نقاط على الحروف

الذين يقولون إن هناك مشروع تدويل للبنان؟

 ناصر قنديل

يجري التداول السياسي في الفترة الأخيرة بالكثير من الملفات السياسية والقضائية والمالية وينتهي التداول بالتبشير بتدويل هذه الملفات، بصفته قدراً ينتظر اللبنانيين، وأحياناً بصفته تهديداً لهم إذا فشلوا بتقديم الحلول الوطنية، ويتم تقديم الأمر بصفته وجبة جاهزة تنتظر الوقت فقط، سواء في ملف التحقيق بتفجير المرفأ، أو في ملف الأزمة الاقتصادية والمالية، أو في ملف ترسيم الحدود، وصولاً لحديث البعض عن وصاية دوليّة تضع لبنان تحت الفصل السابع بصفته دولة فاشلة.

لا يمكن الفصل بين هذا التبشير الذي يرد بلغة واثقة وبين كونه تعبيراً عن رغبات وتمنيات أصحابه، الذين لا يزالون يعيشون في الماضي الذي كانت فيه كلمة التدويل تعادل الأمركة، سواء لجهة القدرة على اتخاذ القرار بفرض التدويل كخيار بقرار أممي أو بقوة التدخل العسكري، أو لجهة المسار الذي يريد التدويل أخذ البلد المعني إليه، فلا ينتبهون إلى أن العالم تغيّر خلال عشر سنوات إلى حد موت النظام العالمي الأحادي الذي ظهر بصورة كاريكاتورية مع التصويت الذي شهده مجلس الأمن الدولي على المشروع الأميركي لتجديد حظر السلاح على إيران، مع نهاية الحظر تلقائياً بتوافق رافق الاتفاق النووي دولياً ونص عليه الاتفاق، وحمل المشهد صورة ساخرة تمثلت بتصويت دولة الدومينيكان وحدها من أصل 14 عضواً آخرين في المجلس إلى جانب الطلب الأميركي.

السؤال الذي يتجاهله الذين يهوّلون بالتدويل هو هل يمكن إقرار التحقيق الدولي في تفجير المرفأ، أو الذهاب إلى أكثر من ذلك بإقرار وضع لبنان تحت الوصاية الدولية، وصولاً للحديث المستجدّ عن الحياد، بغير إحدى طريقتين، الأولى طلب لبناني صادر عن السلطات الدستورية، التي يعرف الجميع أن أي قرار بهذا الحجم يحتاج إلى التوافق ليصدر عنها، والثانية توافق دولي يخص على الأقل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهنا يحضر موقف روسيّ نهائي وثابت وغير قابل للرجعة يشرط الموافقة على أي قرار يخصّ دولة ذات سيادة بموافقة سلطاتها الدستورية، وأي طلب يخص دولة في حالة نزاع بتوافق أطرافها المتنازعة وحصر المهمة الدولية حتى يتحقق التوافق بالوساطة بين هؤلاء الأطراف تمهيداً لتحقيق التوافق.

الذين يراهنون على التدويل قد يتسبّبون، من خلال التدمير الذاتي الذي نشهده لإمكانية تقدم الحلول الوطنية التوافقية، بأخذ البلد إلى الفوضى، من خلال ثقتهم المفرطة أو رغبتهم العمياء بالقفز في المجهول، فما نشهده من أبواب مغلقة يراد للملفات الساخنة أن تقف أمامها، عبر ما نشهده في مسار التحقيق العدلي الذي لا نعلم ما إذا كان اندفاع المحقق العدلي للتصادم مع المجلس النيابي جزءاً من سياق تتحدّث نقابة المحامين عن بديل دوليّ للخروج منه، ويخشى أن تكون هذه حساباته، ومثله ما نشهده في الملف المالي ورفع السقوف في الاتهامات حول تعطيل التدقيق المالي الجنائي، الذي شهد عبر المجلس النيابي أمس خطوة معاكسة لكل الاتهامات. وما نشهده في الملف الحكومي من تعقيد وتصعيد، فالوهم بوجود مشروع للتدويل قد يدفع بأصحابه إلى ارتكاب سقطات قاتلة بحق لبنان، وأغلب هؤلاء يضمرون في خلفية تفكيرهم الاعتقاد بأن وصاية دولية ستنال من المقاومة وسلاحها ولو تحت عنوان الحياد. وهذه الوصاية عندهم الطريق الوحيد لتحقيق هذا الهدف، ولذلك يغامرون بإقفال طرق الحلول الوطنيّة لأنهم يظنون أن إيصال الأمور إلى الطريق المسدود في أي ملف سيعني تسريع الفرص أمام تدويل مفترض لن يأتي أبداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى