رياضة

حسن بشارة… فيلسوف المصارعة وصائد بطولاتها بكى في موسكو فرحاً بميداليته… وحزناً على وطنه

 

} إبراهيم موسى وزنه

ليست مجرد رياضة هي المصارعة التي برع فيها البطل الراحل حسن بشارة وصاد بطولاتها على مدى نحو نصف قرن، بل هي أيضاً فلسفة حياة اعتنقها ومارسها وتفاعل معها بكل ما أوتي من قوة ورجاحة عقل، وهو الذي رفع اسم لبنان عالياً في المحافل الدولية يوم كان أبناء هذا الوطن يتلّهون في قتل بعضهم بعضاً، ماذا نقرأ في تاريخ هذا البطل الفيلسوفوالذي لن يتكرّر؟

إضاءة شخصيّة على حياته

في العام 1958، وبينما كانت العاصمة بيروت تغلي سياسياً على خلفية «تمترس» اللبنانيين بمواجهة بعضهم بعضاً، ترك الفتى حسن بشارة ابن الرابعة عشرة من العمر بلدته الجنوبية القنطرة متوجّهاً الى بيروت ليسكن عند شقيقه الأكبر سلامة في منطقة رأس النبع، وبعد سنتين انتقل إلى الغبيري ليسكن فيها مع شقيقته في بيت واحد، خلف معمل توضيب الفاكهة الخاص بآل الحاج (شارع عبدالله الحاج).

وفي حديث معه قبل وفاته اعترف «أبو علي» بأن بيروت سحرته وشدّته اليها، لكن «المدنية» لم تؤثر في حياته، فبقي محافظاً على عصاميّته التي نشأ عليها في الضيعة، ولما أراد أن يعبّر عن نفسه التوّاقة الى السمو فجّر طاقاته البدنيّة في الميادين الرياضية. وبالانتقال للحديث عن مسيرته الرياضية في عالم القوة البدنيّة، فهو انضم في العام 1960 إلى «نادي أسامة» قرب البربير ملاكماً، قبل أن ينتقل إلى لعبة المصارعة التي استهوته بفنونها وحركاتها، وبعدها انضم إلى نادي الشبيبة، ليجد ضالته مع تعرّفه إلى البطل إبراهيم عواركه رئيس نادي الفتوةالغبيري، حيث انضمّ اليه في العام 1962، وبسرعة سيطر على الحلبات منصّباً نفسه بطلاً لا يُقهر في المصارعتين الحرة والرومانية. ومن رفاقه في تلك الأيام رستم المقداد وأحمد سعد وعلي حمدان وكمال سليم.

مشوار البطولات

بداية غيث البطولات والإنجازات للراحل، كانت في العام 1964 حيث أحرز ابن الثمانية عشرة عاماً بطولة لبنان في وزن 90 كلغ في المصارعتين الحرة والرومانية، وبقي متسيّداً منصات التتويج 20 عاماً (اعتزل في العام 1983). وفي العام 1965 اختير ليمثّل لبنان في الدورة العربية الرابعة في القاهرة، فعاد مطوّقاً بميدالية فضيّة. ثم شارك في العام 1967 في بطولة البحر المتوسط التي أقيمت في تونس وحلّ رابعاً، ليعوّض بعد شهرين بتثبيته الالماني باشمان خلال مباراة منتظرة أقيمت في بيروت. وبعدها مثّل لبنان في دورة مكسيكو الأولمبية في وزن 97 كلغ في العام 1968… وكرّت سبحة التمثيل والإنجازات الخارجية لأبي علي الذي كان اسمه الثابت الوحيد على لوائح البعثات اللبنانية إلى الخارج، وفي حديث سابق له استذكر فيه مشاركته غير الكاملة في ميونيخ عام 1972 قال: «في مباراتي الأولى فزتُ على مصارع سويسريّ، وبعد العملية الفدائية التي قامت بها مجموعة فلسطينية  احتجزت رياضيين إسرائيليين كرهائن، ألغيت مبارياتنا واضطررنا للعودة الى بيروت، ويومها أحرز رباعنا الأولمبي محمد طرابلسيّ فضية رفع الأثقال». كما أحرز الميدالية البرونزية لبطولة البحر المتوسط في العام 1975.

الإنجاز الكبير… 

برونزية موسكو 1980             

في العام 1980 غادر حسن بشارة ضمن البعثة اللبنانية المؤلفة من سبعة أشخاص إلى أولمبياد موسكو وفي قلبه شعور خاص بأنه سيفعل شيئاً لوطنه الذي تأكله الحرب الأهلية، يومها شارك في وزن الـ 100 كلغ، ففاز أولاً على بطل إيطاليا بتثبيت الكتفين ثم على بطل رومانيا ليخسر بعدها أمام بطل الاتحاد السوفياتي الكسندر كولشنسكي، محرزاً المركز الثالث وبالتالي برونزية عربيّة وحيدة على الرغم من مشاركة 700 عربي في ذلك الأولمبياد. عن ذلك الإنجاز الذي ضمّد به جراح الوطن الغارق في الانقسامات والمتخم بالمتاريس في تلك الأيام، تحدّث أبو علي ذات مرّة قائلاً: «إنها لحظة عزّ لم أنسها أبداً، بلدي يعيش في حالة حرب وانقسام بغيض بين أهله وأنا على المنصة أبكي فرحاً عند رفع العلم اللبناني، ولا أنكر أن عشقي للعبة وحبي للوطن أوصلني الى تلك الوقفة الرائعة».

تكريم ما بعد الإنجاز

التكريم الأول للبطل العائد من موسكو، كان على أرض المطار ثم من الأصدقاء ومن الصحافة الرياضية التي أضاءت على إنجازه بطريقة رائعة، ثمّ من رئيس الجمهورية آنذاك الياس سركيس ورئيس حكومته سليم الحص ووزير التربية بطرس حرب الذي منحنه مكافأة قدرها 10 آلاف ليرة، وبلدية بيروت (5 آلاف ليرة) وبلدية الغبيري (3 آلاف ليرة)، ولطالما أعرب أبو علي أن التكريم الأكبر كان من الناس الذين كانوا يبادورنه بالتحية «كيفك يا بطل».

.. ورحلته الإداريّة بعد الاعتزال                 

اعتزل حسن بشارة المصارعة في العام 1983، لكنه ومن منطلق حرصه على الاستمرار في ميادينها أسس نادي البشارة في برج البراجنة (1986) برئاسة الشيخ عبد الأمير قبلان، ويومها تعجّب الشيخ من قيامه بهذه الخطوة في خضمّ الحرب الأهلية، فخاطب أبو علي الشيخ مدافعاً عن وجهة نظره: «سأعمل ضد البندقيّة». وفي حفل الافتتاح، حضر رئيس وأعضاء اللجنة الأولمبية وعدد كبير من الفعاليات الرياضية. وفي العام 1996 أسس نادي البشارة ـ حارة حريك، ونظراً لنشاطه ونظافة كفّه ورجاحة فكره، انتخب في العام 1987 نائباً لرئيس الاتحاد اللبناني للملاكمة، ثم انتخب عضواً في اتحاد المصارعة، ولاحقاً شغل منصب نائب رئيس الاتحاد اللبنانيّ للمصارعة لسنوات عدّة، كما تمّ انتخابه عضواً في الاتحاد العربي للمصارعة. وفي تعاطيه مع العمل الإداري للرياضة كان على رأس الساعين لتغيير خريطة التوزيع الطائفي المعتمد والمتعمّد في اتحادي المصارعة والملاكمة، وللأسف هذه بدعة متحكّمة في تفاصيل عملية تشكيل الاتحادات الرياضيّة.

وفي لقاء له مع إحدى الصحف، علّق على حفلات المصارعة التي كان ينظّمها الأخوان جان واندريه سعاده قديماً: «كلها تمثيل بتمثيل واستعراضات مدروسة بهدف التشويق، ومثلها التي تعرض في هذه الأيام على محطات التلفزةوللأسف، هم يسيئون الى المصارعة من حيث يدرون، ولأجل كسب المال فقط».

العائلة والمصارعةفالسينما!              

وجّه حسن بشارة أولاده الى الرياضة والعلم معاً، فابنه علي (طبيب توفي في العام 2011) سبق ومثّل لبنان في دورة دمشق الدولية في العام 1992، وكذلك ابنه محمد (طبيب) مثّل لبنان في دورة البحر المتوسط، ومن منطلق حرصهما على تحصيلهما العلمي اضطرا لترك المصارعة نهائياً وهما في عزّ عطائهما، ليبرز لاحقاً إبن أخيه خضر (أحرز ميدالية فضية في البطولة العربية ـ بيروت 1997)، كما شجّع ابن أخته أحمد حيدر على خوض الميادين الرياضية، ليخرج الأخير منها بإنجاز عالمي (بطل العالم في كمال الأجسام ـ 1996).

حكاية البطل مع التمثيل!

عندما سألت بطلنا الأولمبي وهو على قيد الحياة عن حكايته مع السينما والتمثيل، أجاب: «بعد إحرازي الميدالية الأولمبية في العام 1980، عرض عليّ المخرج سمير الغصيني المشاركة في فيلم «المغامرون» ويومها رافقه إلى بيتي الممثلان أحمد الزين وعبدالله حمصي، وسررت بهذه التجربة الى جانب البطل محمد المولى، ثم كرّرتها ثانية في فيلم «عودة البطل» وثالثة في فيلم «الغجرية». ولم ينكر أبو علي، بأن الهدف من مشاركته في الأفلام هو لإظهار قوته وقدراته البدنية، أما عن استفادته المادية من التمثيل، فقال: «كان الأجر زهيداً جدّاً»، شارحاً بعضاً من فلسفته في هذا السياق: «أنا طالع من الأرض ولا أؤمن بالمال الذي يأتيني من دون عمل واجتهاد وصبر، فالرياضة هي عملي إلى جانب عملي الأساسي في شركة الميدل ايست، والذي للأسف تركته بطلب من الشركة التي أجرت إعادة هيكلة لموظفيها في العام 2001 فكنت أحد ضحايا هذه الهيكلة».

نظرةوكتاب             

عن مسيرته ونظرته للرياضة وإنجازاته، أخبرني في لقاء جانبي: «وُلدت المصارعة مع الإنسان، فالأولاد يرغبونها ويتابعونها بشغف، والمصارعة تعطي الإنسان القوّة، تعلّمه الصبر واحترام قوته وطاقاته، ولا يجوز استعمال القوة في غير محلها، ومن يفعل ذلك فهو يسيء استخدام قوة منحه الله إياها». هي نظرة حسن بشارة الفلسفيّة الى اللعبة التي يعرفها تماماً وقد حرص على تأدية بعض التمارين حتى بعد بلوغه السبعين، ويأمل أن يعرفها الناس على حقيقتها. وعن ذكرى عالقة في مخيلته خلال مشواره الطويل مع الرياضة، قال: «عندما كنتُ في كندا في العام 1970 مشاركاً في بطولة العالم، عُرض عليّ البقاء في مونتريال لكي ألعب المصارعة باسم كندا، لكنني رفضت العرض سريعاً، لأن الوطن غال جداً». وقبل وفاته، كشف أبو علي بأنه ينوي إصدار كتاب يضع فيه خبراته وتجاربه الرياضية بعد أكثر من نصف قرن من العمل الرياضي (مصارعاً وبطلاً ومدرّباً وإدارياً)، ويدعو من خلاله الشباب «الى الاندفاع نحو الرياضة لأنها حالة صادقة من التجلّي مع النفس والروح معاً، وللرياضة قدسيّة يجب احترامها فهي مظهر حضاري من مظاهر الرقي الإنساني».

بطاقة شخصية                

الاسم : حسن علي بشارة.

تاريخ ومحل الولادة: القنطرة في 17 آذار 1944.

ـ تاريخ اعتزاله اللعب: 1983

تاريخ الوفاة: 24 أيلول 2017

الوضع العائلي: تأهّل في العام 1973 وله 3 أولاد (المرحوم علي ومحمد وأحمد).

المهنة: من 1965 ولغاية 2001 في شركة الميدل ايست (قسم الحمولة والنقل).

أهم الإنجازات: برونزية أولمبية ـ موسكو 1980.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى