أولى

هل ستجري الانتخابات؟

 سعادة مصطفى أرشيد _

أصدر الرئيس محمود عباس يوم الجمعة الماضي مرسوم إجراء الانتخابات، وذلك على أن يتمّ إجراؤها بشكل متدحرج: انتخابات المجلس التشريعي في أيار أولاً، تليها انتخابات الرئاسة في تموز، وأخيراً استكمال انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكنأو إنْ أمكن في آب، وكان المرسوم قد صدر عقب تسلّم الرئيس رسالة رئيس مكتب حماس السياسي الشيخ إسماعيل هنية، والتي تراجع فيها عن شروط حركته السابقة في حوارات المصالحة والتي كانت تصرّ على تزامن الانتخابات الثلاثة، لا أن تجري بالتتالي كما عاد ووافق. ومن الملاحظ أنّ هذه الرسالة أرسلت فور صدور بيان قمة العلا الخليجية والتي شهدت مصالحة مثيرة بين قطر من جانب والسعودية وحلفائها في الخليج من جانب آخر.

أتت هذه المصالحة كأحد أول وأهمّ مفاعيل انتصار الديمقراطيّين في الانتخابات الأميركية، والتي ستعيد الشيخ تميم وقطر بقوة إلى المشهد الإقليميّ، باعتباره الوكيل الأول وربما الحصري والوحيد للسياسات الأميركيةالديمقراطية في الخليج، ثم في المشرق. تجري الانتخابات بموجب قانون ينظمها ترشيحاً ودعاية، واقتراعاً وفرزاً واعتراضاً على النتائج، وقد أجرى الرئيس تعديلات عديدة على قانونها بموجب مراسيم رئاسية، من المفترض أنّ الانتخابات دورية كلّ أربع سنوات، الأمر الذي لم يحصل، فقد أُجريتْ مرتين فقط الأولى 1996 والثانية عام 2006، وكانت الأخيرة حتى الآن. هكذا فالانتخابات لا تجري باعتبارها استحقاقاً دستورياً، أو تقليداً ديمقراطياً، بقدر ما تعبّر عن حاجات وموجبات سياسية سيأتي المقال على ذكرها. في جانب من المسألة يتفاءل البعض، فلسطينياً وعربياً، أنّ إدارة بايدن لا بدّ أن تعود في وقت من الأوّقاتوأن لم يكن قريباًإلى العملية التفاوضية، وهي بحكم عقيدتها السياسية تفضل التعامل مع حكام وحكومات منتخبة وديمقراطية (ولو بشكل مظهري زائف)، وذلك بعكس الإدارات الجمهورية التي لا ترى حرجاً في التعامل مع حاكم عسكري انقلابي أو دكتاتور، وبالتالي فهي تفضل التعامل مع فريق فلسطيني جدّد شرعيته عبر الانتخابات.

في جانب آخر، يبدي عرب التطبيع الأخير، خاصة من كان منهم محسوباً على الرئيس الراحل، رغبة في ترميم وإعادة صياغة علاقتهم مع الإدارة الجديدة، الأمر الذي يبدو أنّ الدخول إليه لن يتمّ إلا عبر قطر وشيخها ويرى هؤلاء أنّ الأنسب بأن يكون مدخلهم الملف الفلسطيني لا الملف الإيراني الذاهب باتجاه الانفراج، والذهاب به نحو التصفية النهائية، الأمر الذي قد يكون ثمناً مُرضياً لبايدن لأن يغضّ النظر عن ملفات الفساد السياسي والمالي لدى هؤلاء، وملفات اليمن وحقوق الإنسان والديمقراطيّة التي قد تصل لأن تصبح قضايا جنائية، تتعلق بحبس ناشطة نسوية، أو أميرة شاردة من قصور الحريم، أو صاحب رأي أو صحافي تمّ قتله وأحياناً تقطيعه حياً. وهذا أيضاً يحتاج إلى انتخابات.

هكذا فإنّ الانتخابات تحتاج من الناحيتين النظرية والشكلية إلى توافق اللجنة المركزية في فتح ومكتب حماس السياسي على إجراء الانتخابات، ثم إلى صدور مرسوم من رئيس السلطة والذي هو رئيس الهيئة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولكن من الناحية العملية والإجرائية، فإنّ الحقيقة القبيحة تقول إنّ (إسرائيل) هي صاحبة الكلمة الأخيرة والنهائيّة في هذا الأمر، والذي لن تجري الانتخابات بالضدّ من إرادتها وحساباتها، وأن لا عرب التطبيع الجدد او القدامى من أصدقاء (إسرائيل) ولا صنّاعها القدامى من الأوروبيين قادرين على الضغط عليها في هذا الأمر، فقط واشنطن مَن يستطيع، (إسرائيل) توافق أو ترفض بناء على حساباتها بالربح والخسارة، والسؤال المهمّ هل ستوافق (إسرائيل) على إجراء الانتخابات أم لا، وما هي مصالحها وأرباحها من إجراء الانتخابات؟ الإجابة على هذا السؤال إنْ توفرت هي التي تنبئنا إنْ كانت الانتخابات ستجري أم لا.

في محاولة للإجابة على السؤال، تتوجّب العودة قليلاً لتاريخ الانتخابات القصير في تجربتيه السابقتين: الانتخابات الأولى جرت في عام 1996 وذلك بعد التوقيع على اتفاق أوسلو وبموجبه، وبعد استكمال دخول مَن وافقت (إسرائيل) على دخولهم من القيادة الفلسطينية ومقاتليها وطواقمها السياسية والإدارية (ويمكن القول أيضاً من وافق من هؤلاء على الاتفاق) إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تشكلت فوراً بموجب الاتفاق سلطة فلسطينية وظيفتها إدارة السكان والحفاظ على الأمن (كما ورد بالنص)، كانت وجهة النظر الأميركيةالإسرائيلية ترى أنّ شرعية مَن وقع الاتفاق معها منقوصة، إذ إنّ مصدرها برامج الكفاح المسلح وتحرير الأرض وإقامة الدولة، وبكلمات أكثر حماسة شرعية من فوهة بندقية، لذلك كان لا بدّ من استبدال مصادر الشرعية التي أصبحت منتهية الصلاحية، وتعزيز الشرعية من جديد، عبر انتخابات رئاسية وانتخابات مجلس السلطة، الذي أطلقنا عليه اسم المجلس التشريعي، بالطبع على أن يفوز بالرئاسة من وقع الاتفاق وأن يفوز بأغلبية مقاعد المجلس من يدعم الاتفاق، وهكذا بقيت الشرعية في شخوصها وإن تغيّرت مصادرها. الانتخابات الثانية لم تتمّ كما ورد في القانون الأساسي بشكل دوري في عام 2000، ولا في عام 2004، وإنما في عام 2006، ففي الربع الأخير من العام الذي سبق، زارت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس رام الله وفور دخولها مبنى الرئاسة قالت: عليكم إجراء انتخابات، وذلك حسب ما يورد رجال الرئاسة في حينه، كان التحضير للربيع العربي (الزائف) يجري على قدم وساق، وأجندة الزمن تقترب من مئوية الاتفاق الانجلوفرنسي المعروف باسم اتفاق سايكسبيكو، وكان لا بدّ من انخراط القوة الشعبية الأكبر في ذلك الربيع، وفي إعادة تشكيل المنطقة، وكان لا بدّ من انخراط جناحها الفلسطيني في العملية السياسيةالتفاوضية الجارية، أو عزلها وعقابها إنْ رفضت.

ما هي الأسباب التي قد تدفع (بالإسرائيلي) للموافقة على إجراء الانتخابات في أيار المقبل؟ في ظني أنّ العامل الأميركي الديمقراطي مهمّ، ولكنه غير كافٍ، (الإسرائيلي) قد أخذ القدس وكلّ ما يريد من الضفة الغربية، يريد اليوم طيّ صفحة الماضي المتمثل في منظمة التحرير، باعتبارها حمولة زائدة على ضعفها وهوانها، وأن تصبح السلطة هي ما تبقى من المشروع الفلسطيني وعلى ما تبقى من أرض.

*سياسي فلسطيني مقيم في جنينفلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى