مرويات قومية

الرفيقان المميّزان سمير يوسف أبو ناصيف وسعاده سمير أبو ناصيف

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

 

عرفته منذ اوائل ستينات القرن الماضي. فلقد كان من بين الرفقاء الذين نشطوا حزبياً في السنوات الصعبة، وتعرّض للإعتقال أكثر من مرة.

التقيت به كثيراً من ضمن نشاطنا الحزبي، في تلك السنوات وكنا معاً ومع رفقاء آخرين في جلسات المحكمة العسكرية.          

أذكر معه الرفيق سمير ابو نادر(1)، الذي كان ـــــ مثله ــــــ يقطن فرن الشباك وينشط حزبياً.

وأذكر ايضاً الرفيق الرائع فارس زويهد(2) وعديداً من الرفقاء الذين كانوا يتجمعون في مقهى السيتي سيركوس City Circus. في شارع بشارة الخوري. حبذا لو يدوّن أحدهم الكثير من رياحين تلك المرحلة كي لا تضيع.

ودائماً كنت على تواصل مع الرفيق سمير، ومتابعاً حضوره الحزبي، ونشاطه الإعلامي، خاصة عندما راح يقدم حلقات تلفزيونية للأطفال تعاونه الرفيقة سمر الزين(3) ويهتم كثيراً بعرض شهادات الرفقاء الاستشهاديين.

واقترن الرفيق سمير من الأمينة اليسار سعاده، فازدادت علاقتي به رسوخاً ومحبة.

هذه الكلمة لا تغطي «كل» الرفيق سمير ابو ناصيف، يضاف اليه «كل» ابنه الرفيق سعاده. هما يستحقان ان يصدر ما يؤرخ سيرتهما الغنية بالتفاني والنضال. نكتفي بالإضاءة بانتظار ان نكتب المزيد لاحقاً، او يكتب رفقاء آخرون، نقدم هذا القليل.

*

ولد الرفيق سمير يوسف ابو ناصيف في قب الياس عام 1941

اشقاؤه: حسين (في المهجر)، حسن وعائلته

شقيقته: فاطمة ارملة المرحوم علي نجيب حمود.

انتمى الى الحزب في آواخر الخمسينات وتولى مسؤوليات حزبية محلية، ومركزية في مجالي الاعلام والأشبال، وكان ناجحاً في كليهما.

اقترن من الأمينة اليسار سعاده وأنجب منها الرفيق سعاده وجوليا.     

توفي الرفيق سمير في 4 ايلول 1995 فشيّع وسط حشد شعبي وحزبي وبحضور كثيف من أهالي بلدته «قب الياس». تقدمهم حضرة رئيس الحزب في حينه الأمين مسعد حجل، وتكلم في المأتم عميد الاذاعة آنذاك الأمين حنا الناشف.

*

بتاريخ 06/09/1995 عممت عمدة الاذاعة الى الصحف ووسائل الاعلام البيان التالي:

« شيّع الحزب السوري القومي الاجتماعي وآل ابو ناصيف وأهالي قب الياس الرفيق المناضل سمير ابو ناصيف وسط حشد شعبي ورسمي ضم فعاليات من منطقة البقاع وغيرها وتقدم المشيعين زوجة الفقيد أليسار انطون سعاده ابو ناصيف وولده سعاده وذووه مع رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين مسعد حجل ورئيسة المجلس الأعلى الأمينة هيام نصر الله محسن وأعضاء المجلس الأعلى وأعضاء المحكمة الحزبية ولجنة منح رتبة الأمانة ووزير الحزب العميد اسعد حردان وأعضاء كتلة نواب الحزب كما شارك المنفذون العامون وأعضاء من هيئات المنفذيات والرفقاء بوفود أمّت قب الياس من مختلف المناطق اللبنانية والشامية.

هذا وقد أقام الصلاة على جثمان الفقيد إمام بلدة قب الياس القاضي الشرعي الشيخ عبدالرحمن شرفية، ووري الثرى وسط تحية الوداع قدمها القومييون الاجتماعيون وألقى بعدها عميد الإذاعة والإعلام المحامي حنا الناشف الكلمة التالي نصها:

« أيها المواطنون والرفقاء

نحن اليوم في حضرة الموت، وللموت خشية ورهبة، لقد استلبنا رفيقاً عزيزاً، واستلب رفيقة عمره زوجاً حبيباً، واستلب ولديه اباً رؤوفاً، واستلب ذويه ابناً محباً، واستلب اخوانه أخاً سنداً. بالأمس كان يضج بالحياة، الحياة تضج به. فتسرق الموت اليه، وهو غالباً ما يأتي كالسارق. واستلبه وجوده المادي. أقول ذلك لأن الموت لا يقضي إلا على العارض ولا يتناول الجوهر. هو نقيض الولادة، وليس نقيض الحياة. الوجود المادي للإنسان ينقضي بالموت، ولكن لا ينقضي بالموت وجوده الحياتي. تموت حبة الحنطة حين تدفن في الأرض، ولكنها تحيا عبر السنابل التي اطلقتها في مواجهة الشمس. يموت الانسان حين يسلم الروح لبارئها، ولكنه يحيا عبر البراعم الجديدة التي اطلقها للحياة، وعبر المساحة الحية، الناشطة، الفاعلة التي شغلها في هذا الوجود. « قد تسقط أجسادنا، إلا أن نفوسنا فرضت حقيقتها على هذا الوجود»

أليس هذا ما علمنا إياه سعاده؟

« هكذا نفهم الموت. كل نفس ذواقة الموت. ويدرككم الموت ولو كنتم في أبراج مشيّدة. وأنت يا رفيقي أدركك الموت، ولكنك كنت قد فرضت حقيقة نفسك على هذا الوجود. لقد أقسمت كما أقسمنا على قضية تساوي وجودنا. وها وجودك الزائل قد إنقضى، وكذلك سينقضي وجودنا الزائل. إلا أن قضيتك التي أقسمت وأقسمنا عليها ستبقى لأنها للحياة، لأنها تعمل للحياة.

« مارست كل فضائل الصراع من أجل وحدة أمتك ووطنك، وناضلت بكافة أشكال النضال من أجل وحدة شعبك وحقه بالحياة الحرة الكريمة، ومن أجل حقه بالنهوض والوقوف حراً كريماً أمام وجه الشمس كما تقف الشعوب الحرة. وقاسيت من المرارة والعذاب والتشرد لأجل كل ذلك. ومت ويدك اليمنى لا تزال مرفوعة زاوية قائمة تحيي أمتك وشعبك وزعيمك.

« هذه قضيتك وهذه قضيتنا. لا نريد شيئاً لذواتنا. لقد تخرّجت وتخرجنا من مدرسة علمتنا كيف نتعالى على مصالحنا الفردية الخصوصية لأجل مصلحة أمتنا، وكيف نعض على جراحنا البليغة لنداوي جراح شعبنا النازفة.

هذه هي قضيتنا.

نريد وحدة مجتمعنا، حيث إنتماؤنا هو لأرضنا. كل أرضنا، ولسمائنا كل سمائنا ولشعبنا كل شعبنا.

حيث الدين يوحدنا، ولا يفرقنا، فكلنا مسلمون لله….

حيث الطائفية والمذهبية لا تنخران في نفوس اجيالنا، فتجعل من المواطن عدواً للمواطن الآخر. دون ذنب إقترفه. وتحول الصراع من الخوف على الوطن الى خوف من الوطن.

حيث الولاء هو لوطننا، الذي لا ينازعنا عليه أي ولاء آخر.

« حيث لا إقطاع مالي أو عقاري أو سياسي مستقل. بل كل المواطنين سواسية أمام القانون، وحيث الفرص متاحة أمام الجميع، وحيث الاهلية والكفاءة هي القول الفصل في الحصول على الوظيفة، او الوصول الى الرياسة.

حيث العدالة هي حق في متناول الجميع، وهي للجميع، دونما إلتفاتة الى جاه أو مركز أو سلطة أو نفوذ.

حيث ينصف العامل المنتج غلالاً وصناعة وفكراً وفناً، فيعطى حقه من إنتاجه، ويعطى أجره العادل قبل أن يجف عرقه.

« حيث العدالة الاجتماعية للجميع، فلا يخشى فقير من الجوع لأنه لم يجد عملاً، أو لأن عمله وعرقه يستأثر بنتيجتهما الأغنياء والأقوياء، ولا يخشى المحروم من استفحال حرمانه لأن العدالة الاجتماعية لا ترى إلا بعين واحدة.

وحيث الشيخ لا يخشى الشيخوخة، ولا الأم تخشى الأمومة، والطفل لا يخشى الطفولة. نريد وحدة مجتمعنا، ونريد نهضة مجتمعنا.

نريد علماً متاحاً للجميع، وثقافة تستمد مناهلها من روح أمتنا وتراثها وحضارتها.

ولا نريد ثقافة هجينةً تزوّر تاريخنا وتسرق حضارتنا، وتسوقها مشوهةً مخلّعة.

نريد تاريخاً واحداً موحداً، تاريخاً حقيقياً، يروي بطولات شعبنا ومآثره ومناراته، ويوجه قوى الأجيال الآتية للوحدة والتقدم. ولا نريد، بل نرفض، تاريخاً مشوهاً وضعه صيادلة ضالعون في تركيب عقاقير تفسّخنا، وتدمير وحدتنا، وتشويه قوتنا. واستئصال عنفواننا.

نريد العودة الى جذورنا، لأن الأشجار التي لا جذور لها لا تصمد أمام العواصف.

ونريد حق الصراع لأنه حق التقدم ونريد حق الحركة لأن الجمود موت.

وحق الصراع وحق الحركة ملازمان ولصيقان بحق الحرية وبالديمقراطية. ولا يمكن التصور لحظة أن هناك صراعاً مع حجر للحرية، وكمّ للأفواه، وحجب حق إبداء الرأي والمعتقد، وحرية التظاهر والاحزاب، والمجاهرة بالحق، ومقارعة الطغيان والباطل.

هذا ما نريده، وما نعمل له، وهذه هي قضيتنا.

وإذا كانت هذه قضيتنا، فكل مسٍّ بوحدة مجتمعنا، وبنهضته، وبحقه بالصراع لأجل الحق والحياة، يكون مساً بقضيتنا وإنتقاصاً منها.

« من هذه النظرة الشاملة ننطلق لنرى كل الشؤون والمشاكل القضايا، ولنتحريها، ولنضع الحلول لها.

فإذا عربدت «اسرائيل» وقصفت، ودمرت، واحتلت، واغتصبت، واختلست، وقضمت، نواجه ذلك، بأنها المشروع المناقض لمشروعنا، فهي طامعة بأرضنا وبمياهنا وبسمائنا، ومدركة لوحدتها، وهادفة الى تفكيك وحدة شعبنا والى تسيب ثقافتنا وتراثنا وحضارتنا، والى إجهاض حقنا بالصراع وبالتقدم.

وإذا نهضت في شام أمتنا قيادة تتحلى بالشموخ والاعتزاز والصبر والكبر، معبّرة بذلك عن ما تكتنزه امتنا من قوى خلاقة، وما يجيش قي شعبنا من عزة وعنفوان وبطولة وتصد، وقالت لا لسلام «اسرائيل» المفروض عنوة على شعبنا، ونعم لسلام يسلم به أعداء الأمة بحقنا بأرضنا وبالحياة العزيزة التي تتيح لشعبنا كافة فرص النمو والتقدم، أكبرنا هذا التوجه، وشمخنا ببطله ورائده، وجعلنا أجسادنا جسراً ليمر شعبنا عليه.

« واذا امتشقت المقاومة سيف القتال، واستبسلت في الفداء، وفي الدفاع عن حقنا بكل حبة تراب من أرضنا، ضممنا ذراعنا الى ذراعها المباركة، وضمخ دمنا تراب ارضنا مع دمها الذكي.

واذا تهالك بعض حكام امتنا الى اللهاث وراء السلم الاسرائيلي المهين، مخدوعاً بسراب وعود الازدهار والانماء والاخاء، ارتفع صوتنا المحذر والرافض والمعارض ليلتقي هدير اصوات الرافضين والمعارضين من كل أبناء شعبنا.

واذا حرم الموظف او العامل من حقه بلقمة العيش المجبولة بعرقه وجهده، ومن حقه بأن تعطى له ولأبنائه كل فرص العلم والعلاج والحياة الكريمة، وقفنا معه لنيل هذه الحقوق.

« واذا طرح موضوع التمثيل الحقيقي لشعبنا من قبل نوابه، فلن نجد حرجاً بأن يكون لبنان كله دائرة واحدة، لأننا ننطلق من التطلع الى هدف سام هو وحدة شعبنا، فلا تشغلنا عن ذلك مصالح آنية فردية أو خصوصية.

وهكذا، انطلاقاً من أساس عقيدتنا الثابت نستنبط الحلول لكل امر طارئ لينسجم مع تطلعات شعبنا الى الخير والحق والجمال.

وأعود اخيراً الى بدء لأقول بأنك يا رفيقي، سمير، تركت الوجود، ولكنك بقيت للحياة، بقيت للحياة مع زوجتك الوفية رفيقتنا، واحدى بيارق زعيمنا في هذا الوجود، ومع شبليك الفارسين، ومع كل رفقائك ومحبيك وبقيت يدنا اليمنى مرفوعة مع يدك زاوية قائمة هاتفين: لتحي أمتنا، وليحي شعبنا، وليحي زعيمنا، فإننا نعمل للحياة، ولن نتخلى عنها».

كما ألقى الشيخ عبد الرحمن مشرفية كلمة مما جاء فيها:

«… نحن مقبلون على مرحلة حاسمة محورها الأساسي هو السؤال: من سيقرر مصير بلادنا في الزمن الحاضر الذي تطرح كمنطقة شرق اوسطية؟

وهل يمكن أن تطمس شخصية لبنان الذي زرع القنابل البشرية في وجه اسرائيل وثبت ارادة الصمود والحياة الحرة في وجه الاحتلال؟

لن تطمس شخصية بلادنافأثرها فاعل في التاريخ والجغراقية والاقتصادإن هذا الوطن نقل من ساحله، خلال تاريخه، الى كل العالم، الحرف والتجارة والحضارة والثقافة

وهو في جباله المعممة بالثلوج خزان المياه التي تشكل ماء الحياة لهذه المنطقة

ومن بقاعه وغناه وعرق الكادحين المتمسكين بتراب هذا الوطن مشكلين مع بقية اللبنانيين شلال البشر لصون هذه البلاد

ان الجواب على السؤال هو أن تعاضد ابناء شعبنا بمسلميه ومسيحييه وتعالي أبنائه عن الجراح وعدم اثارة النعرات الطائفية وعدم الإحتماء وراء الشعارات البراقة مهما كانت مصادرها والأخذ بالحقيقة على أي لسان أتت. أعلى لسان مسلم أم مسيحي، شيخ معمم أم قس

*

من جهتها نشرت الرفيقة الشاعرة مي وجيه الأيوبي الكلمة التالية في جريدة «الديار» بتاريخ 04/11/1995:

.. توغلت بعيداً في حلبة وجودك المختلط الألوان والمشارف

وجودك الوجداني الضاغط بشفافية راقية على ضمة المثل والقيم والحنين.. العابقة بالأريج..

وجودك الإنساني في عطائك الصامت لكل رفقائك..

وجودك الاجتماعي المرح.. في العديد من أقاصيص اللهو البريء.. الصاخب بالحيوية

وجودك الاجتاعي الجاد.. الذي لم يترك دعوة، أو مناسبة أو واجب إلا استوفاه حقه.

ووجودك في رفيف الحنان.. يوم كنت تحدثني عن أليسار المرأة.. الأمالقيمالتاريخ والحب.. الحبفي عمق رقته الدافئة

وجودك رفيقي وجودك الضخم الذي يملأ المكان والوقت

وجودك الذي كانت أمي التي أحببتها كأم ورفيقة تقول لي:

« الكبير يولد كبيراً انظري الى سمير ابو ناصيف هل تتوخين منه تفاهة، صغارةقلة..»؟

سمير بقيت رمزاً للكبير في الشكل والمضمون فتكاملت..»    

**

والرحيل الباكر للرفيق المناضل سعاده سمير أبو ناصيف

صباح 22 تموز 2009 كانت وسائل الإعلام الحزبي، والعام ، تنقل الخبرالفجيعة:

قضى مساء البارحة الرفيق سعاده سمير ابو ناصيف بحادث سير أودى بشبابه الذي كان يعد الكثير.

في مأتم حزبي وشعبي حاشد، شيع الحزب وبلدة قب الياس، المناضل الرفيق سعاده سمير ابو ناصيف . انطلق الموكب من امام المستشفى اللبناني الكندي في سن الفيل. وعند الوصول إلى بلدة صوفر في الجبل كانت ثلة من القوميين والأهالي بانتظار الجنازة حيث نثرت الأرز والورود على سيارة النعش وأدت التحية الحزبية، وقد تكرر المشهد ذاته في بلدة المريجات وفي بلدة قب الياس، عند المدخل المؤدي إلى منزل العائلة حيث سجي الفقيد لساعتين، تسنى خلالها لوالدته الأمينة اليسار سعاده ولشقيقته جوليا وأقرباء الفقيد ورفقائه القاء نظرة الوداع عليه. وقد كان مشهداً مؤثراً عندما جلست الأمينة اليسار تودع سعاده الإبن بباقة من أجمل الكلمات، وهي كلمات اختزنت عمقاً تعبيريا عن وجع المعاناة وعن القلب المنكسر حسرة على فراق الإبن الحبيب، وخاطبته مرات عدة: ايها العريس أيها البطل، وبألم الأمّ المفجوعة حكت له محطات شبابه ونضاله واندفاعه والتزامه واقدامه وشجاعته ومروءته وصدقه وإخلاصه، وكان لكلماتها وقع مؤثر في القلوب والعقول، فبها صاغت وصية سعاده لرفقائه ومحبيه، أن استمروا في البذل والعطاء، في النضال والتضحية وفي الالتزام والإقدام.

وفي الباحة الخارجية للمنزل حيث كانت حشود القوميين والمواطنين والأصدقاء تتجمع، تحدث طارق بدر معرفاً بمزايا الفقيد الراحل.

سويدان

 ثم القى المدير التنفيذي لشركة رسامني ويونس عبدو سويدان كلمة أصدقاء الفقيد تحدث فيها عن بدايات معرفته بالراحل سعاده، الشاب الذكي والنشيط، كان ذلك في شهر ايار 2003، عندما جاء إلى الشركة، بناء على موعد مسبق لم يدم أكثر من ربع ساعة، وهي كانت كافية لأدرك أن سعاده شخص متميز وطاقة مهمة، وعندها خاطبته بالقول: «يا سعاده عمرك صار 24 سنة ولم تتخرج بعد من الجامعة، لماذا؟ أجابني بأنه سيتخرج من الجامعة قريباً، وهكذا صار».

أضاف: عند سعاده ابو ناصيف كان كل شيء بالنسبة له تحدياً، ولا يقبل بالأمور السهلة، لأنه لا يعتبرها محفزاً للعطاء.

ولفت سويدان إلى أنه أدرك ان سعاده ابو ناصيف سيكون له أثر في حياته. وهو الذي نال اعجاب وتقدير كل من عمل معه في الشركة، وكان ملاذا لكل زملائه يحل مشاكلهم.. إن سعاده شخص لا يعوض، وخسارة كبيرة.

وختم قائلاً: باسمي واسم كل الموظفين نتوجه لأسرة سعاده الكريمة بباقة حزن، وأقول: ليست صدفة وفاة سعاده خلال 48 ساعة بعد احياء ذكرى استشهاد جده الزعيم أنطون سعاده. وبالنسبة لي خسرت أخاً وصديقاً، وسعاده كما سبق وقلت، انسان شجاع ومقدام لا يعوض.

الأمين توفيق مهنا

ثم ألقى نائب رئيس الحزب الأمين توفيق مهنا كلمة مركز الحزب وجاء فيها:

أيها المشيعون الكرام، خطفه الموت منا باكراً، هو حفيد الزعيم الخالد سعاده، وعلى إسمه سمي سعاده. هو حفيد الأمينة الأولى وهو ابن الأمينة أليسار التي ما إن تمر عليها فاجعة، حتى تنزل بها فاجعة، وتنزل بنا فاجعة، هو ابن سمير الرفيق المناضل والاعلامي المميز وكتلة الحركة الدافقة بحب الحياة. ننكب بهذه النكبة، نعم وهذه مأساة جديدة تأتي على حياتنا في الحزب السوري القومي الإجتماعي. لكننا على خطى سعاده الزعيم، وعلى خطى الأوائل الطليعيين والشهداء، نقهر الموت بإرادة الحياة لأن الحياة هي الاستمرار ولقد كنا على الدوام نسمى أبناء الحياة.

لا يؤثر في إرادتنا وفي تصميمنا حادث مهما كان مفجعاً. سعاده سمير أبو ناصيف. وسعاده الأمينة المؤتمنة أليسار هو من الامثلة الطليعية في هذا الحزب وهذه النهضة. لعب دوراً منذ ان كان شبلاً. شارك في مخيماتنا، لعب أدوارا في المدرسة والجامعة. كان «لولباً» في الحركة الجامعية الطالبية، كان مناضلاً سخيا بعد تخرجه في منفذية بيروت، كان وعدا لم يتحقق بأن يكون واحدا من مسؤولينا المركزيين.

نعم، الرفيق سعاده هو ابن هذه النهضة، هو ابن هذه العقيدة التي اتخذت الزوبعة شعارا لها. زوبعة تتوجه برسالة الاخاء القومي والإخاء الديني وكان ترجمة لقسم برّ به مع والدته ومع ابيه، تعانق فيها وفي زوبعتها صليب وهلال لتأسيس عائلة قومية اجتماعية تمثل روح العائلة التي نريد.

روح العائلة الصغرى وروح العائلة الكبرى، الأمة والمجتمع.

كان ابن عقيدة شعارها الزوبعة، في ركن منها الحرية لوطن جريح، لأمة مقسمة، لمواطن مقهور، فالحرية هي القيمة، هي الإنسان.

كان ابن عقيدة ركنها الواجب بأن نضحي بكل ما نملك، حتى الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة فينا  متى طلبتها وجدتها.

هو ابن عقيدة ركنها النظام، نظام الفكر والنهج، نظام القيم، نظام الخطة النضالية المعاكسة للخطة اليهودية الصهيونية، نظام يرفع الانسان الى مرتبة الكرامة لذاته ولأمته ومجتمعه.

كان ابن عقيدة ركنها القوة التي تذود عن الأمة، عن شرفها، عن كرامتها، قوة المقاومة ضد الغزاة، ضد المشاريع الاستعمارية، ضد الإغتصاب، ترفع الحق من لبنان الى فلسطين الى العراق بوجه المشروع اليهودي الصهيوني الغاصب لأرضنا وفي وجه مشروع الهيمنة الأميركية. قوة تحمل في عمق النفوس الأبية موقفاً حازماً ضد مشاريع التجزئة، ضد الدويلات ، ضد مشاريع الشرق الأوسط الجديد والكبير.

سعاده هو ابن هذا المفهوم، هو ابن هذا المعتقد، عاش من أجله حتى قضى، ونحن سنكمل الرسالة التي حملها زعيمنا والتي حملها سعاده وأمثال سعاده من رفقائنا الطلبة، من رفقائنا الأشبال، من كوكبة شهدائنا، من جرحانا، من معاقينا وممن افتقدنا، كما حملتها أليسار الأم الصامدة الصابرة، كما أمهاتنا في جنوب لبنان وفلسطين والعراق، يقدمن أبناءهن من أجل القضية من أجل هذه الأمة، من أجل هذه الرسالة التي نذرنا حياتنا لها.

وعداً لك يا رفيق سعاده، العزيز والحبيب أننا باقون في حزبك وكم كانت سعادتك عظيمة يا رفيقي بهذا المهرجان المهيب الذي أقمناه احياء لذكرى أستشهاد جدك انطون سعاده وقد رأيته قبل أن تغمض عينيك.

هذا المهرجان، مهرجان الوفاء والفداء للزعيم الخالد الذي سنضع بعده خلال أيام حجر أساس لـ «دار سعاده الثقافية والإجتماعية». لنوصل الرسالة أن هذا الحزب هو حزب البطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة. حزب الفكر والثقافة، حزب السلاح الأمضى من أجل كرامة هذه الأمة ووحدتها وعزتها.

يا حبيبنا أيها الرفيق سعاده،

أنت ابن هذه الأرض الطيبة، ابن قب الياس، ابن هذا البقاع، ابن هذه السلسلة من الجبال بين صنين وحرمون وقاسيون تخاطب الأمة كما خاطبها سعاده بانهم لو قضوا على المئات منا، لن يتمكنوا من القضاء على العقيدة التي تكمن في نفوسنا.

بهذا الإيمان نحن ما نحن وبهذا الإيمان نحن ما سنكون وسيبقى هتافنا يدوي لتحيى سوريا وليحيى سعاده والبقاء للأمة والبقاء لك يا رفيقي الحبيب سعاده ولتحيى سوريا.   

*

.. إلى جبانة قب الياس

بعد ذلك نقل الجثمان على أكف ثلة من القوميين الاجتماعيين باللباس الرسمي، تتقدمه فصائل من الطلبة والأشبال تحمل أكاليل الزهر بينها اكليل باسم رئيس الحزب النائب الأمين اسعد حردان، وأعلام الحزب وجبهة المقاومة، وشارك في التشييع إلى جانب والدة الفقيد الأمينة اليسار، عدد كبير من أعضاء قيادة الحزب يتقدمهم رئيس المجلس الأعلى الوزير السابق الأمين محمود عبد الخالق، نائب رئيس الحزب الامين توفيق مهنا، الرئيسان السابقان للحزب الامين مسعد حجل والامين جبران عريجي، عميد الإذاعة والإعلام الامين جمال فاخوري، عميد الدفاع الامين وائل الحسنية، عميد التربية والشباب الامين صبحي ياغي، عميد القضاء الرفيق ايلي غصان، عميد شؤون عبر الحدود الامين لبيب ناصيف العميد النائبالامين د.مروان فارس، وأعضاء المجلس الأعلى الامين يحي جابر، الامين د. ربيع الدبس، الامين وليد زيتوني، وعدد كبير من المسؤولين المركزيين والمنفذين العامين والأمناء.

وفي جبانة قب الياس ووري جثمان الراحل الثرى بجانب والده الرفيق المناضل سمير ابو ناصيف، وعلى بعد أمتار قليلة من ضريح رفيقه الشهيد القومي في جبهة المقاومة الوطنية زياد خالد.

*

ولد الرفيق سعاده ابو ناصيف في قب الياس بتاريخ 30/05/1979 .

انتمى الى الحزب في 14/12/1989

تولى مسؤولية مدير مديرية الجامعة الأميركية في العام 1999.

*

 

هوامش

(1) سمير ابو نادر: من بلدة «شرتون» ناضل حزبياً، وتولى مسؤوليات محلية ومركزية في عمدتي المالية والدفاع. غادر الى مدينة «وندسور» في كندا حيث وافته المنية نشرت عنه كلمة عند وفاته. للاطلاع الدخول الى قسم «البقاء للامة» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(2) فارس زويهد: من بلدة «حاصبيا» انتقل في سنوات الحرب اللبنانية الى بلدة جديتا له مواقف حزبية صلبة. تولى مسؤولية منفذ عام حاصبيا، وكان له حضوره الجيد، حزبياً وشعبياً . مراجعة قسم ارشيف تاريخ الحزب

(3) سمر الزين: من بلدة «شحور» ابنة عائلة قومية اجتماعية. اقترنت من الرفيق الراحل غيث هنري حاماتي. نشطت في مجال الأشبال والاعلام، واشتهرت عند تقديمها بنجاح برنامجاً للأطفال في تلفزيون لبنان وشاركت المذيع القدير حكمت وهبي في برنامج للأطفال

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى