أولى

سقوط ترامب… واحتمالات الفترة الانتقاليّة

 د. جمال زهران*

 

 

لم يعد هناك أيّ شك في نجاح بايدن، بأغلبية كاسحة، وصلت إلى (306) مقاعد من بين (538)، إجمالي المجمع الانتخابي. وما يحدث من ترامب ما هو إلا محاولات الأيام الأخيرة ولحظات طلوع الروح من الجسد، وكما نقول في مصر «حلاوة روح»! وفي هذا المقال نوضح ماهية الفترة الانتقاليّة وما يجب أن يتمّ فيها ودواعي هذه الفترة، واحتمالات ما يمكن أن يفعله ترامب الذي يريد أن يستمرّ في المعركة ولا يرغبحتى الآنفي التسليم بإعلان هزيمته، لطيّ صفحة الانتخابات والانتقال للخطوة التالية؟

فالفترة الانتقاليّة بين موعد الانتخابات الرئاسيّة وظهور نتيجتها، وهي في هذا العام، قد أجريت يوم الثلاثاء 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وتمّ الإعلان عن فوز بايدن مساء السبت 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، ولم تعلن رسمياً حتى الآن (موعد كتابة المقال). أما اليوم المحدّد لتولي المنصب الرئاسي رسمياً فهو يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2021. ويتضح أنّ الفترة بين نجاح المرشح وبين توليه منصبه رسمياً، نحو 75 يوماً، تمثل الفترة الانتقاليّة بين رئيس انقضت مدته الثانية أو كان مرشحاً وسقط في الانتخابات، وبين رئيس جديد. فما الذي يجري في هذه الفترة الانتقاليّة المحددة بنحو 75 يوماً؟

ففي شرح هذا الأمر؟ أمامنا طريقان في التعامل مع هذه الفترة الانتقالية، وهما: الأولى: أن تكون النتيجة طبيعيّة، وتمّ الإعلان عن الفائز، وتمّ إعلان المنافس عن هزيمته وقبول النتيجة، لتصبح الأمور مستقرة وهادئة. حيث يقوم المرشح الفائز، بالاستعداد بعد الاحتفالية بالفوز، باختيار مساعديه وخاصة الحكومة وعددها يتراوح بين (14-18) وزيراً، وفريق الأمن القومي، بل إنه يقوم باختيار نحو (4000) موظف بالبيت الأبيض، منهم (120) مسؤولاً يستدعي عرضهم على الكونغرس للموافقة قبل البدء بالعمل ومن بينهم الحكومة والأمن القومي والسفراء، خصوصاً في الدول المميّزة لدى الدولة الأميركية. وفي بعض الأحيان يختار الرئيس الجديد، بعض الشخصيات المنتمية للحزب المنافس الذي سقط رئيسه في الانتخابات. ويتمّ كلّ ذلك في هدوء واستقرار، من دون التنمّر من الطرف الآخر، وعادة ما يتمّ كلّ ذلك بسلاسة ومن دون عوائق، حتى التسليم النهائي للبيت الأبيض للساكن الجديد. تلك هي الإجراءات المستقرة والتي تتمّ في الظروف العادية، كما أشرت.

الثانية: حالة التوتر وعدم الاعتراف بالنتيجة من الخصم المنافس الذي سقط في الانتخابات: حيث تصبح الأوضاع مهدّدة بالانفجار وشيوع حالة عدم استقرار، وفتح الباب أمام احتمالات وسيناريوات عديدة. ونحن في هذه الأيام، نعيش هذه الحالة الثانية، حيث يُصرّ الرئيس ترامب على عدم التسليم بهزيمته، بل ويدين الفائز الذي حصل على (306) بأنه تسرّع بإعلان فوزه، ويتهمه بأنه كان عليه أن ينتظر أحكام القضاء! ويُصرّ على المضيّ قدُماً. في طريق التقاضي حتى النهاية، مصحوباً بتصريحات تضمّنت التشكيك في نزاهة الانتخابات، واتهامات بالتزوير، تكاد تفقد الشعب الأميركي والعالم، مصداقيتهم في الانتخابات الأميركية، خاصة أنها النموذج والنظام المرجعي للنظم الديمقراطية في العالم.

ففي الحالة الأولى المستقرة، فإنّ الفترة الانتقالية، يكون التركيز فيها على الرئيس الجديد وفريق عمله وأسس الاختيار وسياساته المتوقعة، ويتوارى في الظلّ الرئيس الذي يشغل المنصب بصفة مؤقتة وانتقالية، ولا يقوم باتخاذ أية إجراءات أو قرارات من شأنها إعاقة الرئيس الجديد عن عمله فقد أصبح الرئيس السابق، ويتوارى الإعلام عنه، وأقصى ما يمكن أن يفعله هذا الرئيس هو احتمالات العفو عن المساجين المقرّبين للحزب الذي كان يحكم، ونموذج ذلك كلينتون الذي أفرج عن صديقه آنذاك، وتعرّض لنقد شديد، وصل الأمر إلى تقديمه للمحاكمة بعد أن ترك المنصب، بل كان متهماً بتمويل خارجي من الصين لانتخاباته، رغم أنه قد انتهت مدته الثانية، ولم يكن منافساً، تلك هي الوقائع التي تستوجب الإشارة إليها.

إلا أنّ الملاحظ على سلوك ترامب، فهو لم يكتف بالتشكيك في الانتخابات حتى الاتهام بالتزوير، ولم يكتف بعدم الاعتراف بهزيمته، بل يهدّد بعدم الخروج من البيت الأبيض حتى حكم القضاء النهائي إذا حكم ضدّه، مهما حدث ويحدث! بل وصل به الأمر إلى اتخاذ قرارات لها تداعيات يفسّرها البعض بأنها تشير إلى احتمالات خطيرة، قد تورّط أميركا في حرب أو أزمات يصعب الخروج منها. أيّ أنه يحاول أن يورّط الرئيس الجديد، وهي سلوكيات لم يتمّ التعوّد عليها، خلال الفترات الانتقاليّة حتى لو صاحبت قلقاً وتوتراً في مسألة إعلان النتيجة، وهي أربع سوابق آخرها عام 2000، كما أشرت في المقال السابق، وتلك هي الحالة الخامسة لترامب!

ومن هذه القرارات التي اتخذها ترامب عزل وزير الدفاع، وتعيين وزير دفاع جديد، هو كريستوفر ميلكر، وتعيين مستشار أول له هو دوغلاس ماكريفور. وقد فسّر بعض المراقبين تلك الخطوة غير المسبوقة من قبل، أنها إشارة إلى احتمالات توجيه ضربة عسكرية في إيران بضرب المفاعل النووي، أو توجيه ضربة في تركيا، أو في العراق أو في سورية! على حين رآها البعض أنّ هذه الخطوة قد تعود إلى انسحاب القوات الأميركية تماماً من العراق ومن سورية! أيّ أنّ كلّ الاحتمالات قائمة. وقد كانت زيارة بومبيو لعدد من دول المنطقة العربية و»إسرائيل»، تشير إلى محاولة طمأنة حكام هذه الدول بأنّ ترامب مستمرّ، وأنّ الانتخابات واجهت مشاكل وتزويراً، في تصريحات لا يمكن أن تعلن في ظلّ الظروف الانتقالية العادية! الأمر الذي يشي باحتمالات سلبية مقبلة.

وقد يصل الخيال بالبعض إلى توقع حرب أهلية في أميركا، بعد إصرار ترامب على عدم الاعتراف بالهزيمة، وأنّ هذه الانتخابات عمّقت الاستقطاب السياسي الذي يمكن أن يسهم في تفكيك أميركا! وكلها احتمالات تقع في بند «الحب والكره»، وليست مبنية على حقائق موضوعيّة. إلا أن الطرح بأنّ ما يقوم به ترامب قد يصل إلى عقد صفقة شخصية لصالحه، لعدم محاسبته مستقبلاً، أيّ حصوله على عفو شامل عن أفعال ارتكبها بطريق الخطأ وتصل إلى جرائم فعلية، وهو أمر محتمل.

وأخيراً: قد تعيش أميركا ظروفاً صعبة، وتمرّ بأيام حالكة، إلا أنني أعتقد أنه سيتمّ تجاوز هذه الهزيمة وتسليم ترامب بهزيمته، وانتقال سلمي للسلطة لبايدين، لنرى بعد ذلك: ماذا بعد، هزيمة ترامب، وتولي بايدن السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني 2021؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى