بايدن وحتميّة العودة للتفاهم النوويّ
ناصر قنديل
– تمتلئ الصحف العربية والأجنبية والقنوات المموّلة من دول الخليج بتحليلات وتقارير ومواقف لخبراء، تركز على تعقيدات تعترض طريق عودة إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، تبني عليها الاستنتاج بأن بايدن سيجد طريقاً آخر غير العودة للاتفاق، وجوهر التعقيدات التي يجري استعراضها التي تتوزّع بين مستجدات الملف النووي نفسه، ما يستدعي بعد الخطوات التي اتخذتها إيران منذ الانسحاب الأميركي من التفاهم، ما هو أكثر من مجرد إعلان إيران عن العودة للالتزامات، وهو ما قاله مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة لاعتبار ملف الصواريخ الإيرانية البالستية والملفات الإقليمية الملتهبة في اليمن وسورية والعراق أسباباً إضافية لتعطيل فرص العودة للتفاهم.
– معلوم أن إيران ترفض أي مراحل انتقالية، تتضمن تفاوضاً يسبق العودة للتفاهم، وتصرّ على اعتبار العودة الأميركية المطلوبة بلا شروط لتقابلها عودة للالتزامات من جانب إيران، وعندها ينعقد لقاء الخمسة زائداً واحداً، الذي تشارك فيه الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والاتحاد الأوروبي كشركاء مع الدول المعنية، وفي هذا الإطار الراعي للتفاهم يتم التداول بكل القضايا التقنية التي أراد مدير الوكالة مطالبة إيران بها عبر تصريحاته التي رفضتها إيران، أما في شأن الملفات الأخرى التي يتحدّث عنها الأوروبيون والأميركيون سواء ملف الصواريخ الإيرانية أو ملفات النزاع الإقليمية، فهي قضايا سبق وكانت مطروحة قبل التوقيع على الاتفاق النووي، وفي النهاية بقيت قضايا خلافية وتقرّر السير بالاتفاق رغم بقائها.
– السؤال الذي يواجه بايدن، هو الذي واجهه مع الرئيس باراك أوباما عام 2015، أنه في ظل وجود قضايا عالقة مع إيران، ما هي الطريقة الفضلى للتعامل مع الملف النووي، مواصلة الرهان على العقوبات أم الذهاب للحرب أو الاحتكام لقواعد التفاهم، وكان قرار ثنائي أوباما بايدن يومها، الاحتكام للتفاهم، وهذا ما شرحه أوباما مراراً بقوله إنه يدرك أن الاتفاق سيئ، لكنه يدرك أن البديل الذي يمثله الرهان غير الموثوق على العقوبات، مخاطرة كبرى بإضاعة الفرصة، وصولاً لاكتشاف لحظة تمتلك فيها إيران قنبلة نووية، شارحاً كيف أن واشنطن كانت تكتشف مع كل توقف للتفاوض وعودة للعقوبات أنها عندما تعود للتفاوض أن الملف النووي زاد تعقيداً وقدرات إيران زادت نمواً، بينما الحرب مغامرة أشد خطورة، ولا تزال ردود أوباما على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يومها، بنظر فريق بايدن صالحة اليوم، وفقاً لنتائج تجربة الرئيس دونالد ترامب.
– يقول فريق بايدن إذا كانت الحرب خياراً، فلماذا لم يلجأ إليها ثنائي ترامب ونتنياهو، أما عن العقوبات فيستعرض فريق بايدن، حصيلة السنوات الأربع لمشروع ترامب نتنياهو، بالخروج من الاتفاق النووي والرهان على العقوبات، التي تسببت بالكثير من الخسائر لإيران، لكنها لم تخل بنظام الحكم ولا فرضت على القيادة الإيرانية التنازلات المطلوبة، وبالمقابل خسرت واشنطن وحلفاؤها الكثير في هذه السنوات، سواء في تطور مقدّرات إيران النووية وغير النووية، أو في تراجع وضع حلفائها وتقدم حلفاء إيران، ففي هذه السنوات تحققت الانتصارات الكبرى لسورية، وامتلك حزب الله الصواريخ الدقيقة، وتحوّل أنصار الله إلى قوة عظمى تمسك بأمن الخليج.
– فريق بايدن يقول إن التفاهم الذي كان خياراً سيئاً في عام 2015، هو خيار أشد سوءاً في 2020، لكن الرهان على العقوبات كان مخاطرة كبرى عام 2015 وصار حماقة كبرى وانتحاراً في العام 2020، والحرب التي كانت خياراً على الطاولة عام 2015 لم تعد خيار مطروحاً للنقاش في 2020.