ثقافة وفنون

يا وجع التيه.. يا صباحات الهسيس

} مصطفى بدوي*

أيها الشعر:

ايها الشعر يا المتهتك بطبشور اللغة..

يا الأليف كما نهر الفولكا على شفاه بوشكين..

يا صباح التعب.. يا المنير كالعتمة.. يا مرقاة الريح ويا وجع التيه..

يا المجلجل كالنسر حين تصلب الألسنة..

يا قيثارة الصمت.. يا الفسيح في مضايق الروح ويا الضيق كالفسحة..

يا الرغوة المخضبة بالسراب.. يا السراب المدمّى بالغرق.. يا الغرق المغرورق بالتانغو.. لا البحار تسيجك.. لا الضفاف ولا الشرود ولا القوافي تمرّغك.. فأنت.. أنت المهاب المدلّى من وجيب العنب!

***

أيقونة

أمامها تبدّدت المعاول وارتجت الأرض..

هي بنت الخطيئة

رمانة التكوين،

منتجع فسيح لاندلاع الحبق..

نهوند البدايات.. تذكرة الغمام نحو طفولته النازفة..

عنب يلوح من مرج قصيّ في اشتعال الغسق.. تلويحة الشهداء الأخيرة.. كرنفال اللغة..

صباحات الهسيس.. أيقونة النهر حين توضأ بالمطر..

تلك بعض أسمائها وهذا انتماء البدويّ لانخطاف الكلام.

***

شاعر

أيها الفانوس المهشّم كأباريق اللغة..

الفؤوس ارتخت في يدي امام اللحاء..

قطاع الطرق ناموا دونما صخب مخفورين بالنبيذ هذه الليلة..

ونوفاليس زارني طيفه الارجواني كما لو انه على مشيئة الماء  يتنزه  في اوستراد الغيوم..

سئمت التفاصيل ولا شيء يغري المسافر في الوجوم الجحيمي..

قال شاعر في وصيته القصيرة قبل أن يغرق في أوقيانوس الغياب.

***

في شارع متعدّد

في شارع يفصل بين الهواء والنافذة يتمطى الشعر باسطاً ذراعيه أو قد يغط في فرح لذيذ بفعل التسكع في مروج المجاز..

في شارع لا يؤدي إلا الى نفس الشارع تتنزه بنات أفكاري بالميني جيب.. يتداولن اسرارهن بخفة عشق ويضللن آباءهن الموسميين طوراً وطوراً يجففن دموع الخذلان..

في شارع مزدحم بالفراغ تتدافع قطعان الصخب نحو أرائك الموتى.. تئن من وجع القيامة مفردات التفاهة.. تستحم الفراشات في زهوها العالي ولا شيء يوقفها في  اقتراف الألم.

في شارع مغرورق بالحمرة القانية وحدها أرملة الصياد كانت تجمع طحالب البحر في مخيالها  وترتبها على وقع  دقات أغاني الرعاة.. وتلتهم السردين.

في شارع يلفّه جيش مهزوم سقطت نجمتان: نجمة للنشيد وأخرى ليد في الغرق.

في شارع مشؤوم كبرت قصيدة شاعر لاحظ له في الضرائر والزحاف.. وعلته أنه شاعر حتى الأرق!

***

هناك فقط في جسر ما

هناك في جسر ما ليس بالضرورة اسمه ميرابو

 ولا كليفتون

 ولا بريستول

  ولا بروكلين

فقط في جسر ما معلّق في أهداب مكان ما من هذا العالم المجنون نوعاً ما  تركتك تقطفين المشمش البريّ في الظهيرة.. وكان السحر يشع من عينيك.. أجل من عينيك الزرقاوين مثل بحيرة كسلى في الشمال الاسكندنافي..

وحين تركتك استلمتني البحار كأي مهاجر أفريقي يطوي ملاءته ويبدّد وحشة الغرق بكتابة رسالة الى أمه ليمنحها الأمل في معالجتها من الزهايمر دونما أمل في الشفاء

هناك في جسر ما ليس بالضرورة اسمه ميرابو

ولا كليفتون

ولا بريستول

ولا بروكلين

فقط في جسر ما معلق في أهداب اللغة

تركتك ترحلين نحو أنهار الغسق..

 

*شاعر من المغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى