ثقافة وفنون

ملاحظات سلبيّة في الطرح الفنيّ الدراميّ الإسلاميّ في رمضان والمسيحيّ من خلال «ع إسمك»!

} جهاد أيوب

طرح المسلسل اللبناني «ع إسمك» والذي قُدّم بمناسبة عيد الميلاد أكثر من قضية اجتماعيّة ودينيّة وفنيّة، ومن الواضح أن المحطة التي أنتجت العمل « MTV « قصدت أن تقدّم لمناسبة دينية مسيحية وجبة دراميّة خاصة كما هو حاصل في مناسبة إسلامية كشهر رمضان، وبالفعل قدّمت منذ سنتين وضمن الأجواء الدينية ذاتها مسلسل «إم البنات» مع الفريق ذاته، وحقق آن ذاك نجاحاً لا بأس به.

وفي منتصف الشهر الأخير من عام 2020، والشهر الأول من عام 2021 كانت التجربة الدرامية الثانية واليتيمة في برمجة الفضائيات اللبنانية من خلال «ع إسمك». وهذا العمل كما ذكرنا آنفاً طرح أكثر من قضية أهمها قضية حساسة جداً تكمن في أن تنجب الفتاة العذراء العزباء من دون ارتكاب فعل الزواج وما بعد المجامعة. وهنا لا نقصد التلميح إلى السيدة العذراء أشرف خلق الله على الأرض. فتلك الحادثة ربّانية لأسباب رساليّة لا علاقة لها بفعل البشر، كما حال القضية التي سنطرحها من خلال مسلسل فنيّ قدّم بافتعال واقعي، وفرض الحالة جراء الإيجابيّة في تناول هذه القضية الحالة من دون أي رادع أخلاقي وديني أو مناقشة أو ردة فعل!

فقط تمّت المعالجة الدرامية من خلال اتهام المجتمع بالتخلف، لذلك وبما أن العمل قدّم على أساس المجتمع المسيحي تعمّداً أصبح الواجب هو السؤال:

هل أصبح الالتزام الديني في المسيحية شكلياً من خلال زينة شجرة الميلاد من دون الالتزام العقائديّ والكنسيّ؟

وهل تبرير الإنجاب من دون زواج والمعاشرة غير الشرعيّة بحجة التعصب أو المرض الصحيّ يجوز؟

وما معنى تبرير المعصية من خلال علاقات غير شرعية في الدين المسيحيّ بين أفراد المجتمع المسيحي، والذي ظهر من خلال سعي الكاتبة إلى طرح علاقة امرأة متزوّجة مع عشيقها، وتنجب منه الأطفال ضمن عائلة زوجها الشرعيّ «أطفال السَّفَاح» والمجتمع تقبّلها من دون مناقشة أو الاعتراف بالخطأ، كما لو كان الراعي في أعياد المسيحيّة يبرر أفعالاً كهذه، خاصة أن «ع إسمك» رغم فرضه للميلاد لم يوضح رأي الكنيسة، وتجاهلها كما لو كانت موافقة؟

قد لا يكون «ع إسمك» قصد افتعال ما نطرحه من أسئلة عن دراية، ولكن من حقنا السؤال كما كان من حقهم الطرح!

} فعل هوليود

نشير هنا إلى أن هوليود ومنذ انطلاقتها في أفلامها حاربت الكنيسة بقصص تعاكس البعد الديني المسيحي، وبالمقابل انشغلت الكنيسة بمحاربة هوليود والردّ عليها، ولكنها أخفقت فقررت الابتعاد، وعدم المواجهة وتجاهلها، وهذا جعل هوليود تتفوّق على الكنيسة، وتعمل على تشويهها، واستغلالها سلباً وبسخرية أحياناً بحجة أن ما يقدم هو فن، لذلك المسيحية في الغرب هي شكليّة تركز على الصلاة وزيارة الكنيسة وحركة أن الحرية الدينية وجهة نظر، ولا تعتمد على العمق الروحيّ والفلسفي والعقائدي، ولا تهتم في البحث عن المظلوم ضد الظالم، بل يترك الفرد للدولة، ويترك المجتمع للعمل، ولا يحقّ للدين أن يدخل في صراعات الدولة السياسية، وتستغل فقط بصراعها مع إسلام الشرق في الانتخابات السياسية كما حال فرنسا مؤخراً لو أردنا إعطاء المثل إضافة إلى استغلال الدين في الحملة الغربية لسرقة ثروات الشرق واتهمت بالحملة الصليبية!

نعم شوّهت هوليود الكنيسة، وجعلت المسيحية خارج قيود الدين والالتزام، وتآمرت الكنيسة مع هوليود من دون دراية لخطورة ما تقوم به هوليود بحجة أن مجرد تصوير الصليب يعني إشارة تصبّ في صالح المسيحيّة!

وهذا الصمت الانفعالي هو خطأ وجودي كبير يجعل المسيحية في الغرب مجرد حركة حزبية غير فاعلة فكرياً، ومقيّدة اجتماعيّاً بالتحرك السياسي ليس أكثر، وأن السياسة هي التي تتحكّم بحركة الدين كلما رأت أن مصلحتها تتطلّب ذلك، لا بل عدم المناقشة والحوار من قبل الكنيسة في ما تطرحه هوليود التي قدّمت بعض الأفلام الدينية القليلة جداً خارج اللعبة السياسية. وهوليود قامت بتعمّد على تشويه حقيقة الدين المسيحي، ونجحت بتقديم ما تجده يخدم سياستها التجارية والفكرية الخبيثة إلى جانب المصلحة السياسية الغربية!

وتفوّقت هوليود عبر أفلامها بتقديم أن الدين صناعة تقيّد المجتمع وتصيب الفرد بالشعوذة، وبأن ما تقدّمه الكنيسة في الغرب وربما في الشرق يندرج ضمن العقد القديمة والبالية!

} الدراما العربيّة الإسلاميّة

وتلفزيونياً تمكّنت الدراما الرمضانية في بلاد الإسلام والعرب أن تبعد المسلم عن روح دينه، وتتركه غارقاً في عنصرية أعمال بلاده ونجوم الفن من دون الاكتراث لخطورة ما يمرّر له عبر رسائل سياسية أوصلته إلى الخمول الديني والفكري والمعيشي، وسجنته في الطائفيّة من دون أن يشعر حتى طُرح عليه التطبيع مع مَن يغتصب بلاده من دون احترام للتاريخ والجغرافيا، وفرضته عبر الدراما المغلوطة في بلاد الوحي والرسالة المحمدية من دون أن نسمع بشارع رفض أو حاول المحافظة على إرث دينه وأجداده!

نعم نجحت الحركة الافتعالية للمنتج السعودي والإماراتي بتغيير منهج الفكر الديني والعقائدي عند المواطن المسلم الذي ذهب إلى التطرف الطائفي والحقد المذهبي مع أبناء دينه خارج العقيدة المحمدية وصولاً إلى تبرير جرائم الصهاينة، لا بل ذهبت بعض الألسن والأقلام السعودية تطالب بمحاكمة الرسول محمد بسبب محاربته أفعال اليهود في الجزيرة العربية!

وكما نجحت هوليود في تقديم صورة مشوّهة عن المسيحية للغرب، وقد انعكس على المسيحية في الشرق من خلال تقليد الفرد الأعمى للغرب، وأخذ يسبح في العيش هناك كما لو كان عيسى المسيح غربياً، علماً أن مسيحية الشرق هي الخزان الفعلي لتثبيت رسالة عيسى خاصة من الجانب الروحي الذي تفتقر إليه مسيحية الغرب وكنيستها!

وأيضاً انشغل بعض الإنتاج الفني العربي الثري قصداً بتشويه الموروث الديني، ولا يهم إن كان اسلامياً أو مسيحياً، فالمجتمع الديني المتطرف في بلادنا همّه اللعبة السياسية، وصمت عن الحالات التشويهية في بيئته ومجتمعه كما لو انه أصبح يبرر المعصية والدعارة والغلط الاجتماعي تحت حجة نريد أن نعيش. فالحياة صعبة كما حال ما نسمعه يومياً عبر الفضائيات العربية، وتقديم برامج تُعنى بحرية الفرد في ارتكاب فعل الخطأ والشهوة الجنسيّة خارج نطاق الدين وخارج التقاليد الاجتماعية وضمن سياسة حرية الفعل والاختيار من خلال تسويق فكرة «أننا تعبنا من الحرب مع «إسرائيل»، وأعطوها ما تريد من حدودنا ومياهنا وبترولنا وغازنا وثرواتنا، واتركونا نعيش»… وليس مهماً كيف نعيش، وفكرة «أنا هيك»؟!

نعم الفن المدسوس المدروس باستقامة التنفيذ عبر الإنتاج الضخم يطرح ما يفتعل الشكوك عند المواطن المتعصّب، والمتغيّر حياتياً، والمنزل بطائفيته تعصباً من دون علم ومعرفة بدينه وبفكر دينه هو الجحيم المقبل على أصحاب الأرض والكتاب…!

المجتمع الإسلامي، بغالبيته وقع في وحل التطبيع مع مَن يغتصب أرضه وفكره وتجارته، وتعصب لهشاشة تديّنه المتزمت، وأصبح متعصباً اكثر من خلال استغلاله طائفياً مع أنه في كثير من الحالات غير ملتزم دينياً!

والمجتمع المسيحي أغرق بالجهل الديني على حساب «اتركونا نعيش»، ولم يعُد يهتمّ لأصول دينه في مجتمع متغيّر واستهلاكي يسعى لمواكبته من دون دراية بل من خلال تقليده للغرب بما لا يشبهه، وبسبب ما زرع فيه من خوف وجودي في الشرق سوّق عبر كذبة حرية الرأي في الأفلام الهوليوديّة والبرامج الترفيهية الحوارية الغربية، وهذا لا ينفي دور دكتاتورية محاصرة الفن والفكر في الشرق من قبل غالبية الأنظمة الحاكمة سياسياً!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى