مقالات وآراء

هل تعوّدت الفيحاء على البكاء!

 

} علي اليسوعي

عجيب أمر المظلومين الفقراء في بلادي! هؤلاء الذين أدمنوا على الجوع! يدافعون عن سياسة التجويع! في غابة الذئاب والضباع! المقنّعة بوجوه البشر! ليسخّر الفقر لقتل الجياع! وتستنسخ حروب الشوارع لسفك دماء الأبرياء! وبعد كلّ حرب نستغيث الأوصياء! لتباع! كرامتنا ثمن رغيف خبزنا اليومي! وسلمنا وظيفة القاتل والمقتول! وأجبرنا على الهدم المبرمج! ورفعنا كلّ الشعارات المبهمة! وجنّدنا في ثورات الفوضى والجوع لبقاء الأغنياء والأقوياء! هي الفيحاء! تعوّدت على البكاء! هي طرابلس تتذكر كم مرة حرقت شوارعها باسم العروبة! وباسم فلسطين القضية! كم من الميليشيات اغتصبت مخازنها ومقاهيها! ومطاعمها الشعبية! وهدموا شوارعها باسم البصمة الوهابية!! ليزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى! منذ خمسين سنة وفي كلّ صباح تفيق هذه المرمية فوق شواطئ المتوسط على مصيبة وكارثة! وكم من بندقية رصاصها قتل الأبرياء! باسم التحرير والنضال!

وأغرب ما في الأمر أنّ الأموال تصرف للقتل والتدمير والتخريب والتقسيم! وصراعات عنف التطرف! لتحرق المدارس والثانويات والمكتبات! ليسلح المهووس والمأجور! لحماية الفوضى والتسيّب! ولبقاء الحرمان! مهزلة المهازل! أن يزوّد الجياع بالقنابل! وبأجساد الأطفال يتقاتلون حكام المحاور! من يصدّق باسم الفداء! بإسم الإخوة! والأعداء! يقتل جائع برصاص الجياع!! منذ خمسين سنة وعاصمة الشمال تعيش صراع الحيتان! هي الفيحاء مزرعة من مزارع لبنان! قسموها جزأوها صلبوها! قتلوا الإنسان فيها!! جعلوه في مصاف الحيوان، لعبة يتلهّون بها كلما احتاج فلان!

ميليشيات أربابها ساسة ومستزلموها وقود تحرق بهم فيحاء بلادي!! تحرق بهم بلادي! منذ خمسين سنة اختلفنا على من نحن! لتجزّئنا الفردية والتبعية! من دعشنة وعثمنة! وفرنكفنة وأمركة وأسرلة وسعدنة السعادين! والشيطنة! من نصف قرن والمهمّش علموه التهميش والجائع أمروه أن يجوع! والمشرّد طلبوا منه أن يشرّد! والمجرم والقاتل سلحوه ليقتل! واللص وظفوه ناطور! والخائن وضعوا على صدره وساماً! وأخرسوا الأصوات الحرة! وخفوا كلّ المهن الشريفة! حرقوا المتاحف والمغافر! وباعوا الآثار! وبنوا معاهد الجهل والتطرف لتخريج القتلة وحفار المقابر! هل هناك من يفسّر لما مدن هذا المشرق تهدم واحدة تلوى الأخرى! من بغداد والموصل واربيل ونينوى! الى دمشق وحلب وحمص وحماة! من بيروت الى طرابلس! والقدس ميهودة! وعمان موصدة! هي الفيحاء تسرد الحقائق! وفقراؤها ليسوا بحاجة إلى قنابل ورصاص وبنادق! الجياع يحتاجون إلى خبز وليس إلى محارق!

مدن هذا المشرق تعوّدت على البكاء! هل الحزن يكفي! ثمناً لدماء الأبرياء؟! منذ خمسين عام وما تعرّفنا الى الذين يزرعون النار! لنحصد الرماد؟! وليسكن في قلوبنا الدمار!

ونخسر حتى الهواء! لنتنفس الدخان والغبار! وبعد البكاء بكاء! وبعد نصف قرن هل بقي عندنا من حياء! في وطن يقتل الجندي بيد متطرف أرعن! وتهدم مدن التاريخ فوق هذه الأرض باسم السماء! وعقابنا لأننا ولدنا في مشرق الأنبياء!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى