أولى

حقائق السياسة
وأماني الفلسطيني

 سعادة مصطفى أرشيد_

يتمّ بناء كثير من السياسات العربية والفلسطينية منها على أنّ رئاسة جو بايدن ستكون امتداداً طبيعياً لسياسات إدارة الرئيس الأسبق أوباما، التي كان فيها بايدن نائباً للرئيس، وانّ الرئيس بايدن هو الشخص ذاته. وفي ظني أنّ ذلك تقدير غير دقيق. فالرجل يملك شخصية قوية، وهو مجرّب ومتمرّس في السياسة الداخلية والخارجية على حدّ سواء، وقد منحته تجربته الطويلة في الكونغرس ما يحتاجه من خبرة وحنكة، ثم أنّ مياهاً غزيرة قد جرت في وديان السياسة سواء في واشنطن أو في الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع من حكم ترامب والتي كانت مليئة بالأحداث، ذلك ما يجعل الرئيس الجديد ملزماً بالتعامل مع تلك المتغيّرات وإنْ بعقلية وسياسات مختلفة. وإذا كان قد تحدث ذات يوم عن حلّ الدولتين، فإنّ ذلك يعود الى زمن مضى، ولا يعني ذلك أنه سيبقى متمترّساً عند كلمته، فالسياسة أمر دائم التغيّر ولا ثوابت فيها، وكذلك مفهوم حلّ الدولتين الذي يحتمل أكثر من تفسير، مما يدعم هذه النظرة ما قاله منذ أيام، وزير الخارجية الأميركي الجديد بلينكن أمام الكونغرس، من أنه يدعم حلّ الدولتين، دولة (إسرائيل) كدولة يهودية وإلى جانبها دولة فلسطينية منزوعة السيادة والكرامة، بلا حدود بلا معابر، بلا سيادة على أجوائها أو جوف أرضها، بلا قدسها وبعض من الضفة الغربية. الثلاثاء الماضي، صدرت تصريحات مبالغة في تفاؤلها من رام الله اثر حديث أدلى بها القائم بأعمال مندوب الولايات المتحدة في هيئة الأمم السفير ريتشارد ويلز، قال فيه: سنعيد العلاقات مع القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وإنّ أخطاء عديدة كانت قد اقترفتها إدارة الرئيس السابق ترامب في هذا السياق ويجب تصحيحها، ولكنه لم يحدّد ما هي تلك الأخطاء، ويبدو أنّ من الأكيد أنّ موضوع القدس ونقل السفارة إليها ليسا من تلك الأخطاء، وكذلك ضمّ أراضي الضفة الغربية من أغوار ومستوطنات وبضائعها التي أصبحت تباع في الولايات المتحدة ومكتوب عليها أنها من إنتاج (إسرائيل)، ولعلّ تلك الأخطاء لن تتجاوز قطع المساعدات المالية وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإغلاق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية.

مما لا شك فيه أنّ انتخاب بايدن كان في بعض جوانبه انقلاباً في التوازنات العربية التي لها انعكاساتها على الشأن الفلسطيني، فقد وقر في يقين عديد من القادة العرب أن ترامب باق في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية، الأمر الذي دعاهم لأن يستثمروا في دعم إعادة انتخابه مالياً وسياسياً، لا بل وعلى حساب الأمن القومي من خلال عمليات التطبيع والتحالف بأشكاله السياسية والأمنية ثم الاقتصادية، وهذا الذي أوقعهم في مأزق مع الإدارة الجديدة التي تملك من الملفات والأدوات ما يكفى لليّ رقابهم، فجعل ذلك من خططهم وأحلامهم وأوهامهم أوراق خريف، تذروها الرياح. فانتصار بايدن، كان في الوقت ذاته انتصاراً لقوى إقليمية أخرى، دخلت في صراع مرير ومجهد مع إدارة ترامب، إيران تنفست الصعداء، حتى لو جرت تعديلات على الاتفاق النووي الذي أبرمته مع إدارة أوباما، لكنها مع مجيء بايدن، قد تجاوزت المرحلة الصعبة وقد خرجت من عنق الزجاجة، وكذلك قطر، الحليف الدائم للإدارات الديمقراطية في واشنطن، وانتصار لحلفاء قطر من الإخوان المسلمين وضيوف قطر من الفلسطينيين وأقصد هنا حركة حماس، وفي الوقت ذاته هزيمة للسعودية ومصر والإمارات وضيفها الفلسطيني، فيما يستطيع من تعامل بخصومة مع إدارة ترامب بأن يتفاءل (وربما يبالغ في تفاؤله) كما نرى السلطة الفلسطينية التي ترى أنّ دعاء الرئيس أبو مازن على بيت ترامب بالخراب قد تمّت الاستجابة له، ومن تعامل بحذر مع إدارة ترامب في عامها الأخير، أن يجد فرصة لبناء علاقات أفضل مع الإدارة الجديدة، كما حال الأردن. يبدي بعض العرب تفاؤلاً برئاسة بايدن، ومنهم الفلسطينيون، إذ يحملون الأمور توقعات وأماني فوق ما تحتمل، فما يصدر عن الإدارة الأميركية الجديدة ليس أكثر من تهويمات وإشارات قد تكون مضللةكالحديث عن حلّ الدولتينإذ لا سياسات أو استراتيجيات واضحة يمكن قراءتها أو البناء عليها حتى الآن، هذا فيما يتسع الخرق العربي والإسلامي والعالمي، بدول جديدة مرشحة للتطبيع، وأخرى بصدد نقل سفاراتها للقدس، فيما تتبادل (إسرائيل) مع السودان والمغرب والإمارات السفارات والبعثات والملحقيات الاقتصادية والثقافية والقباب الحديدية، وهو العربي الذي كان ظهيراً لفلسطين ومسألتها وحقوق شعبها، لن يكون بأحسن أحواله إلا وسيطاً محايداً، في العلاقة الفلسطينية (الإسرائيلية) فيما يغيب الفلسطيني تماماً عن أيّ تعليق أو إدانة أو انتقاد لهذا السلوك الشائن.

*سياسي فلسطيني مقيم في جنينفلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى