الوطن

صخرة «تخليت» لغم المفاوضات…

} د. محمد طي*

يطرح وفد العدو الصهيوني على طاولة المفاوضات غير المباشرة مع الوفد اللبناني ما يسمّيه جزيرة «تخليت». ويطالب بمنحها كافّة المساحات البحرية التي تمنح للجزر من مياه إقليمية ومنطقة ملاصقة ومنطقة اقتصادية خالصة. ويرفض الوفد اللبناني المفاوض الاعتراف بهذه «الجزيرة».

فما هو موقف القانون الدولي؟

تخليت هي عنصر بحري يبعد حوالي 800 متر عن الشاطئ الفلسطيني (رأس الناقورة).

 ويدّعي الصهاينة أنّ تخليت جزيرة ولها مركز الجزيرة القانونيّ، إلاّ أنّنا في ضوء القانون الدوليّ نرى أنّها صخرة، مهما ادّعى العدو غير ذلك. فكيف تحدّد الصخرة؟

الصخرة ليست حجراً كبيراً فقط، رأت محكمة التحكيم الدولي «أنّ «الصخرة» لا تتكوّن فقط من الحجارة، بل يمكن أن تتشكّل من موادّ أخرى». وهي «يجب أن تؤخذ بالمعنى الواسع وليس بالمعنى الضيق الجيولوجي أو التعديني».

وحتى تؤخذ الصخرة بالحسبان يجب أن تكون مأهولة أو تقوم فيها حياة اقتصادية حقيقيّة، هذا ما تؤكده السيدة ه ديبلا بالقول: «إنّ الشروط القانونيّة التي تسمح بوصف «الصخرة» بالمعنى المقصود في القانون الدوليّ، يجب أن تقوّم بشكل موضوعيّ، فإذا كان عنصر بحريّ ما لا يتمتّع بإمكانيّة موضوعيّة لاستقبال نشاط اقتصاديّ أو سكن بشريّ، لا يمكن أن يكون له منطقة اقتصاديّة خالصة أو جرف قاريّ.

كما تنصّ المادّة 121/3 من اتفاقية قانون البحار(مونتيغو باي) لسنة 1982، على أنّه «ليس للصخور التي لا تؤمّن استمرار السكنى البشريّة أو استمرار حياة اقتصاديّة خاصّة بها، منطقة اقتصاديّة خالصة أو جرف قاريّ».

فما المقصود بالسكن البشريّ وبالحياة الاقتصاديّة؟

هاتان المسألتان يجب أن تدرسا بالمعنى الكيفيّ والزمنيّ. فـ «السكن البشريّ، كما يرى روبرت كولب: «يجب أن يسمح بنفسه بالإقامة الدائمة لمجموعات اجتماعية منظمة، وبالتالي تكون ذات أهمية ما». وترى محكمة التحكيم الدولي أنه «يجب أن يناسب (السكن) مجموعة من الأشخاص ويلبّي حاجاتها الخاصّة لمدّة غير محدّدة».

وهذا ما خلص إليه المحكّمون في قضية النزاع بين الصين والفيليبين حول جزر سبراتلي، حيث أكدوا مرة أخرى أنّ الجزر التي لا تقوم فيها حياة بشريّة أو نشاط اقتصاديّ لا تتمتّع بمنطقة اقتصادية خالصة ولا بجرف قاري.

 أمّا «النشاط الاقتصاديّ الخاصّ» فيعني القدرة بالنسبة لسكّان العنصر البحريّ أن يقوموا بنشاط اقتصاديّ مستقلّ، بمعنى ألاّ يكونوا معتمدين كليّاً على الخارج». كما أنّ النشاط يجب ألاّ يقوم فقط على نشاطات استخراجيّة.

وصخرة تخليت ليست مأهولة ولا توفر حياة اقتصادية بهذا المعنى. وفي هذه الحالة لا يمنحها قانون البحار مركز جزيرة بمعنى الكلمة، فليس لها منطقة اقتصادية.

وإذا كان العدو أقام أيّ منشأة على تلك الصخرة ليغيّر طبيعتها، فحسب رأي المحكمة، لا يعتدّ بمشاريع تقام عن سوء نيةبهدف وحيد يتمثل بتحويلها (عن طبيعتها) أو اتخاذ أيّ تدبير مصطنع بمناسبة وجود (بشر عليها)، بنيّة حرف نتائج الفقرة الثالثة من المادة 121. فلا يغيّر في الأمر شيئاً أن يحاول العدوّ أن يظهرها على غير حقيقتها بإقامة منشأة ما عليها.

وإذا كان السيد ر. كولب يؤيد موقف محكمة العدل الدولية التي قضت في عدد من القضايا بأنّ الجزر، وحتى النتوءات الصخرية hauts-fonds découvrants، التي تظهر في البحر إبان الجزر وتختفي عند المدّ، تمتلك بحراً إقليمياً، وقرّرت أن يرسم خط الوسط أو منصّف الزاوية bissectrice، الذي يشكل الحدود البحرية بين المناطق الخاصة بالدول، انطلاقاً من نقطة الحدود على الشاطئ وصولاً إلى نهاية المنطقة الاقتصادية الخالصة، ثم أن يصحّح عند وجود جزيرة فيلتفّ حول بحرها الإقليمي ليعاود مسيره حسب رسمته الأساسية. كما في الرسم رقم 1.

خريطة تبيّن كيف رسمت محكمة العدل الولية حدود البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة بين هندوراس ونيكاراغوا في أميركا الجنوبية (8 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2007)،

يبقى السؤال: هل إنّ صخرة بطول بضعة عشر متراً وعرض بضعة أمتار تتمتع ببحر إقليم؟

إنّ التوجه العام هو إلى حرمان الجزر ضئيلة المساحة من المساحات البحرية المعروفة، غير أنّ محاولات العديد من مندوبي الدول في المؤتمرات الخاصة بقانون البحار، وضع معايير في هذا الصدد، لم تفضِ إلى نتيجة حتى الآن، وما زالت المسألة خلافية. وترى السيدة ديبلا أنّ الدول في ممارساتها كانت أحياناً تتجاهل الجزر الصغيرة، وأحياناً تأخذها بالحسبان لرسم الخطوط» الحدودية. فهذا يعني أنّ الجزر ضئيلة المساحة كانت هي المقصودة بالتجاهل أكثر من غيرها.

هوامش

(1) – Cour permanent darbitrage، Arbitrage relatif à la mer de Chine méridionale، République des Philippes et République populaire de Chine، affaire n°2013-19، 12 juillet 2016،

(2) – Haritini Dipla Le régime juridique des îles dans le droit international de la mer Graduate Institute Publication P. 233

(3) – R. Kolb، linterprétation de larticle 121 §3 de la convention de Montego Bay sur le droit de la mer، in annuaire français de droit international، année 1994/40. Pp876-909.

(4)- Cour op. Cit.

(5) – Ibid.

(6) – Ibid.

(7) – Cf Affaire Nicaragua c. Honduras، 8 octobre 2007. P. 73، §268، 302، et12. V cartes no 3 P. 82، no 5 P. 86، no 7، P.91 et No 8 P 92. Qatar c. Bahreïn، CIJ، REC 2001، P، 94. §176. Cameroun c. Nigeria، CIJ، Rec. 2002، P. 441، § 288، Roumanie c. Ukraine 3 février 2009، P. 62. §206 V.

(8) – Ibid. P 231

(9) – Ibid. P. 334

 

*دكتوراه دولة في القانون العام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى