نقاط على الحروف

نصرالله واستشراف 
مرحلة جديدة نوعيّة

 ناصر قنديل

المناخ الذي أحاط بكلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كان واحداً في كل مقاطع الحديث رغم تنوّع مواضيعه إلى درجة التباعد بين حديث عن المناورات التي أجراها جيش الاحتلال، إلى مفاوضات ترسيم الحدود، وصولاً إلى الانتخابات الأميركية، وانتهاء بالعقوبات التي طالت النائب جبران باسيل، والمناخ هو الثقة بأن مرحلة نوعيّة جديدة تشارف على البدء، وأن الأسوأ قد صار وراءنا، وأن مشاريع الاستهداف التي شهدتها المنطقة بصيغة حروب وفوضى وضغوط، وعقوبات وحصار واغتيالات، قد بلغت مداها وفشلت في تحقيق أهدافها، بفضل الصمود والثبات والتضحيات، وهذا كان واضحاً في كلام السيد نصرالله عما شهدته ساحات المواجهة من لبنان الى سورية والعراق وإيران واليمن وفلسطين وانتهاء بلبنان، صحيح أن المقاومة لم تحقّق نصراً نوعياً في هذه السنوات الأخيرة، لكن صمودها هو بوابة لنصرها الآتي، لأن الضغوط القصوى قد عبرت ولم يعد هناك شيء اسمه الأسوأ، وكل ما هو آتٍ سيكون في رصيدها.

الانتخابات الأميركية والمناورات الإسرائيلية سياقان منفصلان في الظاهر، لكنهما في الجوهر تعبيران يتمم أحدهما الآخر عن حقيقة واحدة، هي حقيقة الفشل التاريخي للمشروعين الأميركي والإسرائيلي، فقد فشل كيان الاحتلال بتحقيق الهدف المرسوم لاجتياح لبنان وهو إلحاق لبنان بالزمن الإسرائيلي، بفضل المقاومة منذ عملية تفجير مركز الحاكم العسكري في صور، في 11-11-1982، تحوّل هذا الفشل المتراكم بفضل حضور المقاومة وتنامي قوتها الى إقرار بدخول الكيان في زمن المقاومة، وهو ما تقوله المناورات العسكرية التي منحها السيد حيزاً مهماً من كلامه، وموضوعها هو الاستعداد لمواجهة خطر هجوم للمقاومة في شمال فلسطين، وبالمثل فشل المشروع الأميركي الذي تأسس على ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في فرض الهيمنة على العالم، وبفضل تراكم مصادر المواجهة والممانعة لهذه الهيمنة، ولدت بيئة دولية مختلفة لم يعد ممكناً لهذا المشروع أن يتقدّم فيها، لكن الأصل في إصابة المشروع الأميركي في الصميم كان صمود محور المقاومة، خصوصاً مثلث إيران وسورية وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن. وهذا الفشل الذي كانت ظاهرة التوحش التي مثلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب آخر المنتجات الأميركية لتجاوزه، تعمق معها وانتهى بفشل الترامبية ومعها فشل أميركا كنموذج وربما كدولة وكيان، وصار النجاح بالخروج من أزمة الدولة والكيان مشروطاً بالتسليم بفشل المشروع، وبدلاً من إدخال محور المقاومة في الزمن الأميركي انتقل الأميركي الى عقدة زمن محور المقاومة الذي كان الأساس في الفشل الخارجي وتالياً التأسيس للفشل الداخلي.

في هذا المناخ يصبح طبيعياً أن لا يعير السيد نصرالله اهتماماً للتحليلات التي تتحدث عن صلة مفاوضات ترسيم الحدود بالتطبيع، فالذي يفشل ويحتضر هو المشروع الإسرائيلي والذي يتقدم وينتصر هو المقاومة، والتي لولاها ما اضطر الإحتلال لسلوك التفاوض طريقاً لمصلحة استثمار ثروات لا أفق لبلوغها من دون نيل لبنان حقوقه، حيث تملك المقاومة قدرة المنع والردع، وتصير العقوبات الأميركيّة على النائب باسيل فرصة لتظهير مرحلة جديدة وطنياً ركيزتها تطوير التحالف مع التيار الوطني الحر الذي تحرّر من الابتزاز وصار أكثر استقلالية وقدرة على المضي قدماً، وصار التحالف متحرراً من حسابات تفادي العقوبات، خصوصاً بعدما ظهرت معادلات الاستعمال الوظيفي لتهم الفساد، والأهم أن مساراً لبنانياً للانقلاب الداخلي على المقاومة قد انتهى مع العقوبات بعدما اختبرت كل المسارات الأخرى للفتنة، وبصورة أخص منذ تشرين العام الماضي، ومع الفشل الدولي الأميركي والفشل الإسرائيلي الإقليمي، فشل داخلي توّجته العقوبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى