مقالات وآراء

التاريخ لن يرحمنا لو صمتنا

 

 

فيوليت داغر

يتناول هذا المقال موضوعة اللقاحات التي بدأت تُطرح في الأسواق والتي استقبلها قادة دول وصنّاع رأي وإعلام بالتهليل، وكأنها الخلاص لما نعيشه من حظر وتباعد اجتماعي وإجراءات اعتُمدت دون أسس علمية كافية. ذلك رغم أنه لم يثبت أنّ كوفيد 19 هو فعلاً أخطر من سواه، حيث نسبة الوفيات في مجمل البلدان التي قدمت الإحصاءات لم تتجاوز 0,05%. في حين أنّ الوفيات من أمراض أخرى لم يتمّ التعامل معها بنفس الطريقة تحصد سنوياً أكثر بكثير من هذه النسبة. مع ذلك استوجب الأمر مباراة بين المختبرات الكبرى لطرح لقاحات بشكل استعجالي وخلال أقلّ من سنة دون التأكد أنها آمنة على صحة البشر.

التلقيح أو التطعيم هو بالمبدأ إدخال شكل أخفّ من المرض الذي يُخشى منه في جسم الشخص السليم. قد يكون ذلك فيروساً ضعيفاً أو معطلاً أو مواد صغيرة يصنعها الفيروس يُفترض بها أن تنشّط جهاز مناعة الجسم ودفاعاته الطبيعية. هو بمقدار ما يكفي للتسبّب فقط بردّ فعل الجسم وتأهيله ليتفاعل بشكل أسرع عند الإصابة بالمرض الحقيقي، وليس كثيراً بما يجعله يتسبّب بمرض خطير على الفور

فجهاز المناعة يحتاج أن يتعلم كيفية محاربة المرض، كونه يتفاعل ببطء عندما يصاب بمرض غير معروف لأول مرة. وبالتالي بضعة أيام تكون ضرورية لاختبار ردود أفعال مختلفة وإيجاد الردّ المناسب. في حالة الأمراض الخطيرة والمميتة، قد يتأخر الجسم جداً للبدء بردّ الفعل، ما يمنح المرض وقتاً للتطور والتسبّب بأضرار وعقابيل قد تؤدي بعض الأحيان لوفاة المريض، وبنفس الوقت لانتقال العدوى لمن حوله. من هذه الأمراض الخطيرة والقاتلة التي طُوّرت لقاحات لها: الجدري وداء الكلَب والكوليرا وشلل الأطفال والجذام. في المقابل لا يوجد حتى الآن لقاح ضدّ السرطان والإيدز وهشاشة العظام والسكري والزهايمر والعديد من الأمراض بما فيها تلك المتعلقة بالمناعة الذاتية التي تتسبّب بخسائر فادحة في الأرواح.

فتنظيم التطعيم مكلف مالياً ويستغرق وقتاً طويلاً عندما يتعلق الأمر بتلقيح جميع السكان، مثلما هو مطروح حالياً، كما يمكن أن يحمل آثاراً جانبية، يُفترض عموماً أن تكون أقلّ حدة من المرض نفسه. أما المناعة التي يوفرها اللقاح فهي ليست دائماً قوية جداً، بما يفترض تكرار التلقيح. لذا، فالأمراض ذات الخطورة المنخفضة على الشباب والأصحّاء يكون من الأفضل عدم التطعيم لها. وهو الخيار الذي تمّ اتخاذه لفترة طويلة لأمراض مثل الحصبة والجدري المائي والنكاف، التي هي قليلة الخطورة على الأطفال لكنها خطيرة في مرحلة البلوغ. لقد كنا نعيش في عالم بدا فيه تلقيح جميع الناس طويلاً ومعقداً ومكلفاً كما محفوفاً بالمخاطر وغير فعّال دائماً. فبالنسبة للأنفلونزا مثلا، يجب تكرار التلقيح كلّ عام دون أن تكون الحماية مضمونة في كثير من الأحيان. بحسب موقع رسمي سويسري للتلقيح معروف بمصداقيته، إنفوفاك، نقرأ: «بالاعتماد على الموسم والناس الذين تمّ تطعيمهم، تقدّر الدراسات فعالية اللقاح ضدّ الإنفلونزا من 20 إلى 80٪»

أما بما يخصّ الشقّ الثاني لموضوعنا واللقاحات المطروحة ضد فيروس كورونا الجديد، فقد بات معروفاً أنّ هذا الفيروس قد تحوّر مرات بما جعله مختلفاً عن ذاك الذي ظهر عليه في بداياته. بالتالي، يُطرح السؤال عن مدى الحاجة للقاح؟ ثم أنّ اللقاحات المطروحة حديثة جداً، لدرجة أنّ المجلات العلمية نفسها تتجنّب نشر كلّ ما يجب بخصوصها. والأنكى أنه جرى القفز على قواعد السلامة الأساسية، بموافقة السلطات الرسمية من أجل «اللقاح بأيّ ثمن». لا بل دفعت السلطات السياسية والصحية، أوروبية وأميركية أقله، بهذا الاتجاه بإعلانها منذ البداية أنّ القواعد ستكون أكثر مرونة من المعتاد، في الوقت الذي تشكل مسألة اللقاحات واحدة من أكثر التقنيات الصحية حساسية في عالم الطب. ففي وقت مبكر، أيّ تموز/ يوليو 2020، أعلنت مثلاً المفوضية الأوروبية أنّ ترخيص اللقاحات المضادة لـكوفيد 19 سيكون «بناءً على بيانات أقلّ اكتمالاً من التفويض العادي». بالتالي، حصل في غضون أشهر قليلة ما استغرق سنين طويلة لأمراض أخرى (كوفيد 19 من 5 إلى 8 أشهر، مقارنة بالإيبولا 5 سنوات، فيروس الورم الحليمي 15 سنة، الانفلونزا وجدري الماء 28 سنة).

في هذا السباق نحو اللقاحات، كانت المختبرات المتنافسة إما تريد السير بسرعة مع الامتثال لبروتوكولات السلامة، وإما أن تكون الأولى في السباق مهما يكن. لكن بعض صانعي اللقاحات شعروا أنهم غير مستعدين بعد، كأن أجّلت مختبرات سانوفي وجلاكسو سميث كلاين، إثر نتائج مخيّبة للآمال وبمواجهة صعوبة ضمان سلامة جيدة، إطلاق لقاحها حتى نهاية عام 2021. كذلك تمّ إيقاف لقاح في أستراليا في المرحلة الأولى من التجارب في جامعة كوينزلاند.

يمكن القول عموماً إنّ العديد من الأسئلة حول اللقاحات تظلّ بلا إجابة ولا يزال هناك الكثير من المناطق الرمادية، منها مدة حماية اللقاح والقدرة على التلقيح الواسع. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، سيستغرق تطعيم جميع الناس سنوات، خاصة مع لقاحات فايزر ومودرنا التي يجب تجميدها ناقص 73 درجة مئوية والتي لا يوجد بلد مجهّز لها بشكل كاف. أما بما يخص الأعراض الجانبية والتأثيرات على المديين المتوسط والطويل، فهنا المحك والشغل الشاغل للكثيرين الذين اعترضوا على القبول القسري بالتلقيح، خاصة أنه حصلت وفيات لمتطوّعين جرى التعتيم عليها.

كذلك، بعض اللقاحات (كـ أسترازينيكا وجونسونجونسون وسبوتنيك 7) تحوي جزيئات معدلة وراثياً، ولا تعرف آثارها على المدى الطويل. فرنسا ابتاعت من أسترازينيكا رغم أنّ التشريع لديها الذي يحكم الكائنات المعدلة وراثياً واضح ولا يقبل الطعن. بعض تقنيات هذه اللقاحات منها DNA و mRNA لم يتمّ ترخيصها على البشر، وحتى في مجال الزراعة هي محدودة جداً. مع ذلك انطلقت بداية ديسمبر الحالي حملة شعواء ضدّ البروفسور كريستيان بيرون، وهو نائب الرئيس لمجمع خبراء اللقاح في منظمة الصحة العالمية قسم أوروبا، لتصريحه بأن اللقاحات من الخلايا المعدلة جينياً ليست فعلاً لقاحات وإنما «منتجات لعلاج جيني».

أحد المخاطر، وفقاً لـ Criigen، لجنة أبحاث ومعلومات مستقلة معنية بالهندسة الوراثية: أن جزء الفيروس الموجود في اللقاح الذي تنتجه الخلايا المعدلة وراثياً من الممكن أن لا يتمّ طيّه بشكل صحيح. فالطيّ الخاطئ للبروتين يُحتمل أن يؤدي لعواقب غير متوقعة وأحياناً ضارة جداً. فأمراض البريون كمرض جنون البقر أو كروتزفيلد جاكوب وغيره، ترجع إلى عيوب بسيطة في طي بروتين معيّن. لكن ليست كلّ عيوب الطيّ تصنع بريونات.

إذن لقاحات الحمض النووي والحمض النووي الريبي تضمن حقن «شفرة» جينية في خلايانا، وهذا الرمز يوجهها لصنع جزء صغير من فيروس كورونا سارسكوف 2. ولكي يكون فعّالاً يجب أن يصل إلى الخلية. لهذا السبب قررت جامعة أكسفورد (لقاح أسترازينيكا)، والروس بلقاح سبوتنيك، استخدام «ناقل» للتأكد من وصول رسالة الحمض النووي الريبي إلى الخلية. وهو فيروس آخر (الفيروس الغدي)، يتمتع بميزة معرفة كيفية دخول خلايانا بسهولة. اختار الإنجليز في أكسفورد استخدام فيروس غدي من الشمبانزي المعروف بأنه ليس ضاراً بالبشر كناقل، بينما فضّل الروس استخدام فيروس غدي بشري ضعيف.

تجارب على البشر للمرة الأولى

أما الأميركيون مع موديرنا وفايزر، فاختاروا الاستغناء تماماً عن ناقل الفيروس «الطبيعي» وصنعوا بدلاً من ذلك، «غلافاً اصطناعياً» مكوّناً من جزيئات نانوية من الدهون كوسيلة نقل لدخول الخلية. وهنا يكمن المجهول الكبير، كون هذه التقنية لم تستعمل من قبل على البشر خارج تجارب سريرية.

يعتبر البروفيسور إريك كاومس، رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى بيتيهسالبيتريير في باريس، وهو المعارض بشدة لـ «المعارضين للقاحات»، بأنّ الوقت ما زال ينقصنا لتقييم لقاحات الحمض النووي الريبي. أما البروفيسور أكسل كان، رئيس رابطة مكافحة السرطان، فيقول إنه شخصياً يفضل الانتظار قبل حقنه بلقاح معدّل وراثياً. وهي مواقف الكثيرين ممن وقعوا العرائض للاحتجاج أو خرجوا بالإعلام والمظاهرات رافضين التلقيح. كذلك صرح الطبيب روبرت كنيدي الإبن أنّ الضرر الجيني الذي يسبّبه اللقاح الذي طوّره وأقرّه انتوني فوتشي بتمويل من بيل غيتس والذي يستخدم تقنية mRNA التجريبية يمثل مشكلة من حيث الصحة والأخلاق والضرر الجيني الذي لا يمكن إصلاحه. وهؤلاء عينة صغيرة من اختصاصيين كثر عبّروا عن مواقفهم المعارضة للتلقيح المتسرّع.

كنت أنهي هذا المقال عندما وصلتني صورة من صديق تبرز فيها سيدة صفحة من صحيفة تعود لعام 2011 وتحمل صورة لبيل غيتس وكتابة بالخط العريض: «خفض وتقليص أعداد السكان من خلال فرض التلقيحات». طبعاً هذا الأمر لم يعد خافياً كونه صرّح هو نفسه بشيء من هذا، كما كتب عن ذلك كثر. فهل والحال هذه ما زلنا نتساءل لماذا لمَ يتمّ الانتظار حتى إجراء جميع اختبارات السلامة بشكل صحيح ودراسة الحلول بعمق واختيار الأفضل منها بعد معرفة كاملة بالحقائق؟ أو لماذا عدم اللجوء لطرق أخرى مثل  Molnupiravir، هذا الدواء التجريبي المضاد للفيروسات الذي، بعد الاختبارات الأولية على القوارض، وجدوا أنه يمنع انتقال الفيروس خلال 24 ساعة فقط؟

أليس لنا أن نتساءل لماذا لم يخبرنا وزراء الصحة في بلداننا، الحريصين على صحة وسلامة مجتمعاتهم، وبدل تصديع آذاننا عبر الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع بأعداد الوفيات اليومية والتهويل بالإصابات التي لا تعني الكثير، لماذا لم يعلموا البشر أنّ جزيئات طبيعية مثل فيتامين (د) لوحدها تخفض للنصف عدد حالات العدوى، والاستشفاء، والوفيات من كوفيد 19؟ لماذا تمّ تجاهل الأدوية الطبيعية مثل العلاج بروائح وزيوت وأعشاب معروفة بفعاليتها المثبتة بدراسات ضدّ الفيروس، منها الارتميزيا وأخرى غيرها ثبتت فعاليتها من الصين وبلدان آسيوية إلى أفريقيا، تمّ الاعتماد عليها بدرجة كبيرة ضدّ كوفيد؟

دراسة نشرت نهاية سبتمبر الماضي في مجلة Frontiers in pharmacology  قام بها باحثون عشرة من مراكز طبية وجامعات في إنجلترا وإيرلندا وبولندا والبرازيل، درسوا 39 نبتة معترف بها رسمياً على أنها طبية من قبل منظمة الصحة العالمية ومعاهد دولية مختلفة مثل وكالة الأدوية الأوروبية، وجدت أنّ خمسة منها بنوع خاص (Althaea officinalis, Commiphora molmol, Glycyrrhiza glabra, Hedera helix, Sambucus nigraفاقت فعاليتها ضدّ كوفيد 19 الأدوية المقارنة بها.

 لماذا لم يتحدّث أحد عن «اللقاح» الطبيعي لباحثين أتراك خرج الإعلان عنه في دراسة نشرت على موقع «ذي لانست» العلمية، بنفس الوقت الذي أعلنت فيه فايزر عن لقاحها وبفعالية 90% مماثلة، لكن دون أن يكلف الأموال الطائلة كونه معروفاً من عشرات السنوات، وهو لا يحتاج لحقنه أو الاحتفاظ به مبرّداً تحت 20 او 70 درجة، كما لا يخشى منه على الجهاز المناعي أو الموروث الجيني؟ هذا «اللقاح» الوقائي يمكن أن يوزع لسكان المعمورة بثمن زهيد كونه من مادة «كرستين» (quercétine موجودة في البصل مثلاً) والفيتامين «سي» والبروميلايين (bromélaïneولو افترضنا أننا أضفنا لهذه العناصر الثلاثة الزنك والفيتامين «D» لوجدنا أنّ نسبة الوقاية ترتفع عن هذا الحدّ بالنظر لأهمية العناصر الخمسة لتحصين جهاز المناعة ضدّ هذا الفيروس وغيره. لكن يبدو أنّ سلطان شركات الأدوية وما يرمي له من هم في تحالف معها قد طغى وتجبّر لدرجة تخطت كلّ الاعتبارات وكأن الناس باتوا أطفالاً أمام جبروت أب هو وحده يعرف ما المفيد وما يجب فعله. ألا يحق لنا، إزاء هذه «الدكتاتورية الصحية» التي تسري كالنار في الهشيم في معظم البلدان التي لجأت للحجر والإغلاق ومختلف أنواع المنع البوليسي والتحرك المشروط والمؤطر وتعطيل الحريات، التساؤل عما هم فاعلون أهل الحق والعدل وأين هم مما يجري في ظلّ شبه صمت وغياب أطبق على الأنفاس؟ نأمل ألا يتأخر الوقت لتكشف الحقائق وينبلج الصبح على ما يرفع الغمّ عن الصدور.

رغم أن الشركات المنتجة للقاحات اعتمدت بجزء كبير على دعم الحكومات التي هي مجباة من دافعي الضرائب، فمنها كفايزر ومودرنا من رفض بيع اللقاح بسعر الكلفة كونها لن تفرط ب 40 مليار دولار أرباح بعد حسم الضرائب. فالمختبرات الخمس الأكبر في هذا السباق حصدت خلال هذا الصيف فقط 145 مليون دولار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى