أولى

المظلّة المعادية في سماء لبنان

 نقولا تويني*

سألت بعض السفراء الأجانب المعتمدين في لبنان لماذا لم تتدخّل بلادهم لوقف الاعتداءات اليوميّة الإسرائيليّة على المجال الجوي اللبناني، وهل هنالك بلد آخر في العالم يحظى بهذا النمط العدوانيّ اليوميّ المكثف في سمائه

خاصة أنّ الخطر المحدق من هذا التصرف بإمكانه إشعال المنطقة بأسرها وتعريض القوات الدوليّة الرابضة على الحدود الجنوبيّة لمخاطر جمة. كما أنّ بإمكان القوى الغربيّة والشرقيّة إيقاف العنتريات الجوية «الإسرائيلية» بكلمة صارمة واحدة. فلماذا لم تفعل؟!

إنّ أكثرية هذه الدول تعتقد أنّ الانسحاب الأميركي الجارف من الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا عامة أصبح قيد التنفيذ وفي خواتيمه وتفضل الانتظار حتى يتبدّد الغبار الذي تثيره أقدام وآليات جحافل الجيوش المنسحبة. وعندها يجري ملء الفراغات سلمياً من كلّ دولة حسب حاجتها وعلى قدر إمكانياتها .

أما «إسرائيل» فهي تقوم بهذا العدوان الجويّ اليوميّ فوق بطاح لبنان شرقاً وغرباً وفقاً لسيناريو تكتيكيّ من أجل سَبر إمكانية امتلاك المقاومة منظومات دفاع جوي، وأيضاً بغية التجسّس ورصد كلّ حركة للمقاومة والجيش، إضافة إلى القيام بمسح يوميّ للمواقع العسكرية ناهيك عن ضرب أهداف مختارة في العمق السوري.

وواقع الأمر في المنظور الاستراتيجي أنّ «إسرائيل» تعلم هي وساستها ومخطّطو القيادة العسكرية أنّ كيانهم الغاصب بات قوة جويّة فضائيّة ليس لها قدرة عملياتيّة على الأرض بالمعنى الاستراتيجيّ .

وتعلم «إسرائيل» جيداً عن الأوضاع التي وصل اليها لبنان ودولته وشعبه والحصار الاقتصادي الخارجي والداخلي المضروب على شعبه واقتصاده، وترى انّ هذه مناسبة جيدة للضغط الجوي الكاسر بغية إعادة تركيب معادلة ردعية كاسرة لصالحها سبق أنْ فقدتها منذ زمن في الحروب البرية من غزة الى جنوب لبنانكذلك تركيب وإنعاش كَوْرَس وأوركسترا في الداخل اللبناني يلحّنان كلّ يوم أنّ المصيبة حَلّتْ لأنّ لبنان وأهله تجرّأوا ودافعوا عن أنفسهم وشرف وجودهم على هذه الأرض الكريمة. وكأنهم كانوا محظوظين في أيام الاحتلال والإذلال، لا مقهورين ومهانين.

كلّ هذه، الأعمال العدوانية منها أو الإعلامية كذبة مفضوحة تشبه الخرافات المؤسِّسة للدولة الصهيونية. صحيح أنّ بعضها نجح في المدى المنظور ولكن من يراهن على أنّ التاريخ يحمي الأكاذيب ويكرّس الخرافات؟

الواقع التاريخي والحقيقة تقول إنّ ما يعانيه لبنان من أزمة اقتصادية هو من صنع ساسته وقياداته الاقتصادية، فشلّة منتفعين قادوا السفينة الى الهلاك بإشارات من الغرب وروّجوا لبلد من دون دولة وجيش ولعاصمة من دون محيط ولقطاع مصرفي من دون اقتصاد وللإسراف من دون ادّخار والاستيراد من دون تصدير وللسرقة من دون حساب.

آن الأوان للرجوع إلى الحق ومحاسبة الماضي والحاضر وإرساء قواعد الخروج من هذا المأزق التاريخي المتشابك. لن نكون ضحية شرقية عربية لبنانية لنزوة «إسرائيل» أو أياً كان من القوى الخارجية ولن نقع في تجزئة المسؤوليات التاريخية طائفياً بل المسؤولية وطنية وحلها وطني وليس طائفياً أو مناطقياً. لدينا عقولنا وتجاربنا المريرة فلنتعظ والحلّ في عقولنا وأيدينا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*وزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى