أولى

لبنان وفرصة مؤتمر النازحين في دمشق

خلال سنوات مضت تصدّرت قضية النازحين السوريين في لبنان الخطاب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني ووصفت باعتبارها واحدة من أبرز القضايا الضاغطة على لبنان سواء كمصدر للارتباك السياسي والتأزم الاقتصادي وسبب لظواهر اجتماعية ضاغطة ومخاوف أمنية متعددة، لكن السلطات اللبنانية التي أكثرت الكلام عن الأزمة لم تتقدّم خطوة واحدة نحو صياغة مخرج لهذه الأزمة.

في ظل التعقيدات والانقسامات الدولية والإقليمية حول الوضع في سورية يشكل طلب الإجماع الخارجي على أي صيغة للحل كشرط لسلوكه قبولاً ضمنياً بالبقاء في الأزمة وفي ظل الأوضاع المالية التي تعيشها الدولة اللبنانية يشكل ربط أي مشاركة للبنان بصيغة للحل، بقبول مَن تسميهم الدولة بالمانحين والمموّلين المنتظرين لأزمتها سبباً لقبول الاستنزاف الفعلي المفتوح والمستمر تحت شعار وعود بتمويل لاحق قد لا يأتي ويبقى مصدر ابتزاز لتحويل لبنان الى قوة ضغط لتعطيل العودة.

العناصر التي يجب أن ينطلق منها أي موقف لبناني هي أولاً الاستقرار الأمني الذي يعمّ معظم المناطق السوريّة ويسهّل مهمة العودة، وثانياً التأثيرات التي تركتها الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان على مستويات الدخل والمعيشة بصورة جعلت العودة خياراً تتسع دائرته عند النازحين، وثالثاً حسم الدولة السورية لكل جدل حول درجة استعدادها لقيادة عملية منظمة لاستعادة النازحين من خلال رعايتها مؤتمراً ينعقد في دمشق وتشارك فيه روسيا والأمم المتحدة وهما الجهتان اللتان يتابع معهما لبنان ملف النازحين في ظل معرفة مسبقة بموقف غربي وعربي تطغى عليه السلبية؛ وربما يكون لمشاركة دولتي الإمارات وعُمان في المؤتمر ما يكفي لبنان للتجرؤ على عدم تحويل مشاركته الى مجرد عمل إعلامي.

المؤتمر الذي يرعاه الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً ويمنحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهتماماً شخصياً عالياً هو فرصة للبنان ليتقدّم كنموذج جاهز لتطبيق خطة للعودة، حيث بين الدول التي تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين وهي لبنان والأردن وتركيا يمكن للبنان أن يستفيد من كونه الأقرب لترجمة خطة عملية للعودة تكون نموذجاً قابلا للتوسع. وإذا نجح الوفد اللبناني باعتماد المؤتمر لعودة النازحين من لبنان كنموذج تطبيقيّ لما سيقرّره المؤتمر من آليات وخطوات لتطبيق خطط العودة سيكون في ذلك قد حقق نجاحاً لبنانياً وأرسى ركيزة لاستعادة التعاون بين الدولتين اللبنانية والسورية في قضية بهذا الحجم من الأهمية للبلدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى