مقالات وآراء

زينب قاسم سليماني في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده لـ«الميادين»: كان يرى نفسه جندياً حقيقياً للشعب الإيراني والثورة واعتبر كل أبناء الشعب كأسرته تماماً

في مناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قائد لواء القدس السابق الشهيد الجنرال قاسم سليماني ورفيقه نائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في 3 كانون الثاني العام الماضي، استضافت قناة «الميادين» في حوار شامل وحميم زينب كريمة الشهيد سليماني.

وأدار الحوار رئيس مجلس إدارة قناة الميادين الإعلامي الكبير غسان بن جدو، حيث تركز عن الشهيد قاسم سليماني الإنساني، الثوري، المؤمن، القائد الميداني، الاستراتيجيّ، السياسي، الخادم للشعب، الأب الرقيق القلب، الجَدّ الدعوب مع أحفاده، المسؤول المتواضع الذي يأنف سيارات النخبة ليرتقي الحافلات الشعبية ويناقش ركابها، الفدائي لشعبه وأمته، الراعي عوائل الشهداء والمعني بشؤونهم وهمومهم.. وأخيراً طالب الشهادة الذي ناله وكانت أقصى حلم يبتغيه من حياته الدنيا.

حوار لا يمكنكم قراءتهم إن لم تمسكوا قلوبكم ومآقيكم شغفاً وحزناً

سليماني القائد الإنساني

{ غسان بن جدو: أخت زينب، يشبهون شجاعتك وشخصيتك القوية بوالدك حتى يمكن القول إنك ربما تكونين قاسم سليماني الفتاة، حدثينا عن العلاقة الخاصة بينك وبين الشهيد قاسم سليماني كيف هي؟

زينب سليماني: أولاً أريد أن أوضح بشأن هذا اللطف من قبلكم، حيث إنكم وصفتموني بأنني قاسم سليماني بهيئة فتاة. أريد أن أقول أنا لست بهذا المستوى، يعني الحاج قاسم لا يُقاس بأحد، ويجب أن لا يُقاس بأحد. أنا ممكن أن أخطئ.

بالنسبة إلى علاقتي مع والدي، هذه العلاقة موجودة مع كل إخوتي. هو كان يحبنا، وكانت لديه علاقة مميّزه معنا، كل واحد بحسب شخصيته. كانت علاقته مميّزة مع أختي نرجس وفاطمة وأخوَيَّ حسين ومحمد رضا. أنا الولد الأخير في العائلة. أنا كنت في البيت حينها، وطبيعي أن أقضي وقتاً أكثر منهم معه. كنت أحبّه بشكل خاص، وكنت أحب أن أستفيد من أي فرصة لأكون معه. عندما كبرت، هو كان مهتماً جداً بعوائل الشهداء. كان يقلق عليهم. كانوا يعنون له الكثير، وكان يحب الاهتمام بهم، وحلّ مشكلاتهم، إن وجدت. عندما كبرت، تفضّل عليّ وطلب مني أن أكون الوسيط بينه وبينهم، حتى يطّلع بشكل مباشر على أحوالهم. بعد استشهاده، أحسست بأنه كان يريدني أن أعرف هذه الأجواء والظروف أكثر، وأتعلم من عوائل الشهداء وحياتهم. على كلّ، هذا العمل أيضاً قرّبني إليه أكثر، وبسببه أيضاً كنت أقضي معه وقتاً أكثر. كنت أحب أن أكون رفيقته وأتعلم منه. كل هذا سبّب علاقة خاصة بيننا. برأيي، كان الحاج قاسم يعمل وينجح بسبب قلبه الحنون والرؤوف؛ الأصل والأساس كان ذلك القلب الطيب والحنون. الحاج قاسم كان يستحوذ على قلوب الناس.

{غسان بن جدو: الجنرال قاسم سليماني كان قائداً عسكرياً كما قلتِ، ولكنّه كان ميدانياً دائماً، كيف تفسرين أن الشهيد قاسم سليماني لم يكن يتصرّف كقائد عسكري نظامي، من مكتبه. شخصيته هذه، كيف هي؟

زينب سليماني: ما ذكرتموه الآن كنا نعاني منه لسنوات. نحن في كل مرحلة من حياتنا كنا عرضة لضغوط وتوترات كبيرة. كنا نعرف أن الوالد ليس من أولئك الذين يعملون خلف مكاتبهم ويديرون الأمور من بُعد، مع أنه كان يستطيع أن يفعل ذلك. كان يستطيع من مكتبه أن يدير المعارك. من المؤكد أنكم شاهدتم كيف أنه أحياناً كان يتوجه الى الخط الأمامي للجبهة على دراجة نارية عادية ليرصد العدو، ومن ثم يعود إلى الخلف. دائماً كنت أساله لماذا لا توجّه وتتابع الأمور من مكتبك؟ لماذا تذهب شخصياً الى هناك وتعرّض حياتك للخطر بهذا الشكل؟ كنت أقول له أنت قائد، إذا استهدفوك فستتأثر كل الجبهات، كل المحور. كتب لي..

المهجّرون كأولادي لا فرق.. إن حبستموني في المنزل أموت

{غسان بن جدو: هو كتب لكِ، ماذا كتب؟

زينب سليماني: نعم. في عمليات آمرلي كتب لي. قبل ذهابه أنا كنتُ قلقة للغاية. طلبت منه البقاء معنا أياماً إضافية عدة، لأنه كان قد عاد إلينا منذ أيام، وكنت مشتاقة إليه جداً. كنت أشتاقه، وهذه المسألة كانت صعبة عليّ. كانت صعبة لأنني كنت أقلق عليه كثيراً عندما يذهب. كتب لي كيف تطلبين مني أن لا أذهب؟! هؤلاء الشباب المظلومون محاصرون. أنا أملهم بعد الله. كيف لا أذهب؟ هؤلاء ينتظرونني لأذهب وأساعدهم. عندما أشاهد أيّ امرأة مهجّرة وتعاني من هذه الحرب، أتذكر زينب ابنتي. أتذكّر فاطمتي ونرجسي. أتذكّر بناتي وأولادي. هؤلاء مثل أولادي لا فرق. من واجبي الذهاب، أنا لا أستطيع البقاء. إذا أردتم أن تحبسوني في البيت فأنا سأموت.

المسألة الأخرى التي كانت تدفعه إلى الحضور الشخصي في الميدان، وكانت مهمة بالنسبة إليه، هي أنه كان يقول: هؤلاء المقاتلون أنا قائدهم. القائد والجندي سواسية في الميدان. حياتهم مهمة كما حياتي، لا فرق

كان يطلب الشهادة ويناديها

{ غسان بن جدو: كان يبحث عن الشهادة ويريد أن يستشهد؟!

زينب سليماني: نعم هو كتب لي. كان يكتب دائماً أنه يبحث عن الشهادة. إنه كان يبحث عن الشهادة على الجبهات، وإنه كان تعباً وحزيناً من مشاهدة أصدقائه يُستشهدون. كان يعشق الشهادة.

كان يهزأ بالأعداء لتهافتهم على قتله

{ غسان بن جدو: هل يمكن أن نضيف إلى توصيفك الأول، أن الحاج قاسم كان رؤوفاً، أنه كان أيضاً شجاعاً، وهذه شخصيّته وذهنيّته؟

زينب سليماني: كان شجاعاً كثيراً. منذ طفولته، الشجاعة متجذّرة في تلك الشخصية، ورافقته إلى الجبهات والحروب. ما نسمعه من عمّاتي وعمومتي عن طفولته من ذكريات وأحداث يبيّن كم كان شجاعاً منذ الصِغر. وبقيت هذه الصفة معه حتى أصبح قائداً

عاتبني لأني غمرته بيديّ لأحميَه

{ غسان بن جدو: أنت كنت معه في سورية أليس كذلك؟ تعرّضتما للخطر أنت وهو بين المطار ودمشق.. هل هذا صحيح؟

*زينب سليماني: حصلت الأمور فجأة، ونحن فوجئنا. في ذلك الوقت كان الأوتوستراد باتجاه المطار، على خطّين، تحت سيطرة داعش والمسلحين. عندما صعدت الى السيارة حصل الانفجار، نظرت إلى ما حاولي ورأيت كل شيء مظلماً. فكرت في أنه ماذا عليّ أن أفعل؟ ماذا أفعل لأحميه؟ غمرته بيديّ الاثنتين. مددت يدي من الخلف لأحضنه، بحيث إذا أطلقوا النار نحونا أُصاب أنا لا هو. هو كان يضحك. لم يفهم في البداية لماذا قمتّ بذلك. تصوّرَ أنني فعلت ذلك لأنني كنت خائفة. بعدها عندما وصلنا قال لي أنت غمرتني لتحميني. واستاء مني، لأنه ما كان يريد مني أن أفعل ذلك. قال لي ماذا لو أصابك مكروه؟ كنت سأحزن كثيراً.

الشعب الإيراني عنده تماماً كالسوري واللبناني والفلسطيني واليمني

{غسان بن جدو: الشهيد سليماني قاتل في سورية. فما الذي كان يفكر فيه بشأن الحرب في سورية؟ كيف كان يرى الحرب في سورية؟ يعني عندما كان يروي لكم، كيف كان يصوّر لكم الحرب في سورية وهو يواجهها؟

زينب سليماني: هناك مسألتان كانتا مهمتين بالنسبة إليه بشأن هذا الموضوع؛ يعني كلما كان يتحدّث عن هذه القضية، كان يذكرهما وكأنهما سببان أساسيان له؛ القضية الأولى وجود حرمَي السيدة زينب والسيدة رقيّة هناك. يعني هذا جانب مرتبط بعقيدتنا الدينية. هو كان يعتقد بأننا يجب أن لا نسمح بأن يتكرر ما حصل في التاريخ بالتعدّي على أئمتنا. أحد الأسباب القوية التي كانت وراء دخوله القويّ الى سورية أنه كان يعتبر أن هناك تقارباً بين سورية وإيران ولبنان. وهذه الحدود المشتركة كانت خطرة. في أي لحظة كان العدو يستطيع أن يوسّع نفوذه ويصل حدود إيران ويدخل اليها. كان يستطيع أن يهدّد حدودنا. هو في الحقيقة كان يدافع عن سورية وإيران معاً. بالنسبة إلى الحاج قاسم لم يكن هناك فرق بين الشعب اللبناني أو السوري أو الإيراني أو الفلسطيني أو اليمني.

الرئيس الأسد شجاع جداًلم يفرّ من المواجهة

{ غسان بن جدو: هل حدثكم مرة عن شخصية الرئيس بشار الأسد؟

زينب سليماني: عن الرئيس بشار الأسد، أذكر في بداية أحداث سورية، وقد كانت الأحداث تتفاقم شيئاً فشيئاً، أذكر أنني سألته عن رأيه بشخصية الرئيس الأسد. وأذكر أن جوابه كان لافتاً. قال حينها إني أعتبره شخصاً شجاعاً جداً، يهتمّ بشعبه ويحبه بشكل لافت.. الرئيس الأسد صمد ودافع عن شعبه وبلده بقوة وصلابة. هُدّد باستهداف قصر الرئاسة، ولكنه لم يترك القصر، حتى يرفع من معنويات شعبه ومستوى صموده. وحينها خرج إلى الشعب وألقى خطابات عدة أيضاً.

 إرث الحاج قاسم لن يسمحباستمرار احتلال فلسطين

{  غسان بن جدو: باعتبارك ابنته، ما الذي كنت تسمعينه منه في ما يتعلق بالقضية الفلسطينيّة، وقضيّة القدس؟

زينب سليماني: بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، كان قائداً ومسؤولاً عن قوة تحمل اسم القضية، قوة القدس للحرس الثوري، الى جانب مسؤولياته الأخرى على صعيد المنطقة. الشأن الفلسطيني والشعب الفلسطيني كانا مهمَّيْن جداً بالنسبة إليه. كان مؤمناً بمساعدة هذا الشعب المظلوم بشتى الطرق. نشاهد كيف يخافون من ردّ المقاومة الفلسطينية. الشعب الذي كان يدافع عن حقه بالحجر، ملأ قبضته بالسلاح ليدافع بشكل أقوى عن أرضه. ولكن يجب أن يعرف الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية أن إرث الحاج قاسم لن يسمح باستمرار الاحتلال لفلسطين، وإن شاء الله سيتحقق الوعد الذي تحدّث عنه السيد القائد قريباً.

 الإسرائيليّون جبناءوتصرّفاتهم حمقاء بسبب جبنهم

{ غسان بن جدو: كيف كان يفكر الشهيد قاسم حيال «إسرائيل»؟ أو الدعم الأميركي لـ»إسرائيل»؟

زينب سليماني: هناك أمور كنا نعرف أننا يجب أن لا نسأله عنها. لكنه في الموضوع الإسرائيلي كان يستهزئ بالعدو. كان يقول إنهم جبناء جداً، ويقومون بأفعال حمقاء بسبب جبنهم. نحن لدينا قوة التوكل على الله، وهم لا يعرفونها ولا يفهمونها، وغافلون عنها. لا يدركون معنى أننا نتوكل على الله ومشيئته، ومعنوياتنا لا تُقاس بمعنوياتهم.

امتزاج دم الشهيدين سليماني والمهندس وحّد الشعبين الإيراني والعراقي باتحاد لا ينفكّ

{  غسان بن جدو: الشهيد سليماني كانت له علاقة خاصة مع العراق، حتى أنه استُشهد على أرض العراق. وكانت لديه علاقه خاصة تقريباً مع كل القيادات هناك، ولكن ربما كانت له علاقة مميّزة مع الشهيد أبو مهدي المهندس. أولاً لماذا كان يحب العراق بهذا الشكل، وما هو نمط العلاقة بينه وبين الشهيد أبو مهدي المهندس؟

زينب سليماني: صحيح أن الحاج قاسم كان يركّز أكثر على الموضوع العراقي ويبذل جهوداً مضاعفة بشأنه. الحضور الأميركي في العراق ليس هو نفسه في دول أخرى. في العراق هم ينشطون علناً أكثر، وبشكل بارز وواضح أكثر، لذا نحن كنا نشاهد كيف كان الحاج قاسم يبذل جهوداً مضاعفة بشأن العراق، لأنه كان مهماً بالنسبة إليه، وطبيعي أن يكون مهماً. من جهة بسبب وجود مراقد أئمتنا هناك، ومن جهة أخرى بسبب الجانب السياسي والعسكري والأمني للعراق بالنسبة إلى إيران. هناك أخطار يمكن أن تهدّد إيران من الجانب العراقي أكثر من أي بلد آخر.

أما بالنسبة إلى موضوع الشهيد أبو مهدي المهندس، فلقد اختلط دمُ الكبيرين عندما استُشهدا معاً. برأيي هذه مشيئة الله أن يستشهد هذان الكبيران معاً حتى يختلط الدم ويُنشئ اتحاداً قوياً بين الشعبين الإيراني والعراقي، اتحاداً لا ينفك ولا يضعف.

ماذا أقول عن علاقته بالشهيد أبو مهدي؟! كانت لديهما علاقة عميقة وقلبية مميّزة. أنا شخصياً عندما كنت أسافر معه، لم أرَ أبداً، ولا مرة واحدة ولا في أي مكان، لم أرَ أبي وحيداً من دون أبو مهدي المهندس. كان معه دائماً. قال لي مرة أبو مهدي شخصياً، إنه يطلب من الله إذا حدث أي مكروه للحاج قاسم، أن يكون قد رحل عن هذه الدنيا ولا يكون في يوم كهذا، لأن هذا الأمر بالنسبة إليه غير قابل للتحمّل.

السيد عبدالملك الحوثي شخص استثنائي

{غسان بن جدو: ولا شك في أن صمود الشعب اليمني هو صمود كبير وشجاع. كيف كان يفكر الشهيد الحاج قاسم تجاه اليمن واليمنيين وصمودهم؟

زينب سليماني: كان يمدح المقاومة اليمنيّة دائماً. كان يقول: كم هو مقاوم هذا الشعب وصبور وواثق بمشيئة الله وواثق بقيادته، على الرغم من الصعوبات والضغوط الكثيرة التي يواجهها ويعاني من جرّائها. عن السيد الحوثي، كان يحبّه كثيراً جداً. كان ينتعش عندما يسمع خطاباته. كان يعتبر خطبه شجاعة. وكان يقول إنه من القيادات القوية جداً للمقاومة.

برأيي، يكفي أننا نرى كم يخافه آل سعود، وكيف يخافون من ردّه على أي عدوان، هو شخص استثنائي فعلاً.

السيد نصرالله مختلف تماماًوكان مصدر اطمئنان تام

{ غسان بن جدو: العلاقة المميّزة التي كانت بين الشهيد قاسم سليماني والسيد حسن نصر الله فعلاً نادرة. كيف تصف زينب سليماني، ابنة الشهيد سليماني، علاقة الشهيد بلبنان وبحزب الله، وتحديداً بالسيد حسن نصر الله؟

زينب سليماني: بالنسبة إلى علاقته بالسيد نصرالله، لساني يعجز عن وصفها، لأنها علاقة أكبر وأعمق من أن أصفها أنا. أنا أعتقد أن السيد حزن كما حزنّا نحن باستشهاد الحاج قاسم. علاقتهما لم تكن علاقة عمل. أنا شاهدة على والدي كيف كان يتحدّث عن السيد في بيتنا، وكيف كان يصفه. علاقتهما كانت أخوية قلبية. كان بينهما عشق أخويّ، من الطرفين. حقيقة لا أستطيع أن أصف العلاقة بينهما.

{ غسان بن جدو: كيف كان الحاج يصف السيد حسن؟

زينب سليماني: لقد كان والدي إنه مرتاح البال من جهة حزب الله. كان يقول السيد موجود وأنا مطمئن. كان وجود السيّد يمثّل قوة قلب له. برأيي أنه عندما كان يشعر بضيق، فإنه بعد التوكل على الله، والسيد القائد، كان يحس بأن السيد موجود، وهذا كان مصدر اطمئنان وراحة له.

السيد عندي هو أكثر من قائد للمقاومة

{ غسان بن جدو: أنتِ قابلتِ السيد حسن بعد استشهاد الحاج قاسم. بالنسبة إليك مَن هو السيد نصر الله؟

زينب سليماني: بالنسبة إليّ هو أكثر من قائد للمقاومة. أقول بالنسبة إليّ كشخص، هو بمقام عمّي. إذا احتجت إلى من أستشيره فهو الحاضر. علاقتنا عائلية. بالنسبة إلينا هو أكثر من قائد المقاومة.

أبي كان يعتبر نفسه جندياً للشعب ويحبّه ويستخدم الحافلات الشعبيّة في تنقلاته

{ غسان بن جدو: الحاج قاسم سليماني كل مَن عرفه يقول إنه كان ثورياً. كيف يمكنك أنت، كابنته، أن تحكي لنا عن الحاج قاسم، هذا الرجل الثوري وعلاقته بالجمهورية الإسلامية وبالثورة وبالإمام الخميني وبالسيد خامنئي وغيرهم، ولا سيما أنه كان، كما كان ظاهراً، فوق الأجنحة. يعني هو لم يكن مع جناح ضد جناح آخر، كما فهمنا؟

زينب سليماني: أنتم قلتم إن الحاج قاسم كان شخصية فوق الأجنحة. أبي كان يعتبر نفسه جندياً للشعب. وحقيقة، كل خطوة كان يُقدم عليها كانت لخدمة هذا الشعب. ما كان الأمر يختلف بالنسبة إليه، سواء أكان هذا (المواطن أو المسؤول) من هذا الجناح السياسي أم من ذاك، ومن أي طبقة اجتماعيّة، ومن أي دين كان. حقيقة لم يكن هذا هو المعيار بالنسبة إليه. أنتم بالتأكيد سمعتم خطابه الذي انتشر، وهو معروف جداً، الذي قال فيه إن تلك البنت غير المحجبة كما البنت المحجبة، الاثنتان هما ابنتاي، هاتان هما مجتمعي. هذا ما كان يؤمن به حقاً. كان يقول دائماً أنا جندي هذا الشعب، ومن واجبي أن أخدم هذا الشعب، من أي مجموعة سياسية كان. كل هذه التيارات السياسية لم تكن مهمة بالنسبة إليه، ولم يقيّد نفسه يوماً بهذه التيارات السياسية

أبي كان جندياً للثورة والجمهورية وقيادتهما

{ غسان بن جدو: الشهيد قاسم كان متعلقاً جداً بالثورة والجمهورية الإسلاميتين، كيف كانت علاقته بالإمام السيد علي خامنئي؟

زينب سليماني: هو كان جندياً في مسيرة الإمام الخميني، كما كان جندياً للسيد خامنئي. في السنوات الأخيرة كان يسمع خطابات الإمام الخميني القديمة مراراً وتكراراً، وكان يقول إن هذه الخطابات عميقة إلى درجة أنك كل مرة تسمعها تفهم منها أشياء جديدة. كان يقول يجب أن نسمعها من جديد لفهم فلسفة الإمام الخميني. في ما خصّ الإمام خامنئي، كان يعتبر نفسه جندياً عنده، جندياً حقيقياً. كان يعتقد بذلك بإخلاص، وكان يعشقه. رأيتم وصيّته. رأيتم كيف أوصى الناس به، وطلب منهم أن لا يتركوه وحيداً. عندما كان يشاهده ويسمعه على التلفزيون كان يكرّر: روحي فداك. كان يعبّر عن حبّه له بشكل واضح. علاقته به لا توصف.

{  غسان بن جدو: أخت زينب، عندما كنا نتحدث عن السيد حسن نصر الله وعن حزب الله أيضاً، من المعروف أنه كانت لديه علاقة مع الشهيد عماد مغنية، وهو بنفسه تحدّث كيف بقي كل مدة الحرب في لبنان. ماذا تقولين في هذا الموضوع؟

زينب سليماني: أنا عندما استشهد الحاج عماد تكرّرت مشاهد مع والدي، لم أرَها سوى بحق شخص واحد، وهذه المشاهد كانت عند استشهاد الشهيد الحاج أحمد كاظمي. أنتم شاهدتم في الفيلم المصوَّر كيف بكى والدي وكيف حزن لاستشهاد الشهيد كاظمي. كيف عبّر عن حزنه ولم يتمالك نفسه. أنا شاهدت تكراراً لذلك مع استشهاد الحاج عماد. أتذكر أننا لم نستطع التحدّث مع الوالد لأيام.

{ غسان بن جدو: أخت زينب، أنا أدرك أن لديه خصوصيات عائلية، وأنا أحترمها. ما الذي يمكن أن تحدثينا عنه كابنة الشهيد قاسم سليماني؛ عن الشهيد كإنسان في بيته وفي منزله ومع أولاده وزوجته، في يوميّاته، يقرأ، يمارس الرياضة، كيف يعيش حياته؟

زينب سليماني: شخصيته في البيت كانت مختلفة. يمكن من الصعب على الناس تصوّر ذلك، لكنه كان أباً حقيقياً. مع حضوره القليل في المنزل، كان يهتمّ بتربيتنا. كان يعشق المطالعة. كان يقرأ كثيراً. يقرأ القرآن باستمرار، يقرأ الروايات والكتب العلمية. مثلاً، كان لا مثيل له في علم الجغرافيا. يقرأ الشعر ويحفظه. يقرأ مذكرات الشخصيات المهمة والكتب التاريخية أيضاً. كما كان يحب الرياضة ويمارسها حين يستطيع. أحياناً بعد صلاة الصبح كان يمارس رياضة المشي. أنا وأخي محمد رضا كنا نذهب معه. يوم الجمعة إذا كان موجوداً في البيت كان يُحضِر لنا الفطور. كان يحب ذلك. أحياناً لم يكن شهياً بالنسبة إليه، وهو لا يأكله، ولكنه كان يحب أن يفعل ذلك لنا. كنا نجتمع. كان يلعب مع أحفاده في الحديقة مثل أيّ جَدّ. سمع مرة أنه سيُقام في حضانة أولاد أخي حفل للجدّ والجدّة. كان في العمل، فذهب الى الحضانة بلباس الحرس، وعرّف عن نفسه، وشارك مع أحفاده في الاحتفال. كان مهماً له أن يحفر ذكريات (الجَدّ) في ذاكرة أحفاده.

والدتي استثنائية فعلاً وفي وصيته لها بعد كل عبارة ختمها بـ»سامحيني»..

{ غسان بن جدو: أنتِ قرأت الوصية، ونحن سمعناها عندما قرأها الحاج إسماعيل قاآني. لكن أنت كابنته، ما هو أكثر شيء لفتك في الوصية؟

زينب سليماني: بالنسبة إلى الوصية، كان هناك جزء متعلّق بالشعب الإيراني سُمع ونُشر للعلن. وكان هناك جزءٌ خاص متعلق بالعائلة، وخاص لكل ولد على حدة، ووالدتي. كلّ منّا كتب له وصية خاصة بحسب ما كان يعرفه عن شخصياتنا المختلفة. ما كان لافتاً لي جداً في هذه الوصايا، فقد كنت أعرف أنه كاتب جيّد لأنه كان قارئاً جيداً، وهو كان يكتب كل خطاباته. أما الشيء الآخر الجميل واللافت، فهو أنه كتب لوالدتي وصيةً من عشر صفحات، بعد كل عبارة أو جملة كتب «سامحيني، أنت تعذبت كثيراً في حياتك معي»… أمي عاشت مع والدي حياةً صعبة. دائماً كان في الحروب. ربّت وحدها خمسة أولاد، والدتي استثنائية فعلاً. لم تتعب يوماً، ودعمت والدي دائماً. كان لافتاً لي كيف طلب منها السماح بعد كل عبارة كتبها لها.

{ غسان بن جدو: أنا أعتذر جداً الآن لأنني أسألك هذا السؤال، وهو يتعلق بليلة استشهاد الحاج قاسم. ماذا تقولين عنها؟

زينب سليماني: تذكُّرُ تلك الأحداث والساعات صعب جداً. عندما أفكر في هذا السؤال يتوقف ذهني. تلك الليلة لم أستطع التنفس. لا أدري ماذا أقول عن تلك الليلة! في ذلك اليوم تحدثت معه مرات عديدة. أصرّ بشكل لافت على أن لا أبقى وحدي في البيت. أصرّ على أن أذهب الى بيت أختي فاطمة. لم أفهم حينها سبب إصراره. في آخرِ اتصالٍ قال لي: سأعود، وأعدك بأن نذهب معاً الى مشهد. المهم في ذلك الاتصال أنه قال لي: لا تحزني، إن شاء الله سأعود ونذهب معاً الى مشهد. هو عاد فعلاً، وذهب الى مشهد. لكن أنا لم تُكتب لي هذه السعادة بأن أكون معه.

لو كان لي أن أحادثه وهو في الفردوس لقلتُ:خذني معك

{ غسان بن جدو: رحمه الله. أنا أعرف أنه أكثر سؤال محزن، لكنه سؤالي الأخير. أنت لم تذهبي معه الى مشهد، ولكن الأكيد هو أنه في الجنة والفردوس إن شاء الله. إذا كان يحدّثك الآن، ماذا تقولين له؟

زينب سليماني: سأقول له ما قاله هو في لقاء معه عندما استشهد الحاج أحمد كاظمي. قال له: خذني معك. إذا كان حاضراً هنا، سأقول له من دونك حياتنا صعبة. أنا وأمي وأخواتي واخواني خذنا معك. هذه الأيام لم نرَك منذ سنة. هذه الأيام صعبة جداً. فقط أريد منه أن يأخذني معه.

ونحن نعتقد أن مصير رجل حقير وخبيث كترامب، هذا القاتل، الله لا يسامح بدماء الشهداء، وهو سيدفع ثمن ذلك بأبشع الطرائق الممكنة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى