أولى

السياسات المتهوّرة لـ «ترامب» لها سقف في الفترة الانتقاليّة…

 د. جمال زهران*

لعلّ الاتجاه السائد حالياً في التحليل السياسي في الشأن الأميركي بخصوص ما يمكن أن يفعله «ترامب» خلال الفترة الانتقالية، والتي مضى منها أكثر من نصف الوقت، ولم يعُد متبقياً إلا أقلّ من شهر واحد، هو أنّ ترامب سيمارس عمليات انتقامية في المنطقة، قد تصل إلى هجوم عسكري على إيران، سواء بالقوات الأميركية المباشرة أو بالوكيل الصهيوني (إسرائيل).

وقد سبق أن تناولت بالتحليل ما هو مستقرّ في إدارة الفترة الانتقالية بعد سقوط مَن يشغل المنصب الرئاسي في الولايات المتحدة، حيث تتسم هذه الإدارة بالهدوء لإعداد المسرح للرئيس الجديد. ولكن المشكلة قد تختلف من الرئيس الجمهوري إلى الرئيس الديموقراطي.

فالثابت أنّ الرئيس الأميركي الجمهوري، ينجح عندما يدخل انتخابات الفترة الثانية ويعتبرها نزهة انتخابية، وتجديداً للثقة أكثر من كونها انتخابات تنافسية حقيقية، وباستثناءات قليلة للغاية، أبرزها سقوط جورج بوش الأب في انتخابات عام 1992، رغم إنجازاته الكبرى في مقدّمتها سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي بنهاية عام 1991! ثم السقوط المدوي لـ «ترامب» عام 2020، والذي لا يزال لا يعترف بنتيجة الانتخابات، ولا بالمجمع الانتخابي الذي اجتمع خلال الأيام الماضية وأقرّ نجاح جو بايدن بـ (306) مقاعد، مقابل (232) مقعداً لترامب! ولا يزال يُصرّ ترامب، على الاستمرار في التقاضي ورفع الدعاوى القضائيّة، رغم فشله في جميع الدعاوى التي رفعها، ورفضها القضاء، وتأكيد نجاح بايدن!

فقد طار عقل الرجل الذي فقد صوابه، لأنه لم يكن يتوقع سقوطه نهائياً، رغم أنّ جميع استطلاعات الرأي العام كانت ترجح نجاح بايدن. فقد تهاوى الرجل، ورسب ترامب رسوباً غير متوقع له، الأمر الذي أدّى بعقله إلى التفكير الجنونيّ، ويظهر ذلك في أسلوبه في إدارة الفترة الانتقالية المتبقية من فترته الأولى والأخيرة بطبيعة الحال.

أما الرؤساء الديمقراطيّون، فالغالب أنهم يأخذون فترة واحدة ويسقطون في الانتخابات، آخرهم جيمي كارتر، رغم إنجازه في عملية «السلام» بين مصر والكيان الصهيوني، وباستثناء (بيل كلينتون)، الذي أمضى فترتين كاملتين، رغم فضائح «مونيكا»، لو تذكرون، وأيضاً باستثناء الرئيس «أوباما» الذي أمضى فترتين كاملتين، رغم محاولات الإفشال وإشاعة التمييز العنصري باعتباره الرئيس «الأسود» الذي ينتمي إلى الجذور الأفريقية، وأبيه الإسلامي! والغالب أيضاً أنّ الرئيس الديمقراطي الذي يسقط في الفترة الثانية وآخرهم (جيمي كارتر)، لم يثر أية مشاكل في الفترة الانتقالية.

أما الرئيس الجمهوري «ترامب»، فإنه يسعى لإثارة المشاكل والمتاعب، إصراراً منه على الاستمرار في المشهد حتى آخر لحظة، بما يتسق مع توقعاته أنه مستمرّ ولن يسقط في الانتخابات تحت مؤثرات نفسية، وعلى الجانب الآخر، يحفر الأرض أمام الرئيس القادم، بإثارة المشاكل التي تعوق عمله، وتؤدي بإدارته إلى الفشل من اليوم الأول.

ولا يزال السؤال قائماً: ما هي حدود أو ما هو سقف التصرفات المتوقعة لهذا الرئيس المتهوّر «ترامب»، الذي لم يعد أمامه سوى أقلّ من شهر (30 يوماً)، ويمضي إلى مربع الذكريات، أو السجن حسبما هو محتمل؟!

الصحيح أنه قد أتى ببعض التصرفات المتهوّرة، بعزل عدد من المسؤولين في حكومته من أبرزهم وزير الدفاع ووزير العدل وغيرهما كثير، وهو أمر غير معتاد في الفترات الانتقالية نهائياً. وقد استشرف البعض من ذلك تأزيم الأمور والدفع بالعالم عامة والمنطقة العربية خاصة إلى حافة الهاوية، ومن ذلك توجيه ضربة عسكرية إلى المفاعلات النووية في إيران، إرضاء لـ «إسرائيل»، وإرضاء لدول الخليج. غير أنّ الذين توقعوا ذلك، لم يأخذوا في الاعتبار درجة ردّ الفعل الإيراني في هذه الحالة! الأمر الذي جعل إيران تستعدّ عسكرياً وتعلن عن منظومة صواريخ جديدة، دقيقة التسديد، وبعيدة المدى، وكذلك منظومة البحرية الإيرانيّة إلخ

ولذلك لا أزال عند رأيي وتوقعي أن توجيه ضربة عسكرية لإيران، هو من المستحيلات في ضوء درجة التوازن بين الضربة وبين ردّ الفعل.

ولا يجب أن ينسى المحللون، ردّ الفعل الكبير لإيران إزاء اغتيال أميركا للقائدين سليماني والمهندس، ولا يزال هذا محلّ تحليل شامل داخل أروقة البنتاغون!

ولكن الذي يفعله «ترامب» لتأكيد وجوده.. هو ممارسة الألعاب البهلوانية في المتاح والمضمون، وذلك بمحاولة إضافة دولة عربية جديدة (المغرب) إلى الدول العربية المطبّعة مع «إسرائيل»، فأصبحت الدولة الرابعة رسمياً بعد (الإماراتالبحرينالسودان)، تأكيداً لصهيونيته. بالإضافة إلى محاولة رأب الصدع في العلاقات الخليجية، في إطار أزمة الدول الثلاث الخليجية (السعوديةالبحرينالإمارات) مع دولة قطر، ولا تزال الأزمة قائمة رغم بوادر إيجابية تبدو في الأفق لحلحلة الأزمة. ولكني أرى أنّ هذه الأزمة لن تحلّ في عهد ترامب كما يتمنّى هو ومستشاره كوشنر (زوج ابنته)!

وخلاصة الأمر أنّ السلوك الخارجيّ لترامب له سقف وحدود، ولا تتوقعوا إقدامه على ضربات عسكرية لإيران أو لغيرها، وكلّ قراراته ستصبح حبراً على ورق مثل العقوبات التي يفرضها كلّ يوم، ومثل «الاعتراف الترامبي» بالصحراء المغربية ملكاً للمغرب، وتحت سيادتها، مثلما أعلن من قبل أنّ الجولان أصبحت ملكاً للكيان الصهيوني! إنه الهراء بلا شك.

فالعالم أصبح يعدّ الأيام عداً تنازلياً، من أجل خروج ترامب من البيت الأبيض بلا عودة، حتى يلتقط الجميع أنفاسه حتى إشعار آخر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى