مقالات وآراء

العلاقات الأذربيجانية ـ الغربية على خلفية حرب قره باغ الثانية

 

صامد باقري*

كما هو معروف، خلال حرب قره باغ الأولى (1988 – 1994)، بالإضافة إلى قره باغ وقعت سبع مناطق أخرى في أذربيجان تحت سيطرة أرمينيا. لحلّ هذا الصراع، تمّ التوقيع على وقف إطلاق النار وتشكيل مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. لم تضمّ هذه المجموعة أيّ دولة إسلامية في جوار أذربيجان وأرمينيا، وكانت تتألف فقط من الولايات المتحدة، فرنسا وروسيا. أدّت المفاوضات التي توسطت فيها هذه الدول إلى بعض الاتفاقيات في مدن مثل بيشكيك، كازان ومدريد. وفقاً لهذه الاتفاقيات، كان من المقرّر أن تسلم أرمينيا خمس مناطق ومن ثم المنطقتين المحيطتين بقره باغ الى أذربيجان، وخلال المحادثات، كان من المقرّر حلّ وضع قره باغ من خلال المفاوضات. مع ذلك، على الرغم من مرور 30 ​​عاماً على بدء المحادثات، لم تتمّ إعادة حتى سنتيمتر واحد من الأراضي إلى أذربيجان. لذلك، انتقدت الحكومة الأذربيجانية الوسطاء مراراً وتكراراً وطالبت بتنفيذ الاتفاقات التي تمّ التوصل إليها بناءً على أربعة قرارات للأمم المتحدة.

هنا تلقت الدولة الأذربيجانية أول ضربة من الغرب في قضية قره باغ. يتذكّر الجميع أنّ الغرب أصدر قراراً في مجلس الأمن الدولي في غضون ساعتين وأرسل قوات إلى الكويت ضدّ صدام، لكن الغرب تجاهل قرارات الأمم المتحدة بشأن إعادة الأراضي الأذربيجانية التي تمّ تبنيها منذ 27 عاماً.

في الواقع، إنّ عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي والتأخير لسنوات ليس بالأمر الجديد على الأذربيجانيين. أذربيجان ليست فقط الآن، فهي تشهد منذ عقود كيف تمّ تأجيل قرارات الأمم المتحدة بشأن عودة الأراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان وعدم تنفيذها. أذربيجان شاهدة على أنّ المجتمع الدولي لا يفعل أو لا يريد الضغط على «إسرائيل». لذلك، لم يكن عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة جديداً على أذربيجان. ومع استمرار ذلك، يوماً بعد يوم تضاءلت آمال البلاد حكومة وشعباً في الأوساط الغربية.

خلال حرب قره باغ الثانية (27/9/2020 ـ 10/11/2020) بدأت أذربيجان في إعادة أراضيها، مستشهدة بقرارات الأمم المتحدة نفسها. في ذلك الوقت، بدأ هؤلاء الوسطاء في ممارسة الضغط السياسي على أذربيجان. زاد دعم تركيا لأذربيجان في حرب قره باغ كمستشار عسكري من غضب جميع وسطاء مجموعة مينسك. مع تسارع تقدّم الجيش الأذربيجاني، دعا عدد من الدول الغربية، بما في ذلك فرنسا، إلى «أمن الكنائس» في قره باغ، حيث كان «التطرف الإسلامي» ووجود «التكفيريين» على جدول الأعمال كلّ يوم.

استمرّت الحرب ليس على المستوى العسكري فحسب، بل على المستوى الإعلامي أيضاً. أظهرت المقابلات التي أجراها رئيس جمهورية أذربيجان مع العديد من وسائل الإعلام الغربية أنّ الغرب قرّر أن يكون معادياً لأذربيجان في حرب الإعلام. تحدثت وسائل الإعلام البريطانية، الألمانية، الأميركية والفرنسية بشدّة إلى إلهام علييف، مدّعية أنّ أذربيجان ارتكبت جرائم حرب وفي بعض الأحيان تحدثت بصراحة عن «الانتهاكات الجسيمة» لحقوق الإنسان داخل أذربيجان. اجاب الرئيس بصبر ومنطق لوقاحة وسائل الإعلام الغربية وتحدث عن الظلم الذي تعرّض له الصحافيون والنشطاء في الغرب خاصة في بريطانيا مثل جوليان أسانج.

بعد عودة مدينة أغدام الى حضن الوطن، جاء إلهام علييف إلى المبنى الوحيد المتبقي في وسط المدينة المدمّرة، المسجد، وألقى خطاباً تاريخياً هناك متهماً العالم الغربي بـ «إسلاموفوبيا». في هذ الخطاب وغيره من خطابات زمن الحرب، كان إلهام علييف يقول إنّ الغرب دائماً هو صامت بشأن تربية الخنازير في المساجد بالأراضي المحتلة، كذالك تدمير المساجد، الأضرحة ومقابر المسلمين.

كان خطاب رئيس أذربيجان عند عودة محافظة كلبجار جديراً بالملاحظة أيضاً. وفي خطابه هاجم بشدة حزب الجبهة الشعبية القومية المدعوم من الأوساط الغربية، وقال إنّ هؤلاء هم من باعوا قره باغ وخاصة كلبجار لأرمينيا. تظهر هذه التصريحات وما شابهها أنّ أحزاب المعارضة والمنظمات غير الحكومية المدعومة من الغرب في أذربيجان وضعهم سيضعف في المستقبل القريب.

عندما انتهت الحرب وأعلن وقف إطلاق النار في 10 من الشهر الماضي، لم تكن هناك أخبار عن وسطاء سابقين من الولايات المتحدة وفرنسا، ولعبت روسيا وتركيا دوراً فقط، وكانت إيران تقوم بدعم كامل لوقف إطلاق النار. بدأ انسحاب الولايات المتحدة وفرنسا من اتفاق وقف إطلاق النار أثار قلق الغرب. كما جاء قرار مجلس الشيوخ الفرنسي بشأن استقلال قره باغ رداً على ذلك. ومن المثير للاهتمام أنّ عضواً واحداً فقط من أصل 350 عضواً في مجلس الشيوخ الفرنسي صوّت ضدّ استقلال قره باغ.

هكذا، خلقت حرب قره باغ الثانية فجوة سياسية كبيرة بين الغرب وأذربيجان. هذه الفجوة تبدو واضحة لدرجة أنّ الرئيس إلهام علييف دعا بشكل علني الدوائر الغربية، خاصة الاتحاد الأوروبي، البرلمان الأوروبي، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وفرنسا الى التحدي. مع ذلك، من السابق لأوانه عزو تدهور العلاقات إلى المجال الاقتصادي.

من المواضيع المثيرة للاهتمام، مستقبل العلاقات بين أذربيجان و«إسرائيل» التي يدعمها الغرب بالكامل في الشرق الأوسط؟ يزعم البعض أنّ باكو ستزيد العلاقات مع تل أبيب، وحتى ستفتح السفارة في تل أبيب بسبب الأسلحة التي باعتها «إسرائيل». لكنه يبدو أيضاً بعيد المنال. على الرغم من حقيقة أنّ أرمينيا فتحت سفارتها في الكيان «الإسرائيلي» قبل ثلاثة أشهر، فمن غير المرجح أن تتخذ أذربيجان خطوة مماثلة. السبب يعود إلى العلاقات بين أذربيجان وتركيا. تخضع باكو القريبة جداً من أنقرة لتأثير السياسة التركية. انتقد الحزب الحاكم في تركيا مؤخراً بحدة البحرين والإمارات العربية المتحدة لتطبيع العلاقات مع «إسرائيل». في هذه الحالة من غير المحتمل أن تسمح لأذربيجان بخطوة مماثلة. بالإضافة إلى ذلك، صوّتت أذربيجان مراراً للبيانات المؤيدة لفلسطين وسورية في اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز.

*باحث في معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الوطنية الاذربيجانية للعلوم وخبير في شؤون الشرق الأوسط في وكالة أنباء «سلام نيوز» الأذربيجانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى