أولى

إيران… وأربعةُ عقودٍ من استكمال المسيرة

 د. عباس خامه يار*

 

اليوم يعيش المسلمون ودعاة الحرية والسلام في العالم ذكرى عزيزة، هي الذكرى الثانية والأربعون لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، هذا الحدث التاريخي الذي وسمَ القرن العشرين فكان منعطفاً بارزاً في معالمه وآثاره. هي ثورةٌ حقيقية، فلم تكن انقلاباً عسكرياً أو تغييراً في المناصب السياسية والعروش الملكية، وإنما نهضة بنيوية قوامها إرادة شعبٍ عظيمٍ قدّم آلاف الشهداء، قائدها رجلٌ ترفّع عن كلّ القيم المادية وإرادة السلطان والجاه، ثار من أجل إعلاء كلمة الله. هذه الثورة كان خطابها مستقًى من القرآن والسنّة المحمدية، ومؤسساتها مشيّدةً فوق أسس الديمقراطية الحقيقية، وسياستها الخارجية مستقلةً فلا هي شرقية ولا غربية ولا تخضعُ لأيّ قرارٍ أجنبيّ، يسارياً كان أو يمينياً، بل هي سياسةٌ نابعة من الإرادة الإسلامية والوطنية.

امتازت هذه الثورة بشرعية قراراتها إذ إنّ جميع مؤسساتها ومراكز صناعة القرار منتخبة من قبل الشعب، بدءاً من مجلس القيادة مروراً بالبرلمان وانتهاءً بالمجالس البلدية، فكانت بذلك فريدةً من نوعها لا تشبه ثورات الدول العظمى التي تتبجّح بالديمقراطية وتحمل شعار الحرية.

تمتلك الجمهورية الإسلامية في إيران اليوم خطاباً ثقافياً متميّزاً مبنياً على الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي والتسامح والإخاء. هذا الخطاب الذي يؤصل الانفتاح وينبذ الخلافات ويتجنّب الصراعات ويدعو إلى الحوار والتفاهم والوسطية، باعتبارها قاسماً مشتركاً بين كافة الحضارات والأديان. لقد شهدت الساحة الثقافية والعلمية والتقنية في السنوات الأخيرة قفزاتٍ نوعيةً سواءٌ على مستوى المؤسسات أو على مستوى التأليف والترجمة والنشر والابتكارات العلمية والإنجازات التقنية في مجال الدواء والنانو والفيزياء النووية والعلوم الحيوية والطب والطاقة وعلوم الفضاء.

إنّ خطاب الثورة يؤكد إلى اليوم وعلى الدوام مبدأ ترسيخ العلاقات الثقافية بين إيران والدول العربية لا سيما بلدان الجوار. أما على صعيد السياسة الخارجية فلطالما وقفت إيران إلى جانب الشعوب الفقيرة والمستضعفة والمستهدفة التي تواجه الفقر والحصار والظلم والاحتلال، وهو عهدٌ لإيران في دعم الشعوب التي تناضل من أجل الاستقلال والسيادة لا سيما الدول العربية والإسلامية، وهذا يتجلى أكثر في موقف إيران من القضية الفلسطينية بدءاً من تحويل سفارة الكيان الصهيوني إلى سفارة فلسطين وانتهاءً بدعم الانتفاضة المباركة التي تشهدها الأراضي المحتلة.

كذلك لا ينبغي تجاهل الإنجازات والنجاحات التي حققتها الثورة على المستوى الاقتصادي والخدمي أبرزها تربية جيلٍ جمع في تحصيله العلمي بين الدراسة الدينية والأكاديمية، وقد واصل بذلك مسيرة الثورة، ليخطوَ إلى الأمام في المرحلة أو الخطوة الثانية التي تحدّث عنها الإمام الخامنئي في احتفالية مرور أربعة عقودٍ على فجر الانتصار. ولا ننسى المرأة التي بلغت غاية أهدافها بعد لحظة الثورة، فتحوّلت عنصراً فاعلاً يساهم في النشاطات الاجتماعية إلى جانب الرجل، مسلحةً بالإيمان والقيم الإسلامية.

هذه الإنجازات التي قد لا يتسع المجال للخوض في تفصيلها هنا، أثارت الأحقاد المتمثلة اليوم بالحرب الناعمة تارةً وبالعقوبات والحصار الاقتصادي تارةً أخرى، وجعلت إيران اليوم عرضةً لكافة أنواع الإرهاب المنظم وغير المنظم، غير أنها ما لبثت تواصل المسير والنهج الذي وضعها عليه وثبّتها الإمام الخميني الراحل واستكملَه من بعده وحتى اليوم القائد آية الله الخامنئي، بدعمٍ من الجماهير الشعبية التي تمتلك سلاحَ الإيمان والعقيدة والوحدة الوطنية والإسلامية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى