الوطن

لبنان باق والفاسدون إلى زوال… «لو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم»

} علي بدر الدين

يُحكى أنه كان في قرية صغيرة، بقرة يعتاش سكانها على حليبها، علق رأسها في بئر ماء عندما كانت تشرب. حاول أهل القرية إنقاذها على أن لا يكسروا فجوة البئر، لكن من دون طائل، وباءت كلّ محاولاتهم بالفشل، عندها ارتأوا إستشارة المختار، باعتباره صاحب حكمة ودراية وحلّال مشاكل، وأطلعوه على مشكلتهم وعجزهم عن حلها، فاصطحبهم، إلى البئر، وراح يفكر بالحلّ، وكيف يمكن إخراج رأس البقرة، من دون تكسير مدخل البئر. بعد تفكير عميق، قال بصوت عال، وجدت الحلّ، فانشرحت أسارير الحاضرين، وتوسّموا الخير من حكمة المختار وقدراته، فطلب تكسير فجوة البئر ففعلوا، لكن رأس البقرة ظلّ معلقاً فيها، وبعد تفكير للحظات، طلب قطع رأس البقرة، فوقع في البئر. انزوى المختار جانباً، وأوحى بأنه حزين جداً، ووضع رأسه بين كفيه للدلالة على شدة حزنه، فقصده، أهل القرية ووقفوا على خاطره، وقالوا له لا تحزن، فداك البقرة وفداك البئر، ردّ عليهم بصوت خافت وخشوع، أنا لست حزيناً على البئر والبقرة، إنما عليكم، فماذا كنتم ستفعلون من دوني، وكيف ستحلّون مشاكلكم؟

إنها حكاية تشبه حال اللبنانيين مع الطبقة السياسية التي تحكمهم منذ عقود، وتدّعي أنها هبة من السماء، نزلت في هذا البلد المنكوب لترعى شؤونهم، وتحلّ مشاكلهم، وتقدّم لهم الحكمة والمشورة والنصيحة، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والفساد والنهب والتحاصص، وإنقاذهم من عجزهم.

ماذا سيفعلون وكيف سيكون مصيرهم من دون وجودها في السلطة، وهي المؤتمنة على الوطن، لهذا أفرغته من مقدراته، وأمواله ومن مقومات وجوده، وفعلت به ما فعله مختار القرية و»حكيمها»، حيث قضى على إنتاجها الوحيد، ودمّر بئرها ولوّث مياهها، ويعترف لأهلها، بوقاحة وفجور وكبرياء أجوف، بأنه حزين عليهم، في حال انعدم وجوده.

 تماماً كما تفعل القوى السياسية والطائفية والمذهبية والمصلحية في لبنان، وهي التي دمّرت الوطن بسلوكها وممارساتها وتسلطها، وانعدام مسؤوليتها وتغليب مصالحها، ونهبته وأطاحت باقتصاده وماليته ومؤسساته، وأفقرت شعبه وجوّعته، وأغرقته في صراعاتها وشهواتها، حتى استسلم لمشيئتها والتزم أوامرها، وبفضلها تحوّل إلى ما يشبه العجينة المطواعة بيد هذه الطبقة، التي أوهمته أنها تعمل لأجله ولخدمته، وإنْ طار البلد.

ويل لهذا الشعب بعد الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، لأنه بغيابها السياسي والجسدي، سيفقد الحب والحنان والحضن الدافئ، وحتى لقمة الخبز.

 كلّ ما اقترفته بحقه هو من أجله ولحمايته من المجهول وغدرات الزمان، حتى لا يصل إلى المحتوم الذي ينتظره، ويفتقد فيه حكمة هؤلاء المسؤولين الأشاوس ورعايتهم، وهم سيظلون مصلتين سيوفهم على رقابه، وأياديهم في جيوبه وموارد عيشه، وعيونهم على أمواله المودَعة في المصارف أو خارجها.

من «واجب» هذا الشعب أن لا يغرّد خارج أسراب الطبقة السياسية لأنها باقية غصباً عنه، وعليه إعادة انتخابها مهما كان نوع قانون الانتخاب الذي سيكون اليوم وغداً وفي أيّ وقت مفصّلاً على قياسها، حتى لا تصدمه، إنْ حادت عن خياراتها ومعاييرها وإصرارها على تعميم مقولة، «نأسف على إزعاجكم، ونعمل في خدمتكم ولأجلكم»، وإنْ قتلت حياتهم، وظلمتهم واستبدت بهم ونهبتهم وأفسدت وصادرت، كلّ حقوقهم. حبل مساوئها ورذائلها يطول ولا نهاية له أقله في المدى المنظور.

المهمّ أن تبقى هي في مواقعها السلطوية، ومن بعدها الطوفان والغرق والسحل والحرق. لأنّ لبنان من دونها من وجهة نظرها، لا يساوي شيئاً، حتى أنّ دول الإقليم والعالم تتسابق لتحظى برضى هذه الطبقة الحاكمة التي نجحت في وضع لبنان في مصاف الدول الأكثر فساداً، وفي ذيل الدول الأكثر تضخماً، وبرتبة ١٩٢ من بين ١٩٣ دولة، وهي تقترب من تسجيلها في كتاب «غينس» للأرقام القياسية، لأنها تحكم لبنان منذ عقود من دون انقطاع، إما مباشرة أو مداورة، وبالأصالة أو بالوكالة، أو بالوراثة من خلال الأبناء والأحفاد.

 ليس من» العدل»، التخلي عنها، وهي التي حققت مثل هذه «الإنجازات» التي سيحكي التاريخ عنها، ويخلدها لكي تدرس في المدارس، خاصة أنها جعلت من لبنان، «منارة» سياسية يُحتذى بها من دون نقاش أو جدال.

«حكماء» السياسة في لبنان يشبهون تماماً الذين حاولوا اقتلاع الجزرة من جذورها، فانقسموا إلى فريقين، وأمسك كلّ فريق بحبل، في محاولات يائسة لاقتلاعها، ولكنهم عبثا يحاولون، غير أنهم نجحوا في ترسيخ الانقسام بين الناس وفي خلخلة جذور الجزرة من دون اقتلاعها.

هذا ما فعلته الطبقة السياسية والمالية في لبنان التي تحاول عبثاً إسقاط لبنان وتقسيم شعبه وخلخلة وجوده واستقراره، مع أنها حققت جزءاً كبيراً من خططها التي طاولت الدولة ومؤسّساتها وأموالها، ونجحت في إنتاج قوانين انتخابية على قياسها، وقضت على أيّ حلم بالإصلاح والتغيير والمحاسبة والأهمّ بالنسبة لها أن وفرت مقومات ديمومتها للاستمرار طويلاً في السلطة، وإنْ تحوّل لبنان إلى ما يشبه الهيكل العظمي، وشعبه الذي خلد باكراً إلى النوم العميق، بعد ان خارت قواه وسلبت إرادته وأفقدته وعيه وحريته وصادرت قراره.

حكاية الشعب بكلّ مأساويتها ومساوئها ومرارتها مع الطبقة الحاكمة لن تدوم إلى ما لا نهاية، لأنّ الشمس تولد من عتمة الليل، والقمر يضيء الليالي الحالكة، وإنْ لم تكن النهاية بفعل إرادة الشعب المنكسرة، فإنها حتماً ستكون بإرادة أفعل وأقوى وأعدل من كلّ البشر، ومهما طال الزمن أو قصر…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى