ثقافة وفنون

قضايا الفكر والسياسة وتفاعلها مع الإنتاج الدراميّ العربيّ…!

شرور السياسة مرّت عبر الفنّ بكل أنواعه

 

} جهاد أيوب

قبل الولوج في العنوان المطروح، أرغب في توضيح إشكالية تقع فيها الغالبية، وربما لا يعرفون ما معناها، وهي كلمة «الدراما» بحيث يعتبرها البعض تعنى في مسلسلات التلفزيون فقط، ويبعدها عن السينما والمسرح والإذاعة، وأيضاً بعضهم يعتقد كلمة الدراما تقال فقط للممثل الجاد والباكي، أما الممثل الكوميدي فلا علاقة له بالدراما. هذا خطأ كبير يُقال ويُكتب ويقع فيه بعض النقاد للأسف!

«الدراما»كل ما ذكرت من تجسيد تمثيلي في أي موقع، التراجيديا والكوميديا هنا دراما. ونقطة على الفهم! قضايانا الفكرية لم تعالج في الدراما العربية بحرية حتى الآن إلا ما سمحت به السياسة، وسُلطة الرقيب كانت هي الفكر وما يسجن ويسمح من فكر في لعبة الفنّ والثقافة العربية، وقد حاول صنّاع الدراما التحايل على الرقيب والسياسة بما استطاعوا ليقعوا أحياناً كثيرة برمزية مركبة ومعقدة لا توصل إلى نتيجة غير الهروب بعشوائية الفهم والطرح، وهروب المتلقي، وربما المسرح استطاع أن ينفلت قليلاً من سلطة لعبة السياسة والرقيب، لكنها انفلاتة محدودة!

السياسة في العالم العربي تدخل في كل شيء، تدخل من باب الاستغلال والتسويق والتشهير، تدخل في الدين، والطبابة والأكل واللبس، ولم تنشغل فقط في الفنّ وفروعه، أقصد أن المخابرات أو جهاز المراقبة لصالح السياسة والنظام والحاكم تدخل باستمرار حتى في قراءة الطالع وتسويق البصارين الملهمين، ومشكلتها في هذا الوقت هي أكثر انحطاطاً، وأكثر تدخلاً مباشراً ووقاحة، وتحدد سير الخط الفني بحجة دعم الوطن والوطنية، لأن الصراع أعمق، والكراهية تكبر وتقسم كل البلدان العربية، والفنان يصبح هنا من أدوات السياسة!

وإن أخطر الرسائل السياسية، وشرور أفكار السياسيين تستطيع تمريرها عبر الدراما، وهذا ما تفعله الآن بعض الأنظمة العربية، وكانت قد مررته هوليود، ولا تزال تمرره بثقة من دون أن يكترث إليه المجتمع العربي من خلال احتلال نتاجها السينمائي كل فضائيات العرب، لا بل خصّصت قنوات عربية برصيد مالي مخيف مع الادعاء بالإسلام، خصصت لنوعية معينة من أفلام هوليود التي تقدّم الشخصية اليهودية، و»إسرائيل»في أرقى وأفضل الحالات، إضافة إلى إشارات اجتماعية تقضي مع الأيام على كل موروثنا وأفكارنا وعاداتنا في تصرف الأجيال الشابة، لا بل ساهمت في صنع شخصية المتلقي مهزوزة خاصة في المجتمع العربي الذي عاش الانغلاق، وأراد فجأة الانفتاح على حضارة «الهمبرغر»والمأكولات السريعة حيث اعتقد أن الحضارة بالبطن والجنس!

دراما العام

لو أخذنا ما حدث في شهر رمضان الماضي من العام 2020 في لعبة الدراما لوجدنا 80 عملاً عربياً رسمت تشتت الشارع العربي، ومنها المهرول إلى التطبيع وتزوير التاريخ وتشويه الحقائق، وكان التبرير ببساطة أن هذا يندرج اجتماعياً تحت حرية الفكر والرأي، وهنا المصيبة في فنّ غير مسؤول أضاع الهوية!

ورغم الكورونا أنتج 23 عملاً مصرياً، و 15 عملاً سورياً، وأكثر من 33 عملاً خليجياً، و 9 لبنانياً، يعني أن الدراما العربية لرمضان 2020 بغالبيتها تعيش الارتباك في تنفيذ الأعمال، وزاحفة إلى افتعال العرض والأداء والتنفيذ وبالطبع يصبح التمثيل هنا مجرد افتعالات. وهذا سببه واقع التدخل السياسي، يضاف إليه الكورونا وسباق العرض!

يعني أصبحت بمعظمها أسيرة مهامها السياسية التي يحددها المنتج المنتمي إلى خط تنفيذي لإرشادات سياسية معلبة لا يزيح عنها، قد تكون هذه الإرشادات لخدمة تلميع النظام رغم فساده بحجة «أحب الوطن»، او لتمرير أخطر رسائل السياسيين من خلال الدراما وهذا ما حدث، وتحديداً في ترسيخ فكرة التطبيع مع مغتصب أرضنا، والاستخفاف بقضية فلسطين، وقد ظهر جلياً هذا العام !

الدراما العربية شبه مغرقة في اللعبة السياسية حتى لو كانت كوميديا بسيطة، في السابق كانت تمرر بخجل أو تحت لواء المواطنة، اليوم مباشرة، ومهما تجاهل الفنان هذه المعمعة متسلحاً بالبساطة وكذبة ابتعاده عن السياسة أصبح غريقاً فيها!

من هذه الأعمال نذكر «الاختيار»من مصر، «محمد علي رود»من الكويت، و«إم هارون»خليجي مشترك بتمويل وإشراف سعودي إماراتي، و«مخرج 7 »، و«الزعيمان»عمل ليبي بإنتاج ضخم أوقف بعد 20 حلقة لكونه ينادي بعودة حكم الدولة العثمانيّة (نحن هنا لا نتحدث عن جودة أو فقر أي عمل فنياً)…هذه الأعمال الدرامية كانت مغرقة بالسياسة التوجيهيّة، أي التدخل السياسيّ تحكماً في اللعبة الدرامية العربية كلياً، والمضمون السياسي وسياسة الحاكم النظام هي التي رسمت وترسم الهوية، والمقبل في بنية الثقافة التي ستسود، والسنوات المقبلة ستظهرها بوضوح فاجر أكثر، وقد تتقوقع على ذاتها ليصبح لكل بلد عربي أعماله الخاصة من دون الاكتراث إلى الانتشار ما دام المموّل أعطى الممثل والفنيين حقوقهم، واكتفى برسائل مباشرة لشعوبها وحدوده السياسيّة

مصر كانت ولا تزال بشكل مباشر توظف دورها السياسي في الدراما، والسعودية والإمارات منذ 1991 بدأت بوضع استراتيجيّة في كيفية التدخل الذي بدأته بالإعلام والأغنية، ومع عام 2000 إلى عام 2020 كان التدخل وقحاً ومباشراً!

الهدف والدور

قد يستغرب بعض مَن يقرأ ما قلته، وقد يتّهمني بالغباء أو بالتطرّف، ولكن ومنذ أكثر من عشرين سنة كان لاستغلال الفن في تمرير أفكار سياسية في مجتمع يعتقد نظامه بأنه لا يتطوّر، وليس منفتحاً، لذلك لعبة الدراما وصناعتها أصبحت أكثر مكشوفة في هذه المرحلة، وبمجملها وليس كلها يكمن دورها في:

مَن يمتلك الإنتاج يتحكّم بالطرح والفكر والصناعة!

تلميع صورة النظام بكل عشوائيّة شوائبه!

تسطيح فكر الناس، وإبعادهم عن المحيط وعن مطالب وجوده!

زرع سذاجة التعصّب لهذا النجم أو لذاك!

فتنة التحزّب لدراما البلد ومهاجمة دراما البلد الثاني خاصة عنصرية مرض الأعمال المشتركة!

لجم اندفاعات الناس جراء انطباعات الواقع السياسي وفساد السلطة، واشغالهم بالخطاب الدرامي!

نقل الموروث الأممي والديني والقبلي والوطني من ضفة إلى ضفة مغايرة، وذلك من خلال تقديم وجبات يومية تهدر فكر المواطن وتخدّره!

تطبيق رسائل نظام سياسي مغاير للموروث بحجة العصر وتطوّره من خلال استغلال الفن، وبالانفتاح على عدو الأمس!

عدم السماح لهذا الفنان العربي بالمشاركة في أعمال تنتج من قبل منتج تابع، لذلك تمت مقاطعة العديد من الفنانين القطريين والسوريين واللبنانيين والمصريين!

تمرير بعض الأمور العنصرية بين المجتمعات من أجل إلهاء المواطن عن متطلباته الحياتية، والمفروض ان نظامه قد قام بها، ولكنه أصبح يعيش ملذات الحاكم والزعيم الفاسد من باب الطرف والترف والتطرف!

أخذ المنطقة من حالة سياسية إلى حالة خارج قضاياها التاريخية، وجعل عدو الأمس صديق المستقبل!

تشويه الموروث التاريخي والديني من خلال خلق قصص وروايات غير موجودة في الكتب وفي المنطق!

قد يكون صفوت الشريف في مصر الأكثر شهرة حول هذه العلاقة التي أصبحت في عالمنا غير ملتبسة وعادية للأسف، صفوت الذي شغل الفنانات في لعبة السياسة، وفرض دور السلطة وما تريد وترغب على الدراما والفنان والفن!

في لبنان ظلت المسألة معلقة في صناعة الهوية الوطنية من أيام عمر الزعني وشوشو والأخوين رحباني، والأكثر فاعلية في العهد الشهابي، ولكنها وفيما بعد محدودة بسبب انتشار الصحافة الخاصة والمملوكة من شخصيات ليست رسمية!

في سورية النظام، كما مصر، وضع يده على كل الفن والثقافة وتحديداً الغناء والدراما والثقافة!

غالبية الدول العربية تدخلت سياساتها بتحديد البعد الدرامي في الفن، وقد نقول إنها ظهرت في مصر أكثر لوجود عدد كبير من الفنانين، والانتاج الدرامي كان من أهم الروافد الاقتصادية فيها!

ولا بد من أن أشير إلى ما يلي:

الأنظمة التي كان لديها سلطة، ولم يكن لديها الفلوس استغلت الفن واعتبرته من روافدها السياسية، وقدّمته كخدمات سياحية للأنظمة الغنية التي كانت تغدق عليهم الأموال!

كلما تخلّف النظام، واستمرّ من دون إنجازات وطنية واجتماعية يُكثر من تدخله في الفن حتى يلهي المواطن عن حقوقه، ويجعل الفن وسيلة للتعويض والترويج، أقصد كلما أراد النظام استغلال خطابة السياسي يتدخل في سير الفن والأعمال الدراميّة!

التأثير

إن تأثير دور السلطة السياسيّة من خلال دور السياسة كان واضحاً في كثير من الأعمال الدرامية، نذكر مثلاً فيلم «الصعود إلى الهاوية»، ومن ثم مسلسل «دموع في عيون وقحة»، و»رأفت الهجان»، و»إعدام ميت»..!

كما نجد أن العربي السياسي لم يفكر بمواجهة الفن السياسي المعادي، بل حاصر نفسه وخاطب نفسه، وشغل أناسه من خلال العاطفة، ولو أخذنا الأعمال التي استغلت القضية الفلسطينية في حينه، ودعمها النظام السياسي، نجد فقط هذه الأفلام التي حاولت المواجهة وناضلت وصرخت وكانت: «حرب فلسطين 1948»، و»فتاة من فلسطين»عام 1948، و»نادية»عام 1959، و»أرض الابطال»1965، و «مَن أحب»1965، و»جميلة بو حريد»، و آخرها «ناجي العلي»!

كما أن هناك بعض أعمال تدخلت في صناعتها السياسات من أجل طرح قضايا سياسيّة معيّنة نشير إلى «فارس بلا جواد»، و»زهرة الياسمين»، و»ليلى بنت الصحراء»، «جميلة بوحيرد»، «الأرض»، «عودة الابن الضال»، و»اسكندرية ليه»، و»احنا بتوع الاتوبيس»، و»ضربة شمس»، و»الراقصة والسياسي»، و»معالي الوزير»، و»ناصر 56»، و»السادات»….

اقصد من كل ما ذكرت أن فن الدراما مرآة المجتمع، وأصبح مرآة السياسة والرجل الحاكم وقوة المنتج الذي يمرر ما يرغب من سياسة يؤمن بها، وبكل وضوح نستطيع أن نقول إن الدراما هي القوة الناعمة، ولم تعد ترفيهية، وهوليود أبدعت بذلك، لا بل مهدت إلى كثير من أحداث حدثت بعد سنوات، ومع ذلك عدوّنا في الدراما إلى جانب إعلامه تفوق على ما قدّمناه !

فنّ الدرامي المسيس والمتحكم به المنتج السياسي يعمل على:

1- – رسم الصورة الذهنية.

2- – رسم خط العواطف.

3- – تحديد نمطية العيش عند الفرد.

4- – القدرة على الجذب والتزوير والإقناع.

5- – استمالة الجمهور لفرض خط سياسي وهدف سياسي ومجموعة من فنانين معينين، ومحاربة فنانين على خلاف سياسي مع دولتهم.

إذا تخلى فن الدراما عن دوره الطبيعي، وأغرق في لعبة التحكم السياسي به حينها تسقط القيم خاصة أن التلفزيون فكر استهلاكي مباشر، والسينما ذاكرة الشعوب، والمسرح ثورة المجتمع، والإذاعة تحرّك الذهن والعاطفة… وأين نحن من كل هذا؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى