أساس مواقفهم تخديم حسابات صغيرة حاقدة، وحسابات خارجية متملقة، كيف يتصرفون كرجال دولة يحملون مسؤولية مساعدة بلدهم ودولتهم ونظامهم المالي والمصرفي على تجاوز المزيد من المحن والأزمات.

نعم في لبنان ودائع بمليارات الدولارات تعود لمواطنين سوريين وقد تبخّرت، وأصابها ما أصاب ودائع اللبنانيين. وهذه الودائع التي تخص سوريين أفراداً منهم مَن هرّب أمواله من سورية ومنهم مَن يستخدم لبنان منصة للأعمال وهو مقيم في سورية ويواصل أعماله التجارية والصناعية، ومنهم معارض للدولة السورية وربما تكون أموالهم من عائدات الفساد أو التبييض أو التمويل الخارجي، وفي الحصيلة فإن انسداد السبيل الفردي لهؤلاء لملاحقة ودائعهم ومصيرها سيفتح الطريق لتقديم العشرات منهم لشكاوى أمام حكومة بلدهم وتوكيلها ملاحقة حقوقهم الضائعة، ولو اختار البعض الآخر الصمت، فسيبقى عشرات ومئات من السوريين يمثلون كتلة من مليارات الدولارات من الودائع سيكون خيارهم الوحيد تولي حكومتهم ملاحقة حقوقهم، وكل تعامل مع هذه القضية بالاستهتار والاستنكار هو تجاهل لمشكلة ستكبر وتكبر وتوصل لبنان لمواجهة شديدة الأذى على وضعه المأزوم عشية التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ومحاولات إحياء مؤتمر سيدر، والحصول على نظام مساعدات مالي.

أمام لبنان طريقان لا ثالث لهما في التعامل مع هذا الأمر، الأول هو خروج مصرف لبنان وجمعية المصارف ببيان رسميّ يكشف حقيقة وجود كميّة ضخمة من أموال السوريين في سجلات ودائع المصارف اللبنانية، والاستعداد للبحث معهم كأفراد، أو كمجموع تمثله الحكومة السورية لمن يرغب منهم باعتماد هذا الخيار، للبحث في كيفية التعامل مع مصير هذه الودائع في ظل الأزمة التي أصابت المصارف اللبنانية والنظام المالي اللبناني، والسعي مع الحكومة اللبنانيّة لتتولى المساعدة بعلاقة مباشرة مع الحكومة السورية لبحث عن حلول وديّة وأخويّة لهذا المأزق، والثاني هو إغلاق طرق الحل الودّي، وإدارة الظهر للشكوى السورية التي بدأت سياسياً، وقد تضطر للتحول الى شكاوى قضائية في لبنان وسورية، وخارجهما، وستنتج عنها أزمة تنتج إقفال فروع المصارف اللبنانية في سورية ومصادرة أموالها وموجوداتها، كضمان للودائع المفقودة، وربما ينتج عنها في الخارج تجميد أموال للمصرف المركزي والمصارف اللبنانية، وربما تضع مصير الذهب اللبناني قيد النقاش، أمام محاكم عالميّة ماليّة.

بعض التطاول اللبنانيّ في الردود على الرئيس السوري عدا كونه تغميساً خارج الصحن، هو دفع للأزمة المالية الخاصة بودائع السوريين كفرع من الأزمة العامة للنظام المصرفي، الى التحوّل الى مصدر لتعريض لبنان لمأزق ماليّ وقانونيّ أشد خطورة بسبب العنجهيّة والتذاكي، اللذين لم يعد لدى لبنان ترف تحمّل تبعاتهما، وما يحتاجه لبنان هو عقلانيّة وواقعيّة وحرص وروح مسوؤليّة وطنيّة تستدرك الأسوأ قبل وقوعه، عسى أن يكون لرئيس الجمهورية موقف يصوّب المسار، وتكون الحكومة الجديدة المنتظرة بحجم مسؤولية التعامل مع هذا الملف، تحت سقف علاقات أخوية يحتاجها لبنان مع سورية في ملفات كثيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى