اقتصاد

انعقاد منتدى «مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة في مكافحة غسل الأموال» طربيه: القطاع المصرفي استطاع تأمين استمراريته

أعلن رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية الدكتور جوزيف طربيه، أن «القطاع المصرفي اللبناني استطاع تأمين استمراريته واستمرارية فروعه خارج لبنان العاملة في أكثر من 30 بلداً، مع ميل بارز إلى الانكفاء المنظّم والخروج من أسواق عدّة من خلال بيع بعض الفروع الخارجية أو إقفالها، وتابع أداءه ضمن بيئة سياسية واقتصادية وقانونية صعبة، واتخذ تدابير طوارئ في لبنان بالنسبة لتصعيب الحركة الحرّة للتحويلات إلى الخارج، وكذلك بالنسبة للسحوبات النقدية بالعملات الأجنبية. كما تقوم المصارف اللبنانية بتنفيذ خطط إعادة هيكلة وإعادة رسملة ضمن توجيهات البنك المركزي اللبناني وتعاميمه».

كما لفت إلى أن «البنك المركزي اللبناني وأجهزة الرقابة ومكافحة تبييض الأموال استمرت في تأدية مهامها العادية، بما يجنّب لبنان مخاطر تراجع السمعة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المتأزّمة».

وكان اتحاد المصارف العربية  بالتعاون مع الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، عقد منتدى تحت عنوان «مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة فى مكافحة غسل الأموال»، في حضور حشد  من قيادات مصرفية عربية وأسواق البورصات العربية وبعض البنوك المركزية العربية، حيث شارك فيه أكثر من 250 شخصية على مستوى رؤساء مجالس الإدارات والرؤساء التنفيذيين من كل من مصر، الكويت، سلطنة عُمان، العراق، السودان، ليبيا، الأردن إلى جانب لبنان، وذلك في فندق «موفنبيك» –  بيروت.

وقال طربيه «إننا في اتحاد المصارف العربية، والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، سنحرص دائماً على إعطاء موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأهمية القصوى، باعتباره من أخطر المشكلات التي تؤثّر على مسار المهنة المصرفية العربية، وعلى العلاقات بين قطاعنا المصرفي العربي والمؤسسات الرقابية الدولية».

وأضاف «لا يخفى على أحد أن العقوبات الاقتصادية وما يتبعها من تجميد للأصول وتحقيقات مالية وجنائية، باتت تستخدم اليوم كسيف مصلت وسلاح مدمّر على دول العالم كله، تلجأ إليه الدول العظمى للدفاع عن مصالحها السياسية والإستراتيجية بديلاً عن اللجوء إلى حروب طاحنة تكبّدها خسائر بشرية وأضراراً كبيرة، ويساعدها في ذلك إمساكها بالمفاصل الأساسية للاقتصاد العالمي. والمعلوم أن العقوبات الاقتصادية تنتج مخاطر سمعة كبرى للدول بشكل عام، وللمصارف والمؤسسات المالية بشكل خاص قد تؤدّي إلى زوالها من الوجود، تحت شعارات كبرى مثل مكافحة الفساد وغيرها. وقد تتسبب العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية بتنامي ظاهرة صيرفة الظل (Shadow Banking)، حيث تبرز مشكلة جديدة تتجلى في ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة».

وشدّد على «أن الحل الموضوعي في هذا المجال يتطلّب تشدّداً أكثر في الرقابة الداخلية والتوسّع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة «إعرف عميلك»، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون ما بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنيةكما تؤدي العقوبات إلى ما يُعرف بالتهميش المالي (Financial Exclusion) لفئات كثيرة من المجتمع ما يعيق تقدمها وازدهارها».

وتحدث في افتتاح  المنتدى إلى طربيه، الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح، وعبد الحفيظ منصور الأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة في لبنان، والنائب ياسين جابر عضو لجنة المال والموازنة، والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي.

وكان فتوح افتتح الملتقى بكلمة أوضح فيها أن «الاتحاد أنشأ وحدة جديدة ضمن جهاز الأمانة العامة تحت مسمى: وحدة التحول الرقمي «UABdigital» ووقعنا مذكرات تفاهم وشراكات مع أكبر 12 شركة في العالم تقدّم خدمات للتكنولوجيا المالية Fintech، بهدف النهوض بإستراتيجيات التحوّل الرقمي في المصارف الأعضاء لدى الاتحاد، وبناء القدرات للكوادر المصرفية، وتمّ توقيع أيضاً إتفاقية مع المعهد العالمي للإبتكار Global Innovation Institute   في مجال التدريب والتطوير والتي لديها شهادة معتمدة دولياً».

ثم تحدث منصور فقال «إن مسألة العقوبات الاقتصادية، وإن إزداد تطبيقها خلال العقد الأخير إلاّ أنها ليست بجديدة، ولعل العقوبات الأكثر تأثيراً هي تلك المتعددة الأطراف الصادرة عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهي ملزمة التطبيق على جميع الدول الأعضاء فيها، وهناك عقوبات متعددة الأطراف صادرة عن الاتحاد الأوروبي (European Union) وهي واسعة النطاق أيضاً، وهناك عقوبات أحادية الجانب (unilateral) تصدر عن دول معينة، كالعقوبات الصادرة عن الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا مثلاً.

وأضاف «لعل العقوبات التي تصدر عن الولايات المتحدة هي الأكثر غزارة، و قد تكون حسب الحالة بناءً للقوانين الأميركية المعنية مثل:

  • الفقرة 311 من الـ USA PATRIOT ACT
  • قانون HIFPA-I و HIFPA-II
  • قانون قيصر (Caesar Act)
  • International Emergency Economic Powers Act (IEEPA)
  • قانون ماغنتسكي (Magnitsky act) وغيرها».

وقال «بعد صدورها، يقوم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية OFAC بتنفيذ ومراقبة تطبيق قرارات العقوبات ولأجل حسن التنفيد يصدر المكتب تعاميم توضيحية لضبط آليات وصرامة الالتزام بالعقوبات الأولية والثانوية التي تطال أشخاصاً من جنسيات أجنبية وعمليات حاصلة خارج الولايات المتحدة الأميركية».

وتابع «بالنسبة  للجهات المتلقية والمتأثرة  بهذه العقوبات من مصارف ومؤسسات مالية، يتوجب الأخذ بالاعتبار مسائل عدة أهمها:

1- التوفيق بين القوائم المختلفة ودمجها وتطبيقها خلال إجراءات العناية الواجبة وعند إجراء العمليات.

2- تطبيق قوانين وأنظمة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والحصول على معلومات دقيقة ومحدثة عن العملاء والعمليات.

3 – التحقق من هوية الأشخاص إن كانوا يمثلون أنفسهم أم أنهم أشخاص الظل لآخرين (Shadow individuals) ،  وهنا تبرز أهمية تحديد صاحب الحق الاقتصادي أو المستفيد الحقيقي بشكل دقيق.

وقد تكون الوسيلة الأنجع لمراعاة المسائل الآنفة الذكر هي باعتماد برامج التزام متكاملة وفعّالة، تحقيقاً لموجبات الامتثال  ترتكز على الأسس والمبادئ  التالية:

1 – التزام إداري رفيع المستوى، أي وجود قرار إداري صادر من قمة الهرم الإداري، أي من مجلس الإدارة، وهذا الأمر يقع في صميم المتطلبات الرقابية ومبادئ الحوكمة الرشيدة، ويساهم  في إرساء ثقافة الامتثال في المؤسسة ككل، وفي تعزيز الإجراءات الداخلية لدى المصرف ويحميها من مخاطر عدم الامتثال.

2 – تقييم المخاطر الذي يجب أن يُبنى وينطلق من مخاطر البلد ككل كما خلصت إليه دراسة «التقييم الوطني لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في الدولة» ويسقط ذلك على  الخدمات والعملاء وجغرافية الأعمال.

3- ضوابط داخلية فعّالة (Internal controls) للتأكد من حسن تطبيق القوانين والأنظمة وإجراءات العناية الواجبة على العمليات، بالإضافة إلى توثيق المستندات الداعمة والتقارير اللازمة.

4 – إجرآت المراجعة والتدقيق (Testing and auditingللعمليات والإجراءات.

5 – التدريب المستمر للموظفين والإداريين للتأكد من معرفتهم للمستجدات والاتجاهات  وأبرز التطورات ذات الصلة».

وأشار إلى «أن لاعتماد وتطبيق هذه المبادئ والأسس دوراً أساسياً وهاماً في إقامة واستمرارية التعاملات مع البنوك المراسلة، كما هي هامة بالنسبة للهيئات الرقابية، التي تتوقع من المؤسسات المصرفية:

1 – أن تكون على علم دائم بكل المسائل المتعلقة بالعقوبات الدولية والالتزامات المتصلة بها.

2 – الامتثال بمتطلبات العقوبات السارية.

3 – اعتماد وتطبيق الأنظمة والضوابط الداخلية المناسبة ومراجعتها بشكل مستمر للحد من المخاطر.

4 – عدم تجاهل الأماكن والجهات المصنفة ذات مخاطر منخفضة.

5 – عدم الاعتماد بشكل تام على وسطاء للقيام بإجراءات العناية الواجبة على العملاء.

6 – التأكد من تدريب  الموظفين على المسائل المتعلقة بالعقوبات وأبرز المؤشرات ذات الصلة».

أما جابر فقال «لقد أصبحت العقوبات سلاحاً فتّاكاً يدمّر مستقبل أفراد وكيانات ويركّع دولاً. وتوسّع استعمال هذا السلاح بشكل مذهل فلا يمضي يوم إلاّ يُعلن فيه عن عقوبات على أفراد أو كيانات أو دول، وفي هذه الأيام أصبحت ما يُسمّى بالحروب الناعمة التي تخاض من خلال سلاح العقوبات في بعض الأحيان أخشن وأكثر فعّالية من الحروب التي تخاض بالأسلحة الثقيلة».

ثم تحدث السفير زكي، فقال إن المنطقة العربية «تواجه تحديات جساماً في مجال مكافحة غسل الأموال، فبالإضافة إلى التحديات التقليدية كضعف السيطرة على عمليات التهريب على الحدود، وضعف التشريعات، وقلة العناصر البشرية المؤهلة، هناك تحديات أخرى جديدة معقدة، فرضها الواقع الذى نعيشه».

وأشار إلى «ثلاثة أمور هامة هي:

الأول: أن الفكر الإجرامي لغسل الأموال يتنامى ليتأقلم مع ما تتيحه العولمة وثورة المعلومات من سهولة في انتقال الأموال.

الثاني: أن بعض دولنا العربية مرّت للأسف الشديد بأزمات وجودية. وشهدت أحداثاً جسيمةً خلال العقد المنصرم عصفت بمقومات الدولة. واستولت مجموعات إرهابية على السلطة المحلية. بل وأقامت تحالفات مع الشبكات الإجرامية العابرة للحدود لبيع كل ما يمكن بيعه من بشر وآثار ومخدرات وبترولإن الأمر يحتاج في تلك الدول وبشكل سريع إلى حلول سياسية تنهي حالة الاحتراب، وتعيد قوام الدولة من خلال خطط محكمة لإعادة بناء قدراتها على أسس سليمة.

الثالث: أن قوى عظمى صارت تتوسع مؤخراً في فرض معايير جديدة في قوانينها الداخلية توجب على جميع الدول اتباعها. وأنها وسعت، بداعي مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، من نطاق اختصاص قضائها الوطني ومجال تطبيق قوانينها الداخلية ليتجاوز حدودها الجغرافية بشكل يعتبره البعض مساساً بسيادة الدول وأداةً للضغط على الحكومات وعقابها. ولذلك فقد يكون من المهم التفكير سوياً فيما يتوجب فعله لضمان تجنيب أنظمتنا المالية الآثار الجانبية لتلك الممارسات».

وقال «إن جرائم غسل الأموال تحتّم على الدول العربية مزيداً من التعاون وتبادل الخبرات لتعزيز تعاونها البيني في مكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية وتطوير مؤسساتها الوطنية داخلياً لتتأقلم مع تطور الجريمة المالية. وهو ما يستدعي تعاوناً أفقياً مفتوحاً لتشكيل مجموعات عمل مشتركة تتعاون فيها الجمارك والشرطة والقضاء والمصارف والدبلوماسية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى